قبل بدء تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ5+1، حدثت واحدة من الصدمات أو الصدامات التي أشرنا إلى احتمال وقوعها بين الإيرانيين والأميركيين بصفة مباشرة أو غير مباشرة يوم توقيع الاتفاق، ولكن دون أن يؤثر ذلك على مسار تنفيذه، وهذا ما تأكد بالفعل، إذ، عندما دخلت قوات بحرية أميركية إلى المياه الإقليمية الإيرانية بادرت قوات بحرية تابعة للحرس الثوري إلى تطويقها واقتيادها إلى مواقع إيرانية، ولم تكتف طهران بذلك، بل عمدت قوات الحرس إلى تصوير البحَّارة الأميركيين راكعين على الأرض وأيديهم فوق رؤوسهم، ولكن الرئيس أوباما اعتبر المسألة حادثاً عرضياً، وأشاد بدبلوماسية وزير خارجيته جون كيري الذي اتصل بنظيره الإيراني وتمت معالجة الأمر خلال ساعات.
إذن، الحادثة لم تؤثر على مسار الاتفاق وحركة زورق التطبيع بين أميركا وإيران في بحر العلاقات الذي سادته موجات من التوتر والعواصف والقلق!
أما تنفيذ الاتفاق فقد تم وفق برمجة محددة سلفاً، وبسيناريو متفاهم عليه. الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعلن إنجاز إيران المراحل التمهيدية الضرورية لبدء تطبيق الاتفاق المبرم في 14 يوليو 2015، وفوراً المفوضية الأوروبية تعلن رفع العقوبات، ثم يأتي الإعلان ذاته من واشنطن. ويتزامن ذلك مع هدايا متبادلة فتطلق طهران سراح معتقلين أميركيين موقوفين لديها ومحكومين، وتعلن واشنطن إطلاق سراح إيرانيين تطالب بهم طهران منذ مدة، وتقدم «Bonus» للرئيس روحاني وحكومته من خلال إعلان التخلي عن ملاحقة 14 إيرانياً آخر أمام الإنتربول!
توقف كثيرون في المقابل عند فرض عقوبات أميركية على شخصيات وشركات إيرانية متهمة بموضوع الصواريخ البالستية، ولا أعتقد أن الأمر يخرج عن إطار اللعبة المعهودة في بداية طريق التطبيع. الإدارة الأميركية وحكومة روحاني وقعتا الاتفاق لينفّذ، ثم ليستمر بينهما من جهة ومن قبل كل فريق وفق مصالحه وحساباته الداخلية والخارجية من جهة أخرى! وإيران تريد التطبيق قبل انتهاء ولاية أوباما الذي يريد بدوره تكريس هذا الإنجاز التاريخي أيضاً.
أوباما اعتبر الخطوة إنجازاً تاريخياً واختراقاً دبلوماسياً ذكياً، مشيراً إلى أنها «تتيح لنا أن نكون في موقع أفضل لمواجهة مشاكل أخرى»، وخاطب الإيرانيين ولاسيما الشباب منهم، بالقول: «نحن نتحاور الآن؛ باتت أمامكم فرصة لإقامة روابط جديدة في العالم ولسلوك طريق جديد».
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية قرارها بالسماح لفروع الشركات الأميركية في الخارج بالتعامل مع إيران ليؤكد روحاني أنه مع هذا القرار «فتح ألف خط ائتمان مع المصارف الإيرانية بما يسقط رهانات المشككين»! وأكد روحاني أن بلاده «تتجه إلى قطع» الحبل السري «مع النفط». بمعنى العمل على «إعادة بناء الاقتصاد الإيراني» في معزل عن التقلب في أسعار النفط، فطهران ستستعيد 150 مليار دولار من جهة، وستطلق مشروع تنمية تحتاج فيه إلى استثمارات أجنبية تتراوح بين 40 و50 مليار دولار في السنة من جهة أخرى. ستأتي من الخارج وستكون البلاد موقع جذب واستقطاب لكل الدول البعيدة والقريبة، «الصديقة التي وقفت معنا أولاً والدول الأخرى ثانياً»! ويضاف إلى ذلك أن إيران تراهن على ذراعها الواصلة إلى مناطق كثيرة! وهذا يستوجب قراءة واعية لمجريات الأمور وخطوات مدروسة على كل الصعد.
أما إسرائيل فقد منع رئيس حكومتها وزراءه من التعليق على الحدث حتى نرى «ما سنحصل عليه من أميركا»، ويعني الاستمرار في لعبة الابتزاز المفتوحة لقبض ثمن كل خطوة، إلا أن المدير العام لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية قال: «تمكن الإيرانيون من لف الجميع حول إصبعهم الصغيرة»! وفي ذلك إهانة للغرب وأميركا من جهة وتأكيد لمبدأ ابتزازهما تحت عنوان ضمانات إسرائيل وإطلاق حرية حركتها في فلسطين والمنطقة لتحمي أمنها وشعبها واستقرارها من جهة أخرى!
غازي العريضي
صحيفة الاتحاد