العوائد الرقمية: تقرير البنك الدولي 2016

العوائد الرقمية: تقرير البنك الدولي 2016

البنك الدولي

خصص البنك الدولي تقريره السنوي عن التنمية في العالم لعام 2016 للفرص الممكنة للتنمية وتحسين الحياة والعمل، من خلال شبكة الإنترنت والاتصالات، ولم يعد ذلك موضوعاً جديداً. ولكن، أن يشغل به البنك الدولي فذلك يؤشر، بالتأكيد، إلى الأهمية المتزايدة للموضوع، وما يمكن أن تحدثه الإنترنت من فرصٍ وتغييراتٍ كبيرة في مسار الحياة والأسواق والحكومات. وقد شغل أيضاً تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بالتحولات الكبرى الجارية في العمل، بفعل تأثيرات الحوسبة والتشبيك.
مؤكد أن الإنتاج وزيادة الفرص لا يحدث تلقائياً بمجرد الاتصال بالإنترنت، أو اقتناء المحمول، لكن الوصول إلى الشبكة Access يتيح الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالعمل والأسواق والفرص المتاحة. وهناك وظائف مباشرة، تنشئها التقنيات الرقمة هي بسبب الطبيعة الآلية للأعمال تكون قليلة. وعلى سبيل المثال، لم تكن شبكة أنستغرام التي اشترتها “فيسبوك” عام 2012 بمليار دولار تشغل أكثر من 13 شخصاً. وكانت “فيسبوك” تشغل، في ذلك الوقت، 5000 موظف. وللمقارنة، فإن “كوداك” كانت في ذروة نشاطها في أفلام التصوير في التسعينيات تشغل 145 ألف شخص، على الرغم من أن “فيسبوك” تزيد قيمتها السوقية على “كوداك” بعدة أضعاف. ولكن الأكثر أهمية هو ما تقدمه الشبكة لبيئة الأعمال، فالتجارة الإلكترونية ولدت فرص عمل جديدة واسعة، ويمكن تطوير أنظمة عمل مرنة تتيح العمل من بعد، وفي أوقات مختلفة، ومن أمكنة بعيدة. وبذلك يمكن مشاركة النساء والمعوقين وكبار السن والمقيمين في الأرياف والبوادي في أسواق العمل العالمية والمتقدمة.
وفي زيادة الإنتاج، تتيح الإنترنت للعاملين التركيز على الأنشطة ذات القيمة الأعلى، وإسناد أعمال روتينية كثيرة، وأقل أهمية، إلى الحاسوب. ويمكن تطوير المناقشات العلمية في المواد الدراسية أو العملية والبحثية، لأجل تحسين الأداء والتعليم والتدريب، ويمكن العمل مع فرق ممتدة حول العالم، من دون حاجةٍ للانتقال من مكان إلى آخر، وترتيب اجتماعات ومقابلات وندوات ومؤتمرات من غير سفر وإقامة وتكاليف كبيرة.
وانخفضت كلفة البحث عن المعلومات والمصادر وتوفيرها، بنسبة كبيرة، إذ يمكن اليوم

الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بالعمل والدراسة والبحث، وكذلك الكتب والدراسات والمحاضرات المسموعة والمرئية، بتكاليف وجهود قليلة. أصبح في وسع الفقراء اليوم الاستفادة من مكتبات وقواعد بيانات هائلة وعظيمة القيمة. وقد تبدو بعض التأثيرات سلبيةً في جانبٍ، مثل فقدان أعمال ووظائف، لكنها، في جانب آخر، مفيدة للمستهلكين، في حصولهم على السلع والخدمات بسرعةٍ، وسهولةٍ، وبتكلفة قليلة.
ويقترح البنك الدولي لأجل التحول إلى بيئة أعمال رقمية أن تشمل شبكات الإنترنت جميع الناس وجميع المناطق، وتطوير التعليم الرقمي والتدريب على المهارات في هذا المجال، وتكريس أنظمة التعليم المستمر والتعلم الذاتي وتشجيعها، وتقديم خدمات الحكومة الإلكترونية، وتشجيع المواطنين على المشاركة الرقمية.
ثمة حاجة اليوم في جميع الدول العربية، لتلحق بالثورة الرقمية إلى إشاعة الإنترنت لتكون مرفقاً عاماً متاحاً مثل الطرق والإذاعات والتلفزيونات العامة، ففي بقاء الانترنت خدمة غير متاحة، إلا مقابل تقديم المال، تحرم فئة واسعة من المواطنين من الحصول على المعرفة والخدمات، وبعض هذه الخدمات يفترض أن تكون شاملةً لجميع المواطنين، مثل التعليم والانتخاب والهوية الرقمية والشكاوى والاستغاثة والتبليغ ومتابعة الإعلانات والعطاءات وفرص التوظيف والعمل وتقديم المعاملات ومتابعتها.
بدأ التقرير بسؤال بديهي، يقتضيه العنوان: كيف تساعد الإنترنت في التنمية؟ ينظر التقرير إلى التنمية من مبدأ التفاعل بين الاستيعاب الاجتماعي والكفاءة والابتكار. وفي ذلك، يجب أن تبذل الحكومات والمجتمعات والأسواق أقصى جهدها للتأكد من أن كل مواطن يشغل موقعاً صحيحاً وملائماً في الإنتاج والتقبل، واكتساب المهارات الضرورية اللازمة للقدرة على العمل والمشاركة.
وفي الحديث عن الإنترنت والكفاءة، يجب الاهتمام بمسألة جديدة.. ذلك أن الحوسبة والتشبيك أنشأت حاجةً إلى مهارات جديدة، وألغت أو خفضت أو غيرت الحاجة إلى مهاراتٍ ووظائف وأعمال قائمة أو كانت قائمة. ويؤشر التقرير إلى مهاراتٍ ضروريةٍ، يجب أن يشملها التعليم والتدريب. وثمة حاجةٌ، كما يؤكد التقرير، إلى التذكير بالمهارات المعرفية والاجتماعية والفنية التي يجب أن تحيط بها أنظمة التعليم، لأجل ملاحظة الاتجاهات الجديدة، وتلك التي يجب أن تبقى، ولا يستغنى عنها، فمن المهارات المعرفية التي يجب تزويد التلاميذ بها القراءة والكتابة والحساب والتفكير الناقد والإبداعي والمنطق والذاكرة والبداهة والسرعة الذهنية والقدرة على حل المشكلات العلمية، ومن المهارات الاجتماعية الضرورية للتعليم والتحول إلى البيئة الجديدة القدرة على التوافق والاستقرار العاطفي، والتنظيم الذاتي واتخاذ القرار والتعامل مع الآخرين، وثمة حاجة لمهاراتٍ فنيةٍ في العمل اليدوي وتشغيل الآلات وصيانتها.
يبدأ اكتساب المهارات عند الميلاد، ويستمر طوال الحياة. وللتكنولوجيا دور في هذا، وعلى الرغم من أن تزويد الأطفال والتلاميذ بالحاسوب الشخصي لا يؤدي تلقائياً إلى اكتساب المهارات، فإنه يجب البدء بتطبيق أنظمة التعليم باستخدام الحاسوب والإنترنت، وقد قطعت فنلندا في ذلك شوطا طويلاً، وهناك حاجة بالطبع لتدريب المعلمين وتحسين قدراتهم على استخدام الأنظمة الحاسوبية والشبكية في التعليم.
ليس ثمة خيار إلا الدخول في التحول نحو الحوسبة والتشبيك، على الرغم مما في ذلك من آلام وخسائر في بداية الطريق، مثل ضياع فرص عمل، وعدم قدرة مديرين وعاملين كثيرين على الاندماج في البيئة الجديدة، وتغير تقاليد العمل ومؤسساته، .. ولكن كل يوم يمضي، من دون أن ندخل في ذلك، يعني خسائر إضافية.

إبراهيم غرايبه

صحيفة العربي الجديد