مرجع السلطة التنفيذية الأميركية في استراتيجية مكافحة الإرهاب هو ثلاثة افتراضات ليست في محلها: 1) الوهم أن في الإمكان «إدارة» الأزمة السورية بأقل كلفة ممكنة؛ و2) حسبان أن الحملة على «الجهاديين» ترتجى منها فائدة أكبر في العراق وليس في سورية؛ و3) الأمل في التوصل إلى اتفاق مع روسيا في الأمد القصير. وهذه الفرضيات هي وراء ترجيح الولايات المتحدة كفة التدخل في العراق على كفة التدخل في سورية، فيما الجهاديون الأجانب يتقاطرون إلى سورية وليس إلى العراق، أفواجاً يبلغ عدد عناصرها حوالى مئة أسبوعياً، وفق مصادر فرنسية.
ويقترب البيت الأبيض من الكرملين ويتملقه عوض أن يحذره من الأضرار المترتبة على «حربه الشاملة على الإرهاب». وعوض مطالبة موسكو بوقف ضرباتها ضد المعارضة السورية، علّقت أميركا مد هذه المعارضة بالسلاح لإضعافها وإلزامها مفاوضة نظام الأسد. وهذه السياسة الكارثية تؤدي لا محالة إلى تعزيز شبكات «داعش» العابرة للدول.
ويبدو أن «داعش» اليوم يعد العدة للسيطرة على دير الزور المحاصرة. وسقوط ثاني عاصمة ريفية بعد الرقة في يد «داعش» هو من نتائج السياسة الأميركية هذه. وخلص صحافيون تسنى لهم سؤال الرئيس باراك اوباما عن الخطر الجهادي إلى أنه لن يحيد عن هذه الاستراتيجية، على رغم شوائبها البائنة، ولن يثنيه عن موقفه سوى وقوع هجوم كبير في الولايات المتحدة. ومدعاة أسف وحزن هو هذا الاحتمال: تشبـــث واشنطن بهذا المسار إلى أن تحل كارثة. ولم يحمل الجمــعة الأسود في فرنسا (هجمات باريس في تشرين الثاني/ نوفــمبر المنصرم) الحكومة الأميركية على مراجعة موقفها، كما لو أن واشنطن عاجزة عن التزام حل وسطي ومعقول ومضطرة إلى الاختيار بين تدخل مفرط على طريقة بوش الابن وبين تدخل شحيح أو ضعيف يستسيغه اوباما.
ويتناول قطاع الكوميدية الأميركية «داعش» وخطره من غير تزويق. فعدد من البرامج الكوميدية في منهاتن يسلط الضوء على فظاعات الجهاديين، ساخراً منها لحمل المشاهدين على الضحك. وبعضهم يدعو المدربين في نوادي الرياضة إلى محاكاة تدريبات الجهاديين لإطلاق «درجة» جديدة في عالم الموضة، وبعض آخر يسخر من مختصر اسم «داعش» بالانكليزية «ISIS»، وهو كذلك اسم آلهة مصرية. ويضحك المرء حين يرتاد هذه العروض، ولكن فور خروجه يعود إلى القلق من إنكار أصحاب القرار الأميركيين الخطر الداعشي وقدرة التنظيم الإرهابي على الضرب في عقر دار أميركا بواسطة خلايا إرهابية محلية.
وليس الإنكار هذا وليد اليوم، ويعود إلى 2009. فأوباما يومها رفض الإقرار بأن داعية في «القاعدة» (أنور العولقي) قادر على الإيحاء بأعمال إرهابية في قلب الجيش الأميركي (مجزرة فورت هود التي نفذها نضال حسن)، وأصر على أن مرتكب المجزرة هو «ذئب مفرد»… ثم أجاز ضربة قاتلة في اليمن أودت بالعولقي جزاء التشجيع على مجزرة فورت هود. والإقرار بالخطر الداعشي، تترتب عليه مراجعة البيت الأبيض سياسته في مكافحة «داعش».