اتخذت إيران من الثقافة أداة للتوسع في سوريا وبوابة للتأثير في الثقافة العربية للسوريين ونشر المذهب الشيعي لكنها لم تبلغ أهدافها لتمسك السوريين بطابعهم العربي.
نادية فون مالتزان، ابنة دبلوماسي ألماني، في دمشق وهي من بين الباحثين الذين يركزون اهتمامهم على العلاقة بين سوريا وإيران لسببين؛ أولا، تم تعيين والدها بول مالتزان سفيرا في طهران في عام 2003، وعندها كانت قد اغتنمت الفرصة لزيارة والديها في طهران. ثانيا، أتيحت لها الفرصة للحديث إلى أحد الإيرانيين عندما كانا على متن الطائرة في إحدى رحلاتها.
وبما أن دمشق مسقط رأس نادية فقد عادت إليها لأول مرة عندما كانت تدرس الأدب والتاريخ العربي في جامعة كامبريدج. وقالت نادية، وهي باحثة مساعدة في معهد الشرق، خلال مقابلة مع مكتب صحيفة الغارديان البريطانية في بيروت “أنا أحبها (دمشق)، وشعرت منذ البداية بأنني في بلدي”.
وتتساءل فون مالتزان كيف يمكن للعلاقات السياسية بين إيران وسوريا أن تكون متينة في ظل القصور في مستوى الفهم الثقافي. وهو ما دفعها إلى أن تعد رسالتها للدكتوراه حول الدبلوماسية الثقافية والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط.
تدرك نادية أن كلا من إيران وسوريا وقعتا معاهدة صداقة في عام 1953. لكن الجهود لتحسين العلاقات الثقافية تعتمد على “أفراد متحمسين”، وهو ما لم يتحقق بسبب مخاوف الشاه من أن السوريين يرون مصلحة بلدهم في بقائه في الحضن العربي.
وفي عام 1979 دعت الثورة الإيرانية “المضطهدين” “المستضعفين” إلى أن يثوروا ضد حكامهم “الظالمين” “المستكبرين” من أجل ثورة إسلامية عالمية. ومنذ الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، لم تركز سياسة إيران تجاه سوريا على السعي لإقامة علاقات مع الجماعة الإسلامية السنية، ولكن مع القيادة “العلمانية” للدولة المتمثلة في حزب البعث.
بعد ذلك افتتحت إيران مركزا ثقافيا في دمشق عام 1983، على مقربة من مقر سفارتها، وكتبت فون مالتزان عن المركز الثقافي أنه “يقع في قلب دمشق، بجوار ساحة الشهداء وعلى مسافة قريبة من مرقد السيدة رقية والجامع الأموي في المدينة القديمة… وهو موقع مركزي يجعله في متناول أي شخص”.
السياحة الدينية الإيرانية عرفت السوريين بتقاليد الإيرانيين إلا أنها لم تسهم في سد الفجوة الثقافية بين الشعبين
مهمة المركز الثقافي الإيراني في دمشق تتمحور حول توسيع الثقافة والعلاقات العلمية والدينية والفنية بين البلدين، والتعريف بالثقافة الإسلامية الإيرانية، مع التشديد على أهمية الوحدة الإسلامية وتعزيز اللغة الفارسية وميزاتها الأدبية بقوة. كما عملت إيران على تعزيز اللغة الفارسية في التدريس، من خلال التعاون بين مركزها الثقافي والجامعات السورية الأربع الرئيسية في البلاد، في دمشق وحلب واللاذقية وحمص، وهو ما اعتبرته مالتزان في دراستها “قوة ناعمة”.
أما سوريا فلم تفتح مركزها الثقافي العربي في طهران، حتى عام 2005، رغم أن نادية ذكرت في دراستها أن المركز العربي السوري أصبح يحظى بشعبية في صفوف الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية لأنه يعد مكانا جيدا لتحسين مهاراتهم اللغوية. ولعل الجانب الأكثر شعبية في العلاقة الإيرانية-السورية هو السياحة الدينية الإيرانية التي لاحظت فون مالتزان أنها محببة لدى الشباب. والضريح الشيعي الأكثر زيارة في سوريا هو ضريح السيدة زينب، أخت الإمام الحسين، ويوجد مقره في جنوب غرب دمشق.
وتشير نادية في الدراسة التي أجرتها إلى أن الدبلوماسية الثقافية شجعت الزوار من إيران في الثمانينات، على زيارة المراقد الشيعية في سوريا كبديل عن المراقد الشيعية في العراق خلال الحرب بين العراق وإيران التي امتدت ما بين 1980 و1988. وهناك أكثر من 360 ألفا من الإيرانيين زاروا سوريا عام 2008، وأكثر من 333 ألفا منهم من السياح. واقتصر التواصل بين الزوار الإيرانيين والسوريين، إلى حد كبير، على أولئك الذين يمارسون السياحة أو التجارة. وعمل الساهرون على مجال السياحة الدينية الإيرانية على تعريف السوريين بتقاليد الإيرانيين إلا أن ذلك لم يسهم في سد الفجوة الثقافية بين الشعبين.
ومنذ ثورة 1979 ساعدت إيران في عمليات تجديد وتوسيع المراقد والأضرحة الشيعية، بما في ذلك تلك التابعة للسيدة زينب والسيدة رقية. وتبدو الهندسة المعمارية مميزة، وتقول نادية إن “النمط الإيراني واضح، بحيث يمكن للمرء أن يرى ذلك في سوريا، لأن الإيرانيين كانوا مشاركين في ترميم بعض الأضرحة”.
وفي عام 2010، زارت نادية المركز الثقافي الإيراني الذي تم إنشاؤه قبل أربع سنوات في اللاذقية، وذكرت دراسة أجرتها رابطة الثقافات والعلاقات الإسلامية، وهي منظمة حكومية إيرانية، أن السوريين من المنطقة الساحلية والجبال المحيطة بها، مناطق مرتبطة في الغالب بالعلويين، هم الأكثر انفتاحا على الجهود الثقافية الإيرانية مقارنة بباقي المناطق الأخرى في سوريا، ولهذا السبب تركز إيران أنشطتها الإقليمية في تلك المناطق.
صحيفة العرب اللندنية