لسنا هنا بصدد المقارنة بين حجم القفزات الهائلة، والانجازات الباهرة، والنجاحات المذهلة التي حققتها اليابان، وبين مسلسل الكبوات المتكررة والاخفاقات المخجلة، التي سجلها العراق في دفاتر الخيبة والفشل، بقدر ما نريد تسليط خيوط الأضواء الليزرية الثاقبة على الفوارق الكبيرة في المقومات البنيوية للبلدين، ونبين للقارئ الكريم افتقار اليابان لمعظم المزايا والعطايا التي يتمتع بها العراق.
فمساحة العراق أكبر من مساحة اليابان بنحو (59.128) كيلومترا مربعاً. إذ تقدر مساحة العراق بنحو (437.072) كيلومتراً مربعاً، بينما تبلغ مساحة اليابان حوالي (377.944) كيلومتراً مربعاً. آخذين بنظر الاعتبار التباين الكبير بين خصوبة التربة العراقية الرسوبية وأنهارها الكبيرة العذبة، وبين وعورة الصخور اليابانية البركانية، وجزرها الصغيرة المبعثرة في أعماق المحيط الهادي. لكنها قطعت شوطاً كبيراً في استثمار 15% من أراضيها الصالحة للزراعة، ونجحت في زراعة المدرجات على التلال والجبال، ثم توجهت لتطوير تقنيات الزراعة المائية من دون حاجة للتربة، حتى جاء اليوم الذي أبدت فيه أمريكا اهتمامها بالتكنولوجيا اليابانية المتقدمة في مجال الزراعة.
فاليابان التي لا يتجاوز تعدادها المائة والعشرين مليوناً، وتعيش في مساحة أصغر بكثير من العراق. لم تواجه في يوم من الأيام خطر المجاعة والفقر، بل زاد فائضها على الفائض الأمريكي، على الرغم من افتقارها للنفط والغاز والفحم، وعلى الرغم من شحة مواردها المعدنية. وكل القصة وما فيها، إنها راهنت على الإنسان، وتحدت القوى العظمى بشعبها، الذي لا يتنازل أبداً عن وطنيته، فقادته حكومته الحكيمة نحو المراكز الحضارية المتقدمة. وما أكثر الكوارث الطبيعية والحربية التي تسببت في تدمير اليابان، لكنها أصرت على مواجهة المستحيل من دون أن تفكر بالتراجع. فقد ضربها زلزال (فوكوشيما) عام 2011، وتسبب بتسونامي مرعب، لكنها تعاملت مع الكارثة بطريقة أبهرت العالم، إذ انطلق اليابانيون في اليوم التالي بعمل دؤوب لإصلاح ما دمره الزلزال، ولم يمض عام واحد حتى عادت الحياة إلى مجراها الطبيعي.
فمتى تعمل حكومتنا بالطريقة التي عملت بها الحكومة اليابانية ؟، ومتى نتصرف نحن كما يتصرف اليابانيون ؟، فالنظافة والالتزام بالنظام، وإشاعة العدل والمساواة بين الناس، والتحرر من العقد الطائفية، والسعي نحو تكريس روح التراحم والتفاهم والتواد، هي المقومات التي استعانت بها اليابان في نهضتها وتفوقها، وهي العناصر المفقودة في حياتنا على الرغم من تفوقنا على اليابان في الثروات والمزايا الجغرافية والاقتصادية، وعلى الرغم من انخفاض تعدادنا السكاني بالمقارنة مع هذا الشعب، الذي نهض من رماد الحرب العالمية الثانية ليرسم ابتسامة الرضا والقناعة على وجوه أجياله الناهضة.
هنالك فروقات شاسعة بين أي أمة منشغلة بصناعة التطرف، وبين الأمم المنشغلة بصناع الأمجاد المشرقة لأحفادها ولأجيالها القادمة.
كاظم فنجان الحمامي