لم يرد اسم روسيا في موازنة إدارة أوباما المالية الدفاعية 2013 إلا مرات قليلة في سياق اتفاق استراتيجية السلاح. وعلى خلاف ما كانت عليه الحال قبل أعوام قليلة، تصدرت روسيا أولويات موجز الموازنة الدفاعية الأميركية في 2017. وفيها اقترح الرئيس أوباما زيادة الإنفاق من أجل «جبه الاعتداءات الروسية»، ومضاعفة أربع مرات (إلى أكثر من 3 بلايين دولار) المبالغ المخصصة لنشر فرق الجيش الأميركي في وسط أوروبا وشرقها، وتدريبها وتجهيزها بالعتاد الحربي. ولا شك في أن هذا الانعطاف في الموازنة متأخر. ولكن الإقرار بأن روسيا تحولت من شريك محتمل إلى مصدر خطر فعلي، في محله. والغاية من زيادة الإنفاق هو طمأنة حلفاء يشعرون بالقلق من عدائية روسيا وتوجيه رسائل رادعة إليها. وتحتل روسيا وميليشياتها التي تحارب بالوكالة عنها أقاليم في ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة (مولدافيا وجورجيا وأوكرانيا)، ويشن الجيش الروسي عملية عسكرية في سورية لدعم نظام بشار الأسد. وفي أوروبا يطلق الروس عنان حرب إعلامية ومعلوماتية قذرة لتقويض الناتو والاتحاد الأوروبي. ويرى عدد من المسؤولين الغربيين أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يساهم في تأجيج أزمة اللاجئين التي تهدد وحدة أوروبا، وهم يسمون هذا التكتيك بـ»الهجرة كسلاح» أو «سلاح الهجرة».
وفي العقد المنصرم، انصرف الجيش الأميركي إلى حروب مكافحة التمرد، في وقت كانت موسكو تمضي قدماً في تطوير أسلحة الحرب الإلكترونية وغيرها من التكنولوجيا العسكرية. وشأن الصين، موازنة روسيا الدفاعية أصغر من موازنة الولايات المتحدة. ولكنها توجه الإنفاق إلى أنظمة تسلح «غير متكافئة». فالاستثمار، ولو كان صغيراً نسبياً، في مثل هذه الأنظمة يساهم في تقويض القدرات الأميركية العسكرية التقليدية الهائلة. وعلى سبيل المثل، ابتكرت روسيا درون مائية (من غير ربان) قادرة على حمل رؤوس نووية، وطورت الصين قدراتها المضادة للأسلحة الفضائية (الموجهة بواسطة الأقمار الاصطناعية). وتجاوز كل من بكين وموسكو عقبات تكنولوجية، وفي بعض الأحيان (تجاوزها) من طريق سرقة المعلومات والتصاميم التكنولوجية من الولايات المتحدة.
وترفع موازنة أوباما مرتين موازنة عمليات سلاح الجو السيبرنيطيقية من 12.8 بليون دولار إلى 25 بليون دولار. وهذه الموازنة مخصصة للأبحاث وتطوير منصات صاروخية كهرومغناطيسية وأسلحة لايز، وزيادة أسراب المركبات المستقلة (المؤتمتة) والذخائر الموجهة والأسلحة الإلكترونية وغيرها من عجائب التكنولوجيا التي لا تزال طي كتمان الموازنات السرية. وحري بالحلفاء الغربيين الجمع بين مواصلة القتال ضد داعش وغيرها من القوى التي تبث الاضطراب، وإدراك أن عصراً جديداً من الردع قد بزغ. وعلى الولايات المتحدة الحفاظ على تفوقها التكنولوجي وتوجيه رسالة بائنة إلى روسيا مفادها أن الكلفة المترتبة على اعتداءات جديدة باهظة ولا تحتمل.
واشنطن بوست
* افتتاحية، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 16/2/2016، إعداد منال نحاس.
نقلا عن الحياة