تعتزم السلطات العراقية بناء سور أمني ونصب نقاط تفتيش على مداخل العاصمة، وتزويد نقاط التفتيش بأجهزة كشف المتفجرات فضلا عن وضع كاميرات مراقبة في نقاط محددة.
وقال عبدالأمير الشمري قائد عمليات بغداد في البيان الذي نشره موقع وزارة الدفاع العراقية على الإنترنت إن السور الأمني المزمع إنشاؤه سيطوق المدينة من جميع الجهات.
وذكر خبراء أمنيون عراقيون في تصريحات إعلامية أن السور يتضمن حفر خندق بعرض 3 أمتار وعمق مترين وإجراء تسوية للطرق المحيطة بالخندق، موضحين أن “هذه العملية يعقبها نصب كتل “كونكريتية” بعد رفعها من جميع بغداد ونصب أبراج لمسافات معينة إضافة إلى نصب كاميرات مراقبة لمراقبة المساحة بين الأبراج”.
وتحيط أسوار أسمنتية بعدد كبير من أحياء العاصمة العراقية شيدت منذ أعمال العنف بين السنة والشيعة قبل عشر سنوات.
تضارب الآراء
في الوقت الذي تعلن فيه السلطات العراقية عزمها مباشرة أشغال سور بغداد، ينقسم المشهد في العراق بين مؤيد لهذا المشروع تحت مطية حفاظ الأمن في العاصمة العراقية بعد عجز السلطات في البلاد عن تأمينها، وبين من يرفض هذه الخطوة على اعتبار أنها ستعمق التفرقة بين العراقيين وعزل البغداديين عن بقية المحافظات. فضلا عمن يرى أن المشروع مطية لعودة نشاط الفساد في البلاد، حيث أثبتت كل التقارير أن كل المشاريع الكبرى التي تم انجازها في العراق تم استغلالها في عمليات فساد.
وفي هذا الإطار قال سعد المطلبي عضو مجلس محافظة بغداد إن “بعض الحواجز الإسمنتية ستنقل من داخل العاصمة إلى الضواحي من أجل إغلاق الطرق غير النظامية التي يستخدمها المسلحون لاختراق العاصمة وإدخال المفخخات”. مشيرا أن “سور بغداد الأمني لا يهدف إلى عزل العاصمة أو المناطق التابعة لها وإنما للحد من دخول المسلحين”.
فيما اعتبر أستاذ مادة التاريخ محمد الأعظمي أن “الحكومات السابقة كانت تبني أسوارا لحمايتها من هجمات الجيوش الطامعة لكنها تنتهج الرؤيا الفنية والتراثية لتبقى تحفة تتباهى بها الأجيال المقبلة كسور الصين وبقايا من سور بغداد القديم أو بوابة برلين، إلا أن حكومتنا تبني السور لتشويه العاصمة وعزلها عن باقي المدن.
المبالغ المرصودة لسور بغداد كانت ستكون ذات فائدة أكثر فيما لو تم توجيهها إلى مشروع المصالحة الوطنية
وطالب الأعظمي الحكومة بأن تفكر جديا في “انتهاج الطرق الحديثة من الاستخبارات والدعم الإلكتروني والتصوير الليلي والتنصت لمراقبة وتحجيم العصابات سواء الإرهابية أو عصابات الجريمة المنظمة، بدلا من صرف مليارات الدولارات لبناء جدار إسمنتي وخندق يشوه العاصمة “.
وتجدر الإشارة إلى أن بناء هذا السور سوف يعزل بغداد العاصمة عن محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار وبابل، وقد يصل امتداده إلى عشرات الكيلومترات نظرا لاتساع الرقعة الجغرافية لمدينة بغداد.
وكانت القوات الأميركية والسلطات العراقية قد أعلنت سنة 2012 عن المباشرة في إنشائه، وواجه آنذاك الكثير من الانتقادات من عراقيين وسياسيين وخبراء أمنيين، اعتبروه فشلا حكوميا في إدارة الملف الأمني، لأن السور يطوق العاصمة بغداد من جميع الجوانب، ولا يسمح بالدخول إليها إلا من خلال المداخل الثمانية المخصصة لذلك، ويعمق مشاكل بغداد التي تسببت فيها الكتل الخرسانية التي تم إنشاؤها سابقا والتي أدت إلى عزل الأحياء بعضها عن البعض، ليأتي سور بغداد ليزيد معاناة أهل بغداد ويعزلهم عن محافظات الجوار.
ويؤكد علي الحسين الناشط العراقي في حديث لـ”العرب” أن سور بغداد لن يحد من الأعمال الإرهابية وأنشطة المتشددين. معتبرا أن السور المزمع بناؤه ليس إلا بابا جديدا لسرقة أموال العراقيين، مشددا على ضرورة إتباع المناهج الحديثة في مكافحة الإرهاب.
ويعتقد الحسين أن السبب وراء تفشي ظاهرة الإرهاب في العاصمة بغداد هو السلاح والأزياء العسكرية المتاحة للجميع، إضافة إلى احتواء العاصمة نفسها على خلايا نائمة وحواضن ومعامل للتفخيخ. مضيفا أن الفساد في الأجهزة الأمنية العراقية وصل إلى حد تمكين إرهابيين من استخدام وثائق رسمية للتنقل بها داخل شوارع بغداد.
ويرجح المراقبون أن هذا السور سيعمق الخلافات بين أبناء الشعب العراقي، مشددين على أن المبالغ المرصودة لهذا المشروع – مئات الملايين من الدولارات- كانت ستكون ذات فائدة أكثر فيما لو تم توجيهها إلى مشروع المصالحة الوطنية، والبحث عن سياسة أمنية ذكية تدرج المواطن ضمن منظومة الأمن وتشجعه ليكون فاعلا ومساهما فيها كما يجري ذلك في الدول التي تبحث عن التأسيس لاستقرار شامل وبعيد المدى.
ومن جهة أخرى استغرب بعض المتابعين من توقيت هذه الخطوة التي أعلنت عنها السلطات العراقية، نظرا للتكاليف الكبرى لهذا المشروع في الوقت الذي تشهد فيه البلاد عجزا ماليا كبيرا ظهرت بوادره منذ السنة الماضية وتفاقم أكثر مطلع السنة الجديدة. حيث بلغ معدل عجز موازنة سنة 2016، 29 ترليون دينار ما يعادل 25 مليار دولار ويمثل 25 بالمئة من الموازنة الكلية، بعد أن كان مستوى العجز في حدود 23 بالمئة سنة 2015.
وهو ما اعتبروه سوء تقدير من الحكومة العراقية التي تواصل اتباع ذات السياسة التي عمقت مشاكل العراقيين، ومهدت الطرق للمجموعات الإرهابية لا سيما تنظيم داعش لتعزيز حضورها في بعض المدن الكبرى. وتوجهها نحو البحث عن آليات تأمين المدن حسب الانتماءات الطائفية، فضلا عن فتحها الباب أمام بعض النافذين لاستغلال مثل هذه المشاريع الكبرى للعبث بأموال الدولة كما حدث سابقا دون أن يكون هناك عقاب أو ردع للكثير من الأسماء التي ثبت تورطها، بل تواصل الحضور في المشهد السياسي .
عاصمة الإمبراطورية
يعيد مشروع سور بغداد إلى الأذهان صورا عن الإمبراطوريات القديمة التي شيدت أسوارا لغايات أمنية تارة وللتدليل على عظمتها تارة أخرى، على غرار ما دأبت عليه الإمبراطورية العباسية وغيرها. ولئن ودع العالم مفهوم الإمبراطورية ودخل في مرحلة الدول الحديثة، إلا أن إيران ما تزال تعيش على وقع حلم التأسيس من جديد للإمبراطورية الفارسية على أن تكون عاصمتها بغداد كما أعلن عن ذلك علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عندما قال “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.
وفي ظل الحكومة العراقية المحسوبة على طهران، يبدو أن فكرة تطويق بغداد بهذا السور اليوم وعزلها عن بقية المحافظات جاءت لتكريس هذه المطامح، لاسيما في ظل السياسة الديمغرافية المتبعة خاصة في السنوات الأخيرة في بغداد، والتي تقوم على تفريغ بعض الأحياء السنية في بغداد من متساكنيها تحت تهديد السلاح وفتحها لمتساكنين ومسلحين شيعة وفق تقارير أممية، إلى جانب القرار الذي أثار سخط العراقيين والقاضي برفض إدخال النازحين الفارين من بطش تنظيم داعش من محافظتي الأنبار وصلاح الدين، وأجزاء من نينوى، ومنع مديريات التسجيل العقاري في بغداد، ترويج أي معاملة لنقل الملكية لأي شخص من المحافظات المذكورة.
لأن بغداد وفقا لهذا المخطط سوف تصبح جزءا من إقليم شيعي عاصمته الروحية النجف، فإن بقاء بغداد عاصمة للعراق ستتلاشى
وفي هذا السياق يصف الباحث العراقي أيمن الهاشمي السور بأنه وصمة عار في تاريخ العاصمة بغداد، معتبرا أنه مجرد تطويق للعاصمة العراقية من الخارج بحزام من الخرسانة الضخمة والخنادق المائية وتقطيعها من الداخل إلى “مربعات أمنية” معزولة عن بعضها بجدران شاهقة سوف تؤدي إلى إبعاد وتهجير مئات الآلاف من المواطنين العراقيين (من أبناء السنة) ممن يقطنون أطراف بغداد، بحيث يجري ضمهم بالقوة إلى مناطق “سنية” مجاورة، بينما يجري في الآن ذاته ربط المناطق الشيعية في العاصمة مع شمال سامراء (بعد أن تصبح محافظة شيعية كما هو مخطط لها). ولأن بغداد وفقا لهذا المخطط سوف تصبح جزءا من إقليم شيعي عاصمته الروحية النجف، فإن مبررات وعناصر بقاء بغداد عاصمة للعراق، سوف تتلاشى تلقائيا.
ويضيف أن بغداد تتعرض اليوم لمؤامرة جهنمية شريرة، فالمقصود ببناء هذا السور هو تهجير العرب السنة من العاصمة، وهو مؤامرة ديمغرافية خطيرة جدا، المؤشرات كلها تدل على أن هناك عملية ضغط كبيرة على العرب السنة لتهجيرهم من بغداد.
صحيفة العرب اللندنية