تحديات الأسواق الناشئة والمسؤولية الدولية

تحديات الأسواق الناشئة والمسؤولية الدولية

Finance_017_tickerBoard_singleColColor

يواجه الاقتصاد العالمي تحديات واضطرابات كبيرة نتيجة التقلبات في الاسواق والسياسات الاقتصادية في عدد من دول العالم؛ ويعد تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، اهم هذه الاسباب فقد هوت أسعار الأسهم، وتضررت الاقتصادات الناشئة، وانخفضت اسعار السلع،وانهارت اسعار النفط ،كما نتج عن قرار المركزي الامريكي (مجلس الاحتياط الفيدرالي) لسعر الفائدة زاد من معاناة الاقتصادات الناشئة وهو الامر الذي زاد من اضطراب الاقتصاد العالمي.

تحديات الاقتصادات الناشئة

تعتبر الاقتصادات الناشئة أحد اهم عوامل دفع الاقتصاد العالمي، وعامل رئيسي في توازنه، حيث تسهم هذه الاقتصادات بأكثر من ثلثي النمو العالمي، وتتضمن الاقتصادات الناشئة دولاً ضخمة واخرى صغيرة، وهذه الاقتصادات اكتسبت تسميتها من كونها تقوم على برامج تطويرية فالنشوء مقترن بالسياسات العامة واستراتيجية شاملة للتطور.
كما ذكرنا سابقا فقد شكل تباطؤ الاقتصاد العالمي وازماته ، فرصة جيدة للدول ذات الاقتصادات الناشئة، فقد كانت الاخيرة أكبر المستفيدين من تبعات الازمات المالية العالمية، حيث تعتبر هذه الدول الوجهة الامثل لرؤوس الاموال والاستثمارات بسبب قلة المخاطر التي تتواجد بالعادة في الدول الصناعية الكبرى، وتمكنت الدول الناشئة بفضل ذلك من جذب مبالغ ضخمة من النقد الأجنبي لاقتصاداتها منذ الازمة المالية العالمية 2008م، واستفادت منها في دفع معدلات النمو وزيادة احتياطياتها ودعم عملاتها، غير أنه في المقابل كان الأثر السلبي لتدفقات رؤوس الأموال الداخلة هو تزايد المديونية الخارجية لهذه الدول.
وقد شهدت الاقتصادات الناشئة نزوحا لرؤوس الاموال والمستثمرين بسبب التخوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، فقد أكد معهد التمويل الدولي إن الأسواق الناشئة عانت من نزوح المحافظ وصلت قيمة المحافظ النازحة من الدول الناشئة في كانون الثاني / يناير، المنصرم حوالي 3.6 مليار دولار، لتواصل خسائرها للشهر السابع على التوالي مع تراجع شهية المستثمرين للأصول عالية المخاطر في ظل تجدد المخاوف من تباطؤ النمو العالمي.

ويضيف المعهد إن أسهم الأسواق الناشئة شهدت نزوح 8.9 مليار يورو في حين استقطبت أسواق السندات الناشئة 5.3 مليار دولار.
وبحسب تقارير اقتصادية فقد شهدت الأسواق الناشئة الآسيوية أكبر نزوح بلغ 4.3 مليار دولار في حين اجتذبت أمريكا اللاتينية تدفقات بلغت 4.2 مليار دولار.
ذلك أن ارتفاع معدلات الفائدة سيتسبب في نقل المشكلات إلى الدول الناشئة، حيث ستجبر قلة العائدات في هذه الدول الى هروب رؤوس الاموال بحثا عن عائدات اعلى، كذلك سيتسبب ذلك في تخلف هذه الدول عن سداد الديون وبالتالي خفض تصنيفها الائتماني.
وفي خضم حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الاقتصاد العالمي، قامت مؤسسات التصنيف الائتماني على تسريع خفض تقديراتها للشركات في الاقتصادات الناشئة، بينما يتخلى المستثمرون الأجانب عن الأسهم ذات المخاطر العالية.
وقد حذّرت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي من أن المخاطر سوف تؤدى إلى مزيد من التقلبات فى الأسواق المالية. وأضافت وتوقعت لاجارد، أن التباطؤ بنسبة 1% فى الأسواق الناشئة قد يتسبب فى إضعاف النمو فى البلدان المتقدمة بنحو 0.2 نقطة مئوية.
ويقسم الاقتصاديين ديون الدول الناشئة إلى قسمين؛ الديون السيادية على الحكومات، وديون شركات القطاع الخاص، وقد اعتمدت العديد الشركات في الدول الناشئة على إصدار سنداتها بالنقد الأجنبي لتمويل توسعاتها وعملياتها الأساسية. بالطبع عندما تتراجع مواقف النقد الأجنبي لهذه الشركات فإن مخاطر المديونية ترتفع، وهذا ما يحدث حاليا في هذه الدول، ويتداول المراقبون الأزمة القادمة لديون الشركات في الدول الناشئة على أنها تمثل الموجة الثالثة للأزمة المالية الحالية، والتي تتمثل أولاها في أزمة سوق المساكن في الولايات المتحدة، وثانيها في أزمة الديون السيادية لبعض دول أوروبا.
ويرى خبراء مصرفيون أن أي رفع للفائدة من جهة الفدرالي الاميركي خلال العام الجاري، سيزيد من معاناة الاقتصادات الناشئة وسيؤدي الى هروب الاستثمارات ورأس المال من هذه الدول مثل اقتصادات كل من؛ الصين واليابان وأوروبا إلى أميركا. وقد حصلت مثل هذه الهجرة في منتصف عام 2014، من منطقة اليورو إلى سويسرا.

ضرورة مواجهة التحديات

في الحقيقة تواجه الاقتصادات الناشئة تحديا كبيرا ومع انخفاض أسعار صرف العملات في الدول الناشئة وارتفاع الفائدة الأميركية التي ساهمت في قوة الدولار، سيكون من الصعب على اقتصادات هذه الدول خدمة هذه الديون لأن الفائدة عليها سترتفع.
وفي هذه الظروف الاقتصادية القاسية، لابد من تقديم الدعم الدولي للاقتصادات الناشئة لتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها والتي تهدد مستقبلها، وإزاء ذلك لابد من اعتماد الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو، وعلى صناع القرار الحفاظ على السياسة النقدية واستخدام السياسة المالية، بهدف جذب الاستثمارات واعادة الاستثمارات النازحة، وتثبيت قيم عملات هذه الاقتصادات، ورفع كفاءة العمل، ومستويات الإنتاج داخلها، ويبقى على الدول المتقدمة، خاصة الولايات المتحدة، أن تأخذ موقفا اكثر اعتدالا في سياساتها الاقتصادية التي تؤثر سلبا على هذه الاقتصادات، وأن تسهم في معالجة ازمات الاقتصاد العالمي والاختلالات التي تشهدها الاسواق الناشئة وتفادي عقبات تباطؤ نمو هذه الاقتصادات .

عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية