أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، الاتفاق على تسليم مساعدات إنسانية الى المدن السورية المحاصرة ووقف إطلاق نار، ووقف العمليات العدائية، ولو موقتاً. وهذه غايات طموحة ضعيفة الحظوظ وهي أقرب الى المحال. . فما الذي تغير في حسابات موسكو وواشنطن وغيرهما من العواصم، لتتكلل هذه المساعي بالنجاح على خلاف المحاولات التي كان الفشل من نصيبها منذ 2012؟ فهل أصاب التعب الأطراف المتفاوضة؟ أم أن سورية على وشك التفكك وروسيا تبحث عن استراتيجية خروج منها؟ وهل تغيرت الاستراتيجية الإيرانية؟ ربما في الإمكان تسليم بعض المساعدات الإنسانية التي تمسّ الحاجة إليها، وإبرام هدنات محلية بين النظام والمعارضة المنقسمة والمشرذمة، وتعاون أميركي – روسي عسكري ضد «داعش». لكن يرجح أن أوان نجاح اتفاق ميونيخ لم يحن بَعد. ففي هذه الظروف، ليس في الإمكان إرساء وقف نار في سورية كلها. ويؤدي مثل هذا الإجراء الى مرحلة انتقالية سياسية ويطوي الحرب الأهلية السورية. ووراء التعذر هذا 5 أسباب:
1) فوقف النار يُبرم لينتهك. وأنا شاركت في أكثر من عملية سياسية لإرساء وقف نار في لبنان وبين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا شك في أنها عملية عسيرة تحول دونها في السياق السوري تحديات ضخمة. فثمة مئات– وربما آلاف- الميليشيات من غير سلطة مركزية. وبعضها يعارض نظام بشار الأسد، وبعضها الآخر يوالي الرئيس السوري نفسه. وتنتشر في سورية مجموعات شيعية عراقية موالية للنظام ووحدات من «حزب الله» وقوات إيرانية وقوات سورية نظامية وغير نظامية ووحدات القوات الخاصة والاستخبارات، التي هي وراء كثير من عمليات القتل. ووقف النار لا يشمل «جبهة النصرة»، وهي ترابط في عدد كبير من مناطق الثوار. وهذه المرابطة هي ذريعة انتهاك روسي وسوري للاتفاق.
2) ووراء اتفاق الروس والأميركيين على التراجع عن التصعيد، ترجيح موسكو وطهران كفة النظام السوري في ميدان المعارك. وإثر إحراز موسكو النجاح في دعم الأسد، في وسعها الاستراحة لأسباب تكتيكية وديبلوماسية. لذا، من العسير على المجموعات المعارضة الكبيرة قبول وقف أعمال عدائية يرسخ مكاسب النظام الأخيرة ويحرمها مما تسوغ به التضحيات الكبيرة مقابل مكاسب هزيلة لا تذكر.
3) ترغب روسيا في إثبات أن وقف النار والإغاثة الإنسانية هما صنو القبول بأن نظام الأسد هو جزء من الحل وليس جزءاً من المشكلة، على رغم أنها لم تحسم بَعد مصير الأسد في الأمد الطويل. ولا شك في أن إيران ليست مستعدة بعد للتضحية به. لكن المعارضة ترفض بقاء الأسد، وإرساء الاستقرار اليوم في سورية يسبغ مشروعية على نظامه. والغالب على الظن أن عزم موسكو قرّ على دعم الأسد وكيان علوي يشمل دمشق والمناطق الساحلية على الدوام.
4) يملك الروس والإيرانيون و «حزب الله»– وطبعاً نظام الأسد- مصالح حيوية يسعون الى حمايتها من طريق القوة وبذل التضحيات، على خلاف واشنطن. فالعاصمة الأميركية لا تريد التدخل في سورية، وحلفاؤها غير قادرين على دحر الأسد ولا توجيه ضربة قاصمة الى «داعش»… شاغل تركيا هو وقف تقدم الأكراد السوريين أكثر مما هو إطاحة الأسد، في وقت ترجح دول عربية كفة إطاحة الأسد على إطاحة «داعش»، وتخشى الخطر الإيراني. أما الولايات المتحدة فتسعى الى إرساء الاتفاق النووي مع إيران، ولا ترغب في نزاع معها في سورية. والتباس الغايات والأهداف ومشاريع الحلفاء المتباينة يرجح كفة روسيا على كفة أميركا.
5) لذلك، من العسير بلوغ أبرز أهداف أميركا في سورية، أي إضعاف «داعش» وإطاحته. وقد يساهم اتفاق ميونيخ في إغاثة السوريين ويخفف وتيرة الحرب، لكنه لن ينتشل إدارة أوباما من مشكلات سورية مقسمة، في وقت لا يسعها تغيير أحوالها ولا النجاة من شراكها.
آرون ديفيد ميلر
* نائب مدير مركز وودرو ويلسون إنترناشيونال، مفاوض في الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديموقراطية، عن «سي أن أن» الاميركي، 12/2/2016، إعداد منال نحاس
نقلا عن الحياة