من “سايكس بيكو” إلى “كيري لافروف”

من “سايكس بيكو” إلى “كيري لافروف”

349

واهم من يعتقد أن ما جرى في العراق، ومن ثم سورية، سينتهي، مع رحيل الأسد أو بقائه، بأية صيغة كانت، فالعجلة التي تحركت، عقب غزو العراق، لم يكن في حسبان أحد أنها آتية للتدمير، تدمير كل شيء، أي أمل بنهضة أو أي حلم بغد أفضل. وقتها، ظن بعضهم أنها جاءت لتدمير أسلحة الدمار الشامل في العراق، أو نشر الديمقراطية الأميركية، غير أن أشهراً، وليس سنوات، كانت كافية لرفع أية عصابة كانت عن الأعين، إلا أنها فشلت في رفع عصابة الفكر عن الذين ما زالوا يراهنون على أميركا.
في الربيع العربي، دارت عجلة أخرى مضادة للعجلة الأميركية التي غزت العراق، عجلة كانت تحمل بصيص أمل، خصوصاً وأن من خرج وتظاهر هم الشباب، غير أن عجلة الثورة المضادة سرعان ما دخلت حلبة السباق، لتقضي، أو تحاول، على ما تفجر من أمل.
في سورية، كان الحال مختلفاً، عجلة الثورة دارت، على الرغم من كل القيود والإجراءات القمعية لنظام الأسد الديكتاتوري، فلقد خرج أحرار سورية، يريدون استعادة وطنهم الذي صادرته ثلة متآمرة، يريدون استعادة الشام، بياسمينها وبيادرها التي عطشت كثيراً. وهنا، لم تتدخل الثورة المضادة وحسب، وإنما تدخل العالم كله، لإنقاذ واحد من أسوأ الأنظمة التي حكمت المنطقة.
أتذكّر، وقتها، وبعد مضي أشهر قليلة على ثورة سورية، والموقف الغريب من المجتمع الدولي، كتبت مقالاً أشرت فيه إلى أن مفتاح سقوط الأسد في تل أبيب. واليوم وبعد سنوات خمس، استخدم فيها الأسد كل ترسانته المتوحشة، واستعان بكل لقطاء الأرض، لحمايته من غضبة الشعب السوري، يتبين فعلاً أن المفتاح في تل أبيب.
سنوات طويلة وأميركا تضحك علينا وعلى العالم، تارة تتهم المعارضة السورية بأنها غير موحدة، وتارة تقول إن بديل الأسد غير متوفر، وتارة تحارب تنظيم الدولة، وتحشد العالم لقتاله، وتنسى أنه كان نتيجة لتوحش نظام القمع الأسدي، وقبله نظام بغداد الذي زرعته واشنطن عقب الاحتلال.
“بعد 100 عام من “سايكس بيكو”، يأتي حلف روسيا وأميركا، كيري ولافروف، لوضع قواعد جديدة للعبة في هذه المنطقة، وسورية والعراق، حجر الزاوية بهذه اللعبة”

سنوات طويلة وأميركا تتحدث عن خطوطها الحمراء للأسد، فيقصف بالكيمياوي، ويقتل بالخردل، ويبتكر البراميل المتفجرة. وبدلاً من ملاحقته، تسمح واشنطن، بعد ذلك كله، لروسيا بالتدخل لإنقاذ الأسد، وتبدأ مرحلة أخرى من مراحل التآمر، ليس على سورية وثورتها وحسب، وإنما على هذه الأمة التي تململت من رقاد استمر أكثر من 100 عام.
ثم لم تجد واشنطن غضاضةً من تسليح الأكراد الموالين لها، الإرهابيين وفقاً لأعراف أميركا وتعريفاتها للإرهاب، فكان أن تحول حزب إرهابي، مثل العمال الكردستاني، إلى حزب أميركا المفضل في سورية، تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، كما لم تجد غضاضةً في دعم ميلشيات إيرانية وعراقية، ارتكبت، باعتراف المنظمات الحقوقية الأممية، أبشع جرائم بحق الإنسانية، لم تجد أميركا بداً من تقديم الغطاء الجوي اللازم لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
إنها مؤامرة، ليس على سورية، ولا حتى على العراق، وإنما على هذه الأمة التي حلمت بانعتاقها بعد 100 عام من التكبيل والمؤامرات والدسائس والأنظمة القمعية، التي زرعتها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916.
قبل 100 عام، شهد العالم اتفاقية سايكس بيكو، بين وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا آنذاك، تم تقسيم العالم العربي، تركة الرجل المريض، الدولة العثمانية، كما أقنعونا، وأقنعنا من بعدهم كتابنا ومثقفونا، ممن تبنوا فكرة التقسيم، باعتبار أن هذا العالم الغربي سيقيم لنا أوطاناً مستقلة، من دون أن يجرؤ أحد منهم على التساؤل لخدمة من يفعل الغرب ذلك كله؟
تنبهنا بعد أن تحولنا إلى بقرة حلوب للغرب وأفكاره، وبعد أن زرع بيننا أنظمة تابعة ذليلة له، أنه وجه طعنة نجلاء لكيان عربي، كان يستمد قوته من قوة الإسلام، تنبهنا بعد أن كنا حطباً لمؤامرته ضد الخلافة العثمانية.
اليوم، وبعد 100 عام من “سايكس بيكو”، يأتي حلف روسيا وأميركا، كيري ولافروف، لوضع قواعد جديدة للعبة في هذه المنطقة، وسورية والعراق، حجر الزاوية بهذه اللعبة. ومصر بعد رئيسها المنتخب، محمد مرسي، دخلت نفق سنوات قاتمة قادمة. وليبيا، حيث منابع النفط التي يسيل عليها لعاب الغرب، دخلت في أتون احتراب داخلي، بينما اليمن على حافة تقسيم جديد قديم، وكل ذلك واليد الإيرانية حاضرة، فهي شرطيهم القديم الجديد، وهي أيضاً التي أثبتت تجارب الغرب أنها جزء من مخططاتهم في المنطقة.
نشهد اليوم عملية تقاسم وتقسيم للأدوار والمصالح بين موسكو وواشنطن، بين كيري ولافروف، لا تصدقوا كل ما تسمعونه في الإعلام، لا تصدقوا المتباكين على الدم السوري والعراقي، بل توقعوا أن يكون القادم أدهى. إنهم يسعون إلى زج تركيا، ينتظرون تدخلها، فهي الهدف القادم.

إياد الدليمي
نقلا عن العربي الجديد