تقيم الهند علاقات طيّبة مع جميع بلدان العالم العربي دون استثناء. وهي التي حرصت- على مرّ الأيام-على تحقيق حالة توازن وانسجام في علاقاتها مع كل بلدان المنطقة. وكانت الزيارات المتبادلة للرؤساء وكبار المسؤولين الهنود والعرب متواصلة ولم تشهد انقطاعاً أبداً.
وعندما قام نائب رئيس وزراء النظام السوري ووزير خارجيته «وليد المعلم» بزيارة إلى الهند الأسبوع الماضي، على الرغم من حالة الاضطراب التي تعيشها سوريا، فلقد كان هناك الكثير مما يمكن أن يهدف إليه منها. وخاصة لأنه اقتطع من وقته المخصص لمتابعة التطورات المتلاحقة للأزمة السورية ليأتي إلى نيودلهي على الرغم من معرفته المسبقة بأن الهند سبق لها أن اتخذت قرارها بعدم التدخل في المشاكل السورية الداخلية عندما قررت الامتناع عن بيع السلاح لنظام دمشق، ورفضت المشاركة في الضربات الجوية الموجهة ضد التنظيمات المعارضة لنظام الأسد. وتتطابق هذه السياسة مع موقف الهند الثابت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد آخر. وكانت على الدوام، تلتزم بالرأي القائل بأن التوافق الداخلي والمصالحة الوطنية التي تندرج في إطار عملية سلمية يقررها الشعب السوري، هي الطريقة المثلى لحل الخلافات الداخلية في سوريا.
إلا أن ما يحدث الآن يوحي بأن الحياد الهندي في الصراع السوري أصبح تحت الضغط. ولم تكتفِ نيودلهي بالامتناع عن إدانة الضربات الجوية التي يشنها سلاح الجو الروسي على المدنيين السوريين، بل إن البيانات الصادرة عنها أصبحت تشير إلى أن الضربات الجوية الروسية لا تستهدف إلا إيقاف تمدد تنظيم «داعش» على الأرض. ومنذ انطلاق الانتفاضة المدنية في سوريا، حاول بشار الأسد في عدة مناسبات اكتساب الهند إلى صفّه. ولهذا الغرض، ابتعث مستشارته بثينة شعبان أكثر من مرتين إلى نيودلهي كمبعوثة خاصة له في عهد الجمهورية السابقة لحزب المؤتمر، من أجل كسب الدعم المطلق لنظامه، إلا أن حكومة «مانموهان سينج» كانت شديدة التحفّظ حيال هذه القضية ورفضت الطلب.
وأما الآن، وبعد أن نجح الأسد في ضمّ روسيا إلى جانبه، يبدو وكأنه يفكّر في إعادة إحياء المعسكر الاشتراكي القديم الذي شاركت فيه الهند خلال حقبة الحرب الباردة. وتلوح الآن في أفق السياسة الخارجية الهندية بوادر تشير إلى أن حكومة الجناح اليميني المتشدد لحزب «بهاراتيا جاناتا» الذي تقلد السلطة عام 2014، عقدت العزم على التخلّي عن تحفّظ حكومة حزب «المؤتمر» السابقة عن اتخاذ موقف متحيّز من الأزمة السورية. وبالرغم من أن هذا التحول لن يؤدي إلى تدخل هندي مباشر في ذلك الصراع، لكنّه يعني من دون شك أن موقف الهند بدأ بالتغيّر وبما يوحي بأن النظام السوري يمكن أن ينجح بمحاولته للتأثير على الهند وضمّها إلى صفّه.
وخلال زيارته، التقى «المعلّم» وزير الخارجية الهندي ومستشار الأمن الوطني، وقال إن سوريا اعتقلت أربعة هنود بسبب محاولتهم الانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي. وفيما أصرّت الهند على تسليمها مواطنيها الأربعة المتهمين من أجل التحقيق معهم والتأكد من صحة المزاعم السورية، فلقد بدأت نتائج زيارة «المعلم» بالظهور عندما أصبحت الهند أكثر تخوفاً من التأثير المحتمل لتنظيم «داعش» على المسلمين الهنود. وفيما مضى، وحيث حاولت «بثينة شعبان» الحصول على دعم الحكومة الهندية عندما زعمت بمشاركة مسلمين هنود في الصراع السوري، سارعت حكومة حزب المؤتمر إلى تكذيب هذه المزاعم. كما أن وزارة الخارجية عبرت في ذلك الوقت عن امتعاضها من تصريحات صدرت عن السفارة السورية في نيودلهي، وتناولتها الصحافة المحلية، تفيد بوجود هنود يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش». ورأت في ذلك محاولة يائسة من النظام السوري للفوز بتأييد الهند. ولكن يبدو هذه المرة أن حكومة الأسد أصبحت قادرة على زرع الخوف في أوساط حكومة «حزب بهاراتيا جاناتا» فيما يتعلق بظهور حالة من التعاطف مع «داعش» في أوساط المسلمين الهنود.
وعقب انتهاء زيارة «المعلّم» مباشرة، سارعت الوكالات الأمنية الهندية على نحو مفاجئ، إلى اعتقال العديد من الشبّان المسلمين صغار السن لأسباب وحجج واهية وتحت عناوين مختلفة مثل:«متعاطفون محتملون» و«مجنّدون محتملون» في تنظيم«داعش». وتم اعتقال 14 صبيّاً مسلماً من عدة مدن هندية بتهم سخيفة ومن دون أي أدلة أو قرائن قضائية تؤكد قيامهم بأي اتصال مع سوريا. ويمكن لحملة الاعتقالات هذه أن تترك أبلغ الأثر على المسلمين الهنود الذين لم يقترفوا أي ذنب، وليس لديهم أي سبب للاهتمام بالوضع في سوريا ولا بتنظيم«داعش».
ومن المعروف أن المسلمين في الهند يشكلون أقلية. وعلى مرّ السنين، عُرف عنهم تمسكهم بميزة الاعتدال والامتثال للقوانين. ولم يحدث أبداً أن أقحموا أنفسهم في أي شأن من شؤون شعوب الدول الأخرى. وهم لا يهتمون إلا بالبحث عن حلول لمشاكلهم الخاصة بهم مثل الفقر والخروج من دائرة التخلف والأمّية. ولم يسبق لأي دولة في العالم أن وجهت إصبع اتهام إليهم بسبب حشر أنوفهم في مشاكلها الداخلية. وأما توجيه الاتهامات إليهم بالمشاركة في الصراع الدائر في سوريا من أجل مجرد كسب التأييد للنظام الحاكم في دمشق، فأقل ما يقال عنه أنه فعل خبيث وشرّير ويدعو للأسف والاستهجان.
وعندما جاء«ناريندرا مودي» إلى السلطة، فلقد وعد باجتذاب الاستثمارات الأجنبية لدفع عجلة التنمية. ومن أجل تحقيق ذلك، كان عليه العمل على زيادة الاهتمام بدور البلدان العربية في إنجاح هذا المسعى. كما أن زياراته إلى إيران وفلسطين وإسرائيل، وعدم إدراج المملكة العربية السعودية فيها، مؤشر مثير للقلق. وما يحدث في سوريا سوف يبقى محور النقاش خلال تلك الزيارات، وسيكون موقف الهند من الوضع في سوريا محط اهتمام كبير في العالم العربي كله.
ذكر الرحمن
صحيفة الاتحاد