عسكرة المجتمع الروسي بين الحقيقة والمبالغة

عسكرة المجتمع الروسي بين الحقيقة والمبالغة

عسكرة المجتمع الروسي
تشهد روسيا في الآونة الأخيرة ما يشبه التعبئة الشعبية أو ما يمكن وصفه بعسكرة المجتمع الروسي، ويظهر ذلك بشكل واضح في جوانب عدة سواء في الخطاب السياسي أو التناول الإعلامي أو في الإجراءات التي تتخذها روسيا على المستوى المجتمعي.

فقد بات من اللافت لمن يتابعون الشأن الروسي تصاعد الخطاب الحماسي التعبوي ونبرة التحدي الصادرة من الساسة، وتزايد نفوذ وحضور ممثلي المؤسسة الأمنية العسكرية الروسية حتى في الدوائر المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، في إشارة إلى أنهم استعادوا دورهم في رسم سياسة روسيا الخارجية.

وإعلاميا تزايدت المواضيع المتعلقة بالحرب والسيناريوهات المحتملة لاندلاعها والاستعدادات لمواجهتها، بالإضافة للحديث عن أمجاد الماضي، ومتابعة نشاطات وفعاليات الجيش والقوات المسلحة، والتعزيزات الجديدة التي أضيفت للترسانة العسكرية الروسية.

وعلى الصعيد المجتمعي هناك الكثير من الشواهد على التوجه التعبوي في مجالات الفن والسينما وحتى النشاطات المدرسية، إلى أن وصل الأمر إلى اللوحات الإعلانية في الأماكن العامة، مما يعكس توجها واضحا نحو تعبئة المواطنين وتهيئتهم لكافة الاحتمالات.

“ألكسي بلوتنيكوف: يرى الداخل الروسي أن ما يسمى بالعسكرة يعني تعزيز الوحدة الشعبية حول القيم الوطنية، وزيادة اللحمة بين الجيش والشعب، والعمل على بناء دولة قوية تستطيع مواجهة الأخطار”

اللحمة الوطنية
يرى الخبير الأمني في مجلس الدوما ألكسي بلوتنيكوف أن مفهوم عسكرة المجتمع يحمل في طياته بعدا فلسفيا يعتمد على الجهة المتكلمة، فبينما يرى الخارج أن موسكو تسير نحو عسكرة المجتمع، يرى الداخل الروسي أن ما يسمى بالعسكرة يعني تعزيز الوحدة الشعبية حول القيم الوطنية، وزيادة اللحمة بين الجيش والشعب، والعمل على بناء دولة قوية تستطيع مواجهة الأخطار والتحديات التي تحيط بها.

وأضاف بلوتنيكوف في حديث للجزيرة نت أن النهضة الوطنية والقومية الروسية تأتي ردا على ما تواجهه البلاد من حرب إعلامية وعقوبات اقتصادية غربية وتهديدات فعلية باقتراب قوات حلف الناتو من الحدود، بالإضافة للكثير من الأخطار التي تشكل تهديدا للأمن القومي الروسي ووحدة أراضي روسيا.

وأوضح أن الغرب -ربما دون أن يدري- ساهم بقوة في حدوث ذلك، نظرا لأن السياسات والممارسات العدائية والعقوبات الاقتصادية الغربية التي تهدف في مجملها للضغط على روسيا، ساهمت في تسريع ما يمكن وصفه بعسكرة المجتمع الروسي.

كما يجب أن يبقى باب الاحتمالات مفتوحا أمام تطور الأزمة الأوكرانية أو الحرب في سوريا وفق أسوأ السيناريوهات.

إجراءات رادعة
من جهته يتفق الخبير في تقنيات الحروب الإعلامية بافل رودكين مع وصف الأجواء السائدة في روسيا بالتعبوية، لكنه اعتبر أنها ضرورية لرفع الروح المعنوية للمواطن.

وأوضح رودكين أن الحروب الفعلية غالبا ما تكون مسبوقة بحرب إعلامية وهذا في كثير من الأحيان يخدم السلم والأمن، نظرا لأن استعراض العضلات وعرض الاستعدادات العسكرية وآخر ما تم تصنيعه في المجمع العسكري الصناعي الروسي، يشكل رادعا لمنع حدوث أية تحركات معادية.

وعبر رودكين عن اعتقاده بأن الكثير من المفاهيم السائدة تغيرت بشكل جذري مع بداية الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم لروسيا ومن ثم التدخل الروسي في سوريا، فقد تولد واقع جديد مختلف عما كان عليه الحال خلال تسعينيات القرن الماضي، ومن أبرز هذه المفاهيم التي تغيرت طبيعة العلاقة مع الغرب، وهذا بدوره يتطلب القيام بعملية توعية شاملة.

وأضاف أن المستجدات السياسية الدولية بالإضافة إلى الخطة الحكومية لإعادة الاعتبار للقوات المسلحة وإنصافهم بالعديد من الامتيازات المادية والمعنوية، من العوامل التي أعادت لمنتسبي الجيش هيبتهم، وبذلك انقلب العزوف عن الخدمة العسكرية إلى إقبال متزايد من الشباب للانخراط فيها، وهنا لا يمكن إغفال دور التعبئة في إحداث هذا التغير.

في المقابل رفض رودكين وصف الحالة الروسية الراهنة بالهوس أو الهستيريا التعبوية، لأن الأخطار تحدق بروسيا ويتوجب الاستعداد لمواجهتها، وبالتالي فالإجراءات التي تمت مؤخرا تعد طبيعية.

افتكار مانع

الجزيرة نت