ينفرط عقد الاتحاد الأوروبي على شواطئ اليونان. فأوروبا تخوض امتحاناً قاسياً، ويبدو أنها ليست على قدر المقام أو الامتحان. فسيل اللاجئين لم ينقطع، ويأتلف في معظمه من الهاربين من حروب سورية. واستقبالهم تحدٍّ يقتضي وضوح الرؤية السياسية وقرارات بائنة. ويبدو أن جسد أوروبا يفتقر الى نبض. ففي 22 كانون الثاني (يناير)، لفظ أكثر من أربعين مهاجراً (بينهم 17 طفلاً) الأنفاس في مياه جزيرة يونانية، إثر غرق قاربين مطاطيين كانوا على متنهما. وقدم المهاجرون الذين لقوا حتفهم من تركيا، حيث ترفع مافيا المُعبّرين (مهربي البشر) أسعار السفر وفق ارتفاع المد: فحين يكون البحر هادئاً، تتدنى الأسعار. لكن هذه المافيا لا توقف «تجارتها» في الشتاء. فريع هذه التجارة كبير. ولم ينتظر حرس السواحل اليونانية مساعدة أوروبية، وأفلحوا في إنقاذ عشرات الناجين من الغرق.
وتقول أنقرة أنها لا تملك ضبط سيل اللاجئين: ووتيرة تدفّقهم على اليونان، اليوم، أكبر مما كانت عليه في 2015. وفور بلوغهم اليونان، في وسعهم مغادرتها الى حيثما شاؤوا في أوروبا. والاتحاد الأوروبي وعد بمنح تركيا 3 بلايين يورو من أجل تسوية أوضاع اللاجئين على أراضيها. لكن الاتحاد هذا عاجز عن جمع المبلغ: عدد من الدول الأعضاء لا يرغب في سداد حصته. وتفاوض المستشارة الألمانية، أنغيلا مركل، وحدها من دون الشركاء الأوروبيين أنقرة التي لم تغفر لها رفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. والمفاوضات عسيرة ويشوبها ابتزاز ضمني. ونقلت نيويورك تايمز عن منظمة الهجرة الدولية، أن عدد المهاجرين الذين وصلوا الى الأراضي اليونانية أو الإيطالية منذ مطلع الشهر، بلغ 37 ألف مهاجر، أي 10 أضعاف ما كان عليه في 2015.
والشلل أصاب الاتحاد الأوروبي، وعمّه الرعب. ولم يعد قادراً على توزيع اللاجئين على نحو ما تقتضي خطة توزيعهم. وبعض الدول الأوروبية يرفض استقبال لاجئ واحد. والدول الأكثر سخاء، مثل ألمانيا والسويد، تغلق حدودها شيئاً فشيئاً. وتعلق حرية تنقل الأشخاص في الاتحاد الأوروبي على أكثر من حدود. ويرى معظم الحكومات الأوروبية أنه غير قادر على دمج هذا العدد الكبير من الرجال والنساء والأولاد.
وهذا الموقف يترتب عليه تشديد الرقابة على حدود الاتحاد الخارجية، وعدم ترك الدول التي هي في الخط الأمامي لمصيرها في معزل عن دور أوروبي. ويجب بذل الأموال لإنشاء وكالة مشتركة لضبط حدود الاتحاد الخارجية. وتتولى هذه الوكالة إدارة سيل المهاجرين والتفاوض مع دول المصدر ودول الترانزيت. وبقاء الاتحاد على حاله، أي حدوده الخارجية مشرعة وغير منضبطة، يهدد أوروبا نفسها ويطيح فكرتها.
لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يحرك ساكناً، وهو عاجز عن الاختيار وعن ضخّ حياة تسري في شرايينه وتبثّ فيه طاقة وحماسة وحيوية تشبه تلك التي سرت في جسمه في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا ما تقتضيه الظروف سواء لدمج اللاجئين أو لضبط الحدود وتنظيم قواعدها. لكن هذه المسائل عابرة للدول ولا تحل على الصعيد الوطني. فهي وثيقة الصلة بموجات كبيرة من المهاجرين. وسواء أعجبنا الأمر أو لا، إذا لم تتّحد أوروبا اليوم ولم تعزز صلاحيات مؤسساتها في معالجة مسألة المهاجرين، غامرت بانفراط عقدها.
لوموند
نقلاً عن الحياة