تستند القوى الإقليمية والدولية الساعية لاستمرار بشار الأسد في السلطة على مبررين أساسيين، أولهما مبدأ حق «الشعب السوري» في الاختيار، وثانيهما المحافظة على وحدة الدولة السورية.
فأما المبرر الأول فهو ينطوي على إساءة استخدام مبدأ صحيح يبدو استدعاؤه في هذه الحالة كما لو أننا إزاء ملهاة وسط مأساة لا مثيل لها في عالمنا الآن. أما المبرر الثاني فيستحق مناقشة لأن استعادة وحدة الأراضي السورية ينبغي أن تكون هدفاً أساسياً في أية صيغة يقوم عليها حل سياسي قابل للتطبيق، غير أن الربط بين هذا الهدف واستمرار الأسد يعني غلق الطريق مسبقاً أمام مثل هذه الصيغة، كما أنه يفرض علينا أن نمحو ذاكرتنا ونرفع من التاريخ وقائع ثابتة تفيد أن إصرار الأسد على قمع الانتفاضة في مهدها حين كانت سلمية، وتخطيطه لإغراقها في بحر من العنف، هو الذي أدى إلى تفتيت الأراضي السورية فعلياً بين عدد كبير من الأطراف المتحاربة الآن.
وهذا فضلاً عن أن الأسد شخصياً اتجه خلال العام الماضي إلى تكريس هذا التفتيت عبر خطة لتحصين المناطق التي أسماها «سوريا المفيدة» حين كانت قواته والميليشيات التابعة لإيران في حالة تراجع، قبل أن يأتيه المدد الروسي.
كما رفض الأسد نصائح بعض أركان نظامه، الذين يحرصون على وحدة سوريا، بإجراء حوار وطني جاد في بداية الانتفاضة وإجراء إصلاحات ضرورية لاستيعاب الغضب الشعبي، وعلى رأسهم نائبه الذي اختفى منذ سنوات فاروق الشرع.
لذلك ينطوي الموقف الذي يربط بين استعادة وحدة سوريا واستمرار الأسد على تناقض في بنيته. فالأسد الذي لا يحركه إلا غريزة السلطة بأضيق معانيها وأكثرها خشونة، هو آخر من يمكن أن يكون معنياً بوحدة سوريا أو مؤتمناً عليها. ويتجلى التناقض في الدعم الذي يقدمه من يصرون على هذا الربط لقوى سورية انفصالية تهدف إلى الاستقلال، لكنها مرتبطة بعلاقات مصلحية غير معلنة مع نظام الأسد، خاصة «مجلس سوريا الديموقراطية» الذي يهيمن عليه «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي. ويكشف تصميم روسيا وإيران على دعم هذا المجلس، الذي تسانده الولايات المتحدة أيضاً، حقيقة مواقف من يرفعون شعار وحدة الدولة السورية ويدعمون استمرار الأسد في الوقت نفسه، لأن الحزب المهيمن على ذلك المجلس يهدف إلى استقلال المناطق ذات الأغلبية الكردية، فالمكوِّن الأساسي في «مجلس سوريا الديموقراطية» هو الحزب الكردي الوحيد الذي يهدد وحدة سوريا، بخلاف أحزاب «المجلس الوطني الكردي» التي انضمت إلى «الائتلاف الوطني» عام 2013.
وليس هذا المجلس إلا الإطار السياسي الذي يجمع «قوات سوريا الديموقراطية» في الأساس، وحولها عدة جماعات سياسية صغيرة، وما تلك القوات إلا الاسم المعدل لـ«وحدات حماية الشعب» التي تعد جناحاً مسلحاً لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا.
والسؤال هنا هو: كيف يدعم من يرفعون شعار وحدة الدولة السورية مجلساً يسيطر عليه حزب يصعب إخفاء هدفه النهائي في الانفصال رغم خطابه المراوغ؟ ليس غريباً أن تدعم الولايات المتحدة القوات التابعة لهذا المجلس عسكرياً ولوجستياً في إطار سياستها غير المعنية بوحدة سوريا، لكن حين يتبنى من يجعلون هذه الوحدة أحد أهم مبرراتهم لاستمرار الأسد، مجلساً يسيطر عليه حزب انفصالي، فهم يكشفون موقفهم الحقيقي.
المهم أن هذا الحزب شرع فعلياً في وضع الأساس لاستقلال المناطق التي يسيطر عليها الآن، منذ أن ترك نظام الأسد بعضها له عام 2013 بدون قتال، وبعد أن أتاح له الدعم الأميركي المعلن بدعوى محاربة «داعش» أن يسيطر على بعضها الآخر. فقد أقام ثلاث إدارات ذاتية في شمال سوريا وشمال شرقها (الجزيرة وعفرين وعين العرب أو كوباني). وتمارس قواته أبشع أشكال القمع ضد الأكراد الذين يرفضون نزعته الانفصالية.
ولا تفيد ذريعة ضمان تمثيل كردي في المعارضة لإزالة التناقض في موقف من يربطون وحدة سوريا باستمرار الأسد، لأن هذا التمثيل حاضر فعلاً من خلال أحزاب عدة أسست في أكتوبر 2011 «المجلس الوطني الكردي» الذي انضم إلى «الائتلاف الوطني»، وهذا فضلاً عن أن «مجلس سوريا الديموقراطية» ليس معارضاً للأسد، بل يؤدي دوراً في خدمته بطريقة غير مباشرة.
وحيد عبدالمجيد
صحيفة الاتحاد