يصر الرئيس السوري بشار الأسد على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في 13 أبريل، بغض النظر عما ستفرزه التوافقات الدولية حيال العملية السياسية. ويأتي هذا الإصرار من الأسد في ظل قلقه مما يدور في “الغرف المغلقة” بين روسيا والولايات المتحدة، والتي قد تطيح به آجلا. فالرئيس السوري يشعر أن روسيا لم تأت لتحقق انتصار عسكري وتسلمه كامل سوريا ليحكم، بل جاءت لتعيد هيكلة النظام بطريقة تصبح لها الكلمة الفصل في مصير سوريا. ولا يكون لروسيا ذلك إلا بتوافق مع الولايات المتحدة الأميركية على صيغة لمستقبل سوريا، تقوم على بقاء الأسد في الحكم مؤقتا حتى الانتهاء من ترتيب الوضع الأمني والسياسي هناك وتشكيل حكومة انتقالية أو هيئة حكم انتقالية تشعر كل الأطراف، معارضة ونظاما، بالاستقرار. وبالتالي يمكن بعدها التخلي عن الأسد لأن النظام لن ينهار وقتها. وهو الأمر الذي لطالما عبرت موسكو عن خشيتها من حصوله في حال تم إسقاط الأسد، دون أن يكون هناك بديل يبقي على استمرارية مؤسسات الدولة السورية، على غرار ما حدث في ليبيا، وطبعا هذا البديل لا بد بالضرورة أن يكون ضامنا للمصالح الروسية في سوريا. وقالت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، الخميس، إن موسكو لا تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وأوضحت زاخاروفا، في مقابلة مع صحيفة “أرغومنتي إي فاكتي” “إننا لا ندعم نظام الأسد، لكننا ندعمه في الحرب ضد الإرهاب، مثلما ندعم المعارضة والأكراد الذين يحاربون ضد داعش.
وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية على أن المحاولات الخارجية لإسقاط النظام أو الاحتفاظ به، “طريق لا تؤدي إلى شيء”، مضيفة أن أي كيان اصطناعي لا يمكن أن يصمد طويلا، وأردفت “يعد ذلك طريقا هداما، ولقد رأينا العديد من الأمثلة على ذلك”.
وبات الأسد يشك في النوايا الروسية، ولعل تصريحات المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في الثامن عشر من الشهر الحالي المنتقدة بشدة لحديثه عن العمل من أجل استعادة السيطرة على كامل سوريا، يعزز هذه الشكوك.
وعلى ضوء أزمة الثقة المستجدة بين موسكو والأسد يصر الأخير على السير قدما في إعلان انتخابات برلمانية، ليقول إن هذا البرلمان منتخب ولا داعي لتعديله بعد المفاوضات التي يريد حصرها في تشكيل حكومة وحدة وطنية تحت رئاسته وليست حكومة انتقالية، كما يطالب المجتمع الدولي.
وأكدت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري في موسكو، أن بلادها مصرة على عقد انتخابات برلمانية في موعدها.
وأوضحت شعبان في مؤتمر بنادي النقاش الدولي “فالداي”، الخميس، أن “الانتخابات البرلمانية في سوريا تجري وفق الدستور وهي إجراء دستوري من واجب الحكومة أن تمضي فيه وفق ما نص عليه الدستور”.
واعتبرت مستشارة الأسد أن لا علاقة لهذا الموعد بالموافقة على الاتفاق الروسي الأميركي، مضيفة “أن من ينتقد إجراء الانتخابات يحاول التغطية على عجزه في الانتقال للحوار”.
وكانت موسكو قد جددت في وقت سابق، الخميس، معارضتها لإجراء هذا الاستحقاق في سوريا، معتبرة على لسان الناطقة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا، أن الانتخابات في سوريا يجب أن تجري على أساس اتفاقات بين الحكومة السورية والمعارضة وبعد تبني دستور جديد للبلاد.
ويعول النظام السوري على الدعم الإيراني في هذه المسألة، لأنه بمفرده لا يمكن له الصمود في وجه الضغوط الروسية.
وإيران تنظر باحتراز للدور الروسي المتعاظم في سوريا، ورغم تنسيقها معها في هذا الملف، إلا أن هناك تباينات واختلافات في أهداف وأجندات كل منهما.
فإيران تعمل على تكريس سوريا كمنطقة نفوذ لها، وذلك عبر فرض السيطرة على الأرض من خلال ميليشيات الدفاع الوطني وحزب الله والميليشيات العراقية، فضلا عن مستشارين من حرسها الثوري. كما تتمسك إيران بشدة ببقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم.
بالمقابل تسعى روسيا بكل قواها لإبقاء المشهد السوري تحت سيطرتها، باعتبار أن هذا البلد هو آخر قلاع نفوذها في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وهي لا تريد أن تقع في نفس خطأ الولايات المتحدة حينما سمحت لإيران بالتغلغل في العراق عبر ميليشيات الحشد الشعبي.
وسيحاول الأسد في ظل هذه الوضعية توظيف الورقة الإيرانية للضغط على روسيا في ما يتعلق بمصيره.
ولكن محللين يرون أن إيران لا تستطيع عمليا القيام بالكثير في هذا الاتجاه في ظل التفوق العسكري لروسيا في سوريا، والتوافق الحاصل في هذا الملف مع واشنطن.
صحيفة العرب اللندنية