لا انطباع روسيّاً بإمكانيّة حدوث خرق في الاستحقاق الرئاسي اللبناني عمّا قريب، وهو ما يتناقض مع مناخ غربي ـ فاتيكاني باحتمال فكّ العقدة الرئاسية في بداية السنة الجديدة.
بعد أن شملت زيارتا المبعوث الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف مروحة من المسؤولين اللبنانيين في زيارتين متتاليتين الى بيروت، تظهّر للروس مناخ رئاسي مستقر لم يشهد تقلبات إيجابية.
يؤكد الروس، عبر قنواتهم الديبلوماسية، أنّ الحلّ الرئاسي سهل ولا يتطلّب أكثر من خمس دقائق لو توافق الأفرقاء اللبنانيون في ما بينهم. لذا، وبسبب التعطيل الداخلي، لا يعلّق الروس أهمية قصوى على المواعيد الجديدة التي تُضرب للرئاسة الأولى في شباط أو في آذار المقبلَين، مذكرين بمواعيد سابقة تمّ تجاوزها.
يعود هذا الانسداد الى ارتباط الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعناصر داخليّة وخارجيّة، وتمنيات روسيا بمعالجة داخلية بعيدا من التأثير الخارجي لا تتوافق مع الواقع اللبناني المتأثر حتما بالمناخ بين القوتين الإقليميتين البارزتين: إيران والسعودية. وبما أنّ العلاقة بينهما لا تنضج ظروفا ملائمة بعد فلا يمكن التكهّن بموعد الاستحقاق الرئاسي، لكنّ المناخ الروسي لا يستبعد انقشاعا مفاجئا قد يحدث في أية لحظة.
الوضع اللبناني مرتبط بالأزمة السورية، وخصوصا أمنيا. وقد حمل بوغدانوف رسالة شفهية الى الرئيس السوري بشار الأسد تصب في مسار الجهود الروسية من أجل استئناف الجهود الآيلة الى تسوية سياسية.
هذه الجهود الروسية تعتبرها موسكو موازية لجهود الموفد الدّولي ستيفان دي ميستورا. ويعتبر الروس أن البعد السياسي غير موجود في مبادرة الأخير، من هنا تعمل موسكو جاهدة لاستكمال المصالحات الميدانية وتحقيق خرق سياسي.
هذا التحرّك الروسي يتمّ في «بيئة غير صديقة»، سواء من قبل الولايات المتّحدة الأميركية حيث شدّ الحبال لا يزال قائما في أوكرانيا أو من قبل السعودية أو قطر. لكنّ الروس باتوا يعتمدون سياسة التقدّم بالنقاط، ويحصرون حراكهم في الداخل السوري بين النظام والمعارضة المعتدلة فحسب. يكتفي الروس بوصف حراكهم بـ «الاقتراح» للأطراف السوريّة فحسب، فالمشاركة الخارجية الدولية غير مطلوبة آنيا في الحوار السوري ـ السوري. من هنا لم يقدّم الروس اقتراحا سياسيا جديدا لأنّ الأخير يتطلّب المرور الإلزامي بالتنسيق مع الأطراف الدولية، وبالتالي فإن قاعدة الارتكاز السياسيّة تبقى حاليا بيان مؤتمر «جنيف1».
لا ينظر الروس الى هوية الطرف السوري المعارض الذي يدعونه للحوار مع النظام ولا الى ارتباطاته الدولية، فليس للأمر أهمية من وجهة النّظر الروسية إلا من حيث عدم ارتباط هذه المعارضة مع جهات إرهابية. يقول الروس إن رفعهم سقف الشروط الى حدّ التبحّر بارتباطات كلّ طرف يعرقل اقتراحهم لتنظيم المؤتمر في كانون الثاني المقبل، والذي سيخصص للمشاورات بين الفصائل السورية المعارضة في ما بينها، لذا تعمل موسكو على لمّ شمل العدد الأكبر منها بغية بلورة موقف معارض موحّد قبل الانتقال الى المرحلة الثانية المتمثّلة بالتشاور مع النظام السوري والتي لم تحدّد بعد.
ولعلّ الزيارة التي قام بها الرئيــس الروسي فلاديمير بوتين الى تركيا مؤخراً ولــقاءه نظيره رجب طيّب أردوغان، تشير الى عمق الحــراك الروسي البطيء والفعّال وذي التشعّبات المختلــفة أيضــا، إذ تسرّب بعد اللقاء كلام ديبلوماسي عن اتفــاق روســي ـ تركي يتعلّق بأنبوب الغاز، «السيل الجنوبي»، الذي اتفق البَلَدَان على مروه في الأراضي التركية، وهذا ما سيساعد روسيا في التصدّي للحصار الغربي ضدّها بعد رفض بلغاريا تمريره عبر أراضيها. هذا الأنبوب مفيد لتركيا لأنها ستحصل على الغاز الروسي وتصبح وسيطا لبيعه إلى أوروبا. وإذا أضيف الى هذا المشروع الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، يمكن القول حينها إنّ تركيا ستصبح مرتبطة استراتيجيا بروسيا، ما يقطع الطريق على خطّ الغاز الذي حاولت قطر مدّه عبر الأراضي السورية وصولا الى تركيا فأوروبا.
هذا التطوّر الرئيسي سينعكس حتما على مقاربة تركيا لملفات المنطقة، وخصوصا في سوريا. وتتوقع أوساط ديبلوماسية غربية أن تغض أنقرة الطرف عن الدعم الروسي للأسد تدريجيا. لكن الروس، الذين لا ينفون هذه النظرية، يكتفون بالقول إن هذا الربط بالموضوع السوري مبكر لكنّه ممكن حتما. والسؤال المطروح هل ستسمح ألمانيا بنقل عمل أنبوب «السيل الجنوبي» الى تركيا خصوصا بعد تحرّك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً في الاتحاد الأوروبي لإقناع بلغاريا بالعدول عن موقفها؟ علما بأنّ هذا الخطّ ينطلق من روسيا مرورا بالبحر الأسود وصولا الى الأراضي التركية ويصل عبر حدودها الى الأراضي اليونانية حيث توجد محطّة لتوزيع الغاز الى أوروبا.
مارلين خليفة
جريدة السفير
http://assafir.com/Article/1/391595