بعد أسابيع من إعلان تركيا الاتفاق مع قطر على إقامة أول قاعدة عسكرية للجيش التركي ـ خارج أراضيها ـ في قطر تطل على «الخليج العربي»، كشفت أنقرة عن اتفاقية جديدة مع الصومال لإقامة قاعدة عسكرية كبيرة تضع قدماً للجيش التركي في «خليج عدن» الإستراتيجي، في خطوات رأى فيها محللون سياسيون أنها تكشف عن تغيرات حقيقية في السياسية الخارجية للحكومة التركية في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة والقارة السوداء، وذلك في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي».
وتستعد تركيا، لتأسيس تواجد عسكري لها في خليج عدن الاستراتيجي، وذلك من خلال إنشاء قاعدة عسكرية لها في الصومال، لتدريب نحو 10 آلاف و500 جندي صومالي، وأوضحت مصادر تركية أن القاعدة ستبدأ عملها الصيف المقبل.
وقالت صحف تركية مقربة من الحكومة إن هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة فتح أسواق جديدة للأسلحة التركية والبحث عن أسواق جديدة لبيع الأسلحة التي تنتجها أنقرة، وأن القاعدة ستضم مبدئياً نحو 200 جندي تركي سيتكفلون بضمان الأمن والتدريبات.
وقال موقع «Haber7»، إن «تركيا تبدأ أعمالها في هذا الإطار من خلال تعزيز تواجدها في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويأتي اختيارها لقطر والصومال للأهمية الجيوسياسية لهاتين الدولتين، إلى جانب أسباب أخرى».
المحلل السياسي التركي باكير أتاجان أوضح أن تركيا تعمل منذ فترة طويلة في أفريقيا بشكل عام والصومال بشكل خاص على تقديم المساعدات الإنسانية والدعم لتلك الدول الفقيرة، ولكنها الآن انتقلت من الخطوات المدنية للعسكرية بإعلانها إقامة قاعدة بالصومال.
وقال في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي»: «من أهم الخطوات التي اتخذتها تركيا في السنوات الأخيرة هو إقامة قواعد عسكرية في قطر والصومال»، مشدداً على أنه لا توجد أهداف توسعية بالمعنى السلبي أو احتلال لشعوب «أو كما تروج إيران أن أردوغان يعمل على إعادة الدولة العثمانية»، وإنما هي عمليات توسع تهدف إلى حماية مصالح تركيا في المنطقة وخليج عدن الإستراتيجي.
واعتبر أتاجان أن «تركيا ما زالت متمسكة بسياسة صفر مشاكل، لكن هذه السياسية لا تعني أن تقف متفرجة أمام محيط مليء بالمشاكل والنزاعات التي تمس الأمن القومي لتركيا وبالتالي أنقرة مضطرة ومجبرة على التدخل غير المباشر لحماية مصالحها وأمنها القومي».
ورأى أن هذه الخطوات تأتي «في إطار مجاراة خطوات إيران التوسعية في المنطقة وأفريقيا»، وقال: «التغلغل الفارسي فرض على تركيا التحرك بهذا الشكل».
وأنشأت تركيا قاعدة عسكرية في قطر بدأت العمل في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بموجب الاتفاقية العسكرية بين البلدين الموقعة في الـ19 من ديسمبر/كانون الأول 2014 وتنص على تشكيل آلية من أجل تعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات التدريب العسكري، والصناعة الدفاعية، والمناورات العسكرية المشتركة، وتمركز القوات المتبادل بين الجانبين، حيث من المخطط أن يبدأ نحو 3 آلاف جندي تركي العمل في قطر فور الانتهاء من استكمال إنشاء القاعدة التي يعمل بها حاليا 100 جندي.
وأكد سعيد الحاج الكاتب والباحث في الشأن التركي أن الصومال لها مكانة خاصة في السياسة الخارجية للحكومة التركية وتعمل أنقرة على دعمها اقتصادياً وإنسانياً منذ فترة طويلة وعملت على بناء مطارات وطرق وجسور من خلال عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني الناشطة هناك والتي قدمت نموذجاً للقوة الناعمة لتركيا في هذه الدول الإفريقية.
ورأى في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» أن سياسة صفر مشاكل والقوة الناعمة لم تعد تكفي لوحدها ولم تعد تناسب الظروف الحالية في المنطقة والعالم ولجأت السياسة الخارجية لتركيا للعمل على بناء شراكات «قوية وفاعلة» وهو الأمر ذاته الذي حصل مع قطر.
وقال: «بعد إنشاء قاعدة في قطر، تتجه تركيا للصومال المطلة على الخليج والمضيق ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة، ذلك يدلل على أن السياسة الخارجية التركية تتجه للخارج وتعمل بهدوء بدون خلق عداءات لكن هذه السياسة تحتاج لسنوات مقبلة كي تؤتي بنتائج مباشرة أكبر».
وعن إمكانية وجود تنسيق سعودي تركي في هذا الإطار، استبعد الحاج أن تكون في إطار تنسيق وخطوات مشتركة «لكن الخطوات التي تتخذها البلدين في الآونة الأخيرة فيها نوع من التواصل ويمكن أن تكون السعودية في صورة التحركات التركية الأخيرة»، معتبراً أن «السعودية ستكون سعيدة بالخطوات التركية في مضيق باب المندب الذي يعتبر أهم محاور الصراع مع إيران».
ونقلت وسائل إعلام تركية عن مسؤول قالت إنه رفض الكشف عن اسمه، قوله إن «تركيا تعقد اتفاقيات عسكرية لتعزيز ثقلها السياسي في المنطقة، لذلك فهي تبدأ في هذا الإطار، بعقد اتفاقيات مع دول ذات الأهمية جيوسياسية، وتملك علاقات ثنائية جيدة معها»، مضيفاً: «العلاقات الثنائية تعززت بين تركيا وقطر لمصلحة البلدين في التعاون ضد خطر المجموعات الإرهابية والتحديات الإقليمية.. قطر قاعدة هامة جدًا لإظهار تركيا تواجدها العسكري خارج البلاد».
إسماعيل جميل
صحيفة القدس العربي