الاستعباد في إيران.. نهج قمعي يطال طوائف وقوميات وكل من يطالب بحقوقه

الاستعباد في إيران.. نهج قمعي يطال طوائف وقوميات وكل من يطالب بحقوقه

يعاني المجتمع الإيراني من مشاكل عدة نتيجة سياسة الحكم الخاطئة والقائمة على قمع الشارع وتعزيز الاضطهاد بغية الإمساك بتفاصيل الحياة، في بيئة متنوعة تضم أعراق وطوائف عدة، وضمن هذا النهج يمكننا الحديث عن العبودية في هذا البلد وبمفهومها الحديث وأشكالها المتنوعة، حيث يتم في إيران وتحديدا ضد الأقليات وكل من يعارض النظام ودون مبررات قانونية، احتجاز الحرية ومنع الحقوق لمجرد الاعتراض أو عدم التوافق مع نهج ما تسمى بالثورة الإيرانية وولاية الفقيه، يضاف إلى ذلك الاستعباد الذي يتضمن ايضا الإجبار القسري على العمل أو الزواج أو الاستعباد الجنسي، وغيرها من الانتهاكات التي تدرج في سياق العبودية والاتجار بالبشر.

الطبقات المعدومة تعاني من العبودية في إيران:

 كما أن قضية الاستعباد يندرج تحتها الطبقات المعدومة في إيران، والتي تعمل عادة لصالح النخبة الثرية من رجال الدولة المستفيدين من نظام الملالي، الذين بنوا ثرواتهم الطائلة نتيجة تلك السياسة في التفرقة والاستغلال وسرقة المال العالم، وكما ذكرنا فإن الاستعباد المرتبط بالأعراق والملل في إيران بارز للعيان بشكل كبير، وكل من لا ينتمي إلى مذهب وعرق رجال الدين الفرس سيكون معرضا للاضطهاد والاستعباد، فليس هناك مكان للأخر في هذا المجتمع المنغلق القائم على التمييز العنصري والعقائدي، وحكم مستبد لا مجال فيه لفسحة من حرية، وحتى أن ذلك ينعكس في الحياة العامة التي تظهر حجم المعاناة الشعبية في دولة من المفترض أن تركز على بناء الداخل والشعب فيما هي مشغولة بنسج المؤامرات الخارجية ومحاربة كل من حولها.

النظرة الاستعبادية لفقراء والطوائف والأعراق:

الاستعباد في إيران كما ذكرنا يشمل الطبقات المهانة الفقيرة من الشعب وايضا الأعراق والطوائف التي لا تنتمي لمذهب الملالي بالإضافة إلى النساء، وهنا إذا تكلمنا عن الجانب الثاني من الاستعباد فنراه يتجسد بمعاملة ملل وأعراق بطريقة فوقية، ومنعهم من أبسط حقوقهم وليس فقط حق التعبير عن الرأي والأفكار، بل يتجاوز ذلك إلى حق العبادة وممارسة الشعائر الدينية الخاصة ضمن مجتمعاتهم، وأيضا اعتقال أي شخص وزجه في غياهب السجون دون وجه حق، حتى أن منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” دعت إيران مرارا وتكرارا إلى وقف اضطهادها الديني للأقلية المسلمة السنية، وإلى السماح لها بممارسة شعائرها الدينية بحرية، وطالبت بأن يكون إنهاء التمييز الديني من بين أهم أولويات الرئيس الإيراني، وأشارت وأكدت إنه ينبغي أن يتم السماح للسنة في إيران بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، كما هو الحال بالنسبة إلى نظرائهم الشيعة، وتشير منظمات أنه منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية عام 1979 والحكومة ترفض التصريح للسنة في محافظة طهران ببناء وإدارة المساجد السنية، ومسيرة اضطهاد المسلمين السنة ليست بجديدة في إيران، وهي وجه بشع لممارسات تجاوزتها الأمم المتحضرة.

هذا الجانب من الاستعباد الديني ينمو في إيران ولا يقل، فالتعصب يدفع بقادة إيران إلى دفع المجتمع إلى التمييز العرقي والطائفي وممارسة الاستعباد الحديث من حيث منع الفرد من حقوقه واضطهاده، واحتجاز حريته لمجرد أن يعارض النظام للمطالبة بأبسط الحقوق، وهنا نذكر أيضا انتقاد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هلاري كلينتون” لإيران لانتهاكات حقوق الإنسان وقالت أن الحرية الدينية لا يقتصر فقط على المظاهر الدينية، فهي ليست فقط حول حق الروم الكاثوليك لتنظيم الإعلام، أو المسلمين لعقد جنازة دينية، أو مشاركة البهائيين في منازل بعضهم البعض للصلاة والدعاء، فلا يقل أهمية عن تلك الطقوس الحرية الدينية، فهي أيضا عن حق الناس في التفكير في ما يريدون، يقولون ما يفكرون، وهنا نشير الى الأقلية البهائية التي تتعرض للاضطهاد حيث تقوم السلطات الإيرانية باعتقالات تستند فقط على المعتقدات الدينية، لمنعهم من  أي حراك وهذا جزء واضح، فبمجرد النظر الى هذه الطائفة بمنطق الاستعباد عبر المنع والسيطرة وحتى حجز الحرية، حتى أن ذلك ينسحب على ملف المندائيين، فوفقا لتقديرات التقرير الدولي للحرية الدينية في إيران، فإن هذه الطائفة تعرضت للتهجير من إيران حتى أصبح عددهم بضعة آلاف بعد أن نكل بهم واستعبدوا واضطروا لمغادرة بلادهم.

وليس بعيدا عن الطوائف الدينية نذهب الى ملف القوميات التي تتعرض للاضطهاد والاستعباد، وبداية نتكلم عن الأقلية التركية التي تتعرض للتفريس والقضاء على اللغة التركمانية في إقليم تركمن في صحراء شمال شرق إيران، حيث تمنع تعليم اللغة التركمانية في المدارس، وتسعى لفرض تعليم اللغة الفارسية، حتى في المراحل التحضيرية التي تسبق المدرسة الابتدائية، بغية القضاء على الهوية القومية للشعب التركماني، وهذا الاستعباد يتطور ليشمل كل من يعارض هذا النهج الإيراني ليكون مصيره السجن وربما القتل والإعدام…

 وهذا ما يواجهه عرب الأحواز أيضا، فهذا الملف هو الأخطر من حيث تطبيق الاستعباد والاضطهاد المبرمج القائم على تدمير البنية الاجتماعية لهذه الفئة المهمة للغاية في إيران، ووضع الأحوازي في درجة أدنى من الفارسي الشيعي، حتى أن تقارير للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في إيران كشفت عن تكثيف النظام الإيراني لممارسات التعذيب والإعدام في الفترة الأخيرة، وعن قيام السلطات الإيرانية بالحكم على كل من يعارضها من عرب الأحواز السنة بالإعدام بدعوى انتمائهم لمنظمة ثقافية، حتى أن لجنة حقوق الإنسان في البرلمان البريطاني دعت لبحث قضايا حقوق الإنسان الأحوازية والاستماع لتقارير أعدها ناشطون أحوازيون تطرقت إلى الانتهاكات التي يمارسها النظام الإيراني في الإقليم الواقع جنوب غرب إيران، حتى أنها وصفت انتهاكات حقوق الإنسان بحق عرب الأحواز بواحدة من أسوأ المصائب في العالم، فالعرب يعانون من اضطهاد متواصل يتمثل بالتمييز العنصري واللغوي والاقتصادي والسياسي، لكن اللافت أن ذلك الاستعباد ينسحب على النساء الأحوازيات اللواتي يعانين من اضطهاد حكام إيران، وينظر لهن بأنهن مواطنات من الدرجة الثالثة، وتصل ممارسات النظام الإيراني غير القانونية بأن يتعامل معهن كرهائن بعد حبس أزواجهن، كما أن أطفالهن أيضا قد يتعرضوا إلى انتهاكات صارخة.. هذا هو مصير الأقليات والطوائف والقوميات في إيران، والذين يتعرضون إلى الاستعباد والعبودية، ويصنفون بأنهم مواطنون من درجة أدنى، فالأولوية في بلد قائم على الاستعباد هي للفرس، أما باقي القوميات فتهدد بالسجون والمعتقلات والإعدامات.

عبودية المرأة في إيران:

وتعتبر الممارسات اللاإنسانية التي تمارسها أجهزة النظام القمعية ضد المرأة شكلا آخرا من أشكال العبودية الحديثة في إيران، فهي تعاني من تمييز وفوارق كبيرة على كافة الأصعدة، وعادة ما ينظر إليها على أنها سلعة للاستهلاك الجنسي وإشباع الحاجات والملذات، فهي مقيدة الحركة والفكر والعمل، وقد طال هذا الحصار لباسها أيضا.

حسب التقارير الدولية 340 ألف شخص يعانون من أشكال العبودية في إيران:

وفي الخاتمة يجب الإشارة إلى مؤشر العبودية لهذا العام والصادر عن منظمة “ووك فري” في أستراليا، والذي كشف عن وجود ما يقارب 36 مليون شخص في العالم يواجهون حاليا أحد أشكال العبودية الحديثة، وقد حضيت إيران حسب هذا التقرير بنسبة عالية من العبودية بمعدل 340 ألف شخص، وجاءت في صدارة الدول على مستوى دول الشرق الأوسط، كما أشار التقرير إلى الدول التي كانت إجراءاتها الأضعف لمكافحة أشكال العبودية، وهي: كوريا الشمالية وإيران وسوريا وإريتريا وأفريقيا الوسطى وليبيا، أما الدول الأكثر استجابة واتخاذا للإجراءات التي تحد من العبودية على مستوى العالم، فقد تصدرت هولندا هذه الدول، فالسويد والولايات المتحدة وأستراليا وسويسرا وإيرلندا والنرويج، وعلى مستوى الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، تصدرت الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول الأكثر استجابة لمكافحة العبودية، ثم الأردن فمصر فالبحرين، وحلت قطر في المركز السادس، بينما جاءت كلا من إيران وسوريا في ذيل القائمة.

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث