تقر الدول المجاورة لليبيا اليوم بضرورة بناء تحالف إقليمي على المستوى الأمني من أجل التصدي لتدفق المجموعات الإرهابية في المنطقة في ظل عزم بلدان أجنبية على اتباع خيار التدخل العسكري في ليبيا.
وتخشى هذه الدول من أن تطيح هذه الخطوة باستقرار المنطقة ككل وفرار جيوب التطرف من ليبيا إليها، وما قد يترتب عن ذلك من فوضى عارمة.
وفي إطار تحركات هذه الدول، قام المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتنظيم يوم خاص اجتمع فيه عدد من الخبراء الأمنيين الليبيين والجزائريين والمصريين والتونسيين بهدف التباحث حول مقترحات آليات عملية وقابلة للتنفيذ وقادرة على مواجهة التحديات الأمنية الراهنة، وبناء هيكل أمني مشترك، والتصدي للتداعيات الكبرى المطروحة اليوم على مستوى الأمني لشمال أفريقيا وجنوب المتوسط، لا سيما بعد انتقال حلبة الصراع من الشرق الأوسط إلى منطقة شمال أفريقيا بعد أن أعطي الإذن لهذه التنظيمات الإرهابية، حسب تقدير بعض الخبراء.
وكانت عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية قد سيطرت لساعات على وسط مدينة صبراتة الليبية مستغلة الفراغ الأمني الحاصل في وسط المدينة، قبل أن تطردهم الأجهزة الأمنية المحلية. وهذا الانتشار لداعش في صبراتة هو أول ظهور علني للتنظيم الجهادي في المدينة الواقعة على الطريق الساحلي بين العاصمة والحدود التونسية.
رفض التدخل الأجنبي
شنّت القوات الأميركية، الجمعة الماضي، غارة عسكرية على صبراتة قيل إنها استهدفت مجموعات إرهابية. وأكدت تقارير إعلامية أن الغارة وجهت إلى مقر يعود لتنظيم الدولة الإسلامية وأدت إلى مقتل خمسين شخصا، كما ذكرت التقارير أن مسؤولا ميدانيا تونسيا في التنظيم لقي حتفه في الغارة.
ورغم التهليل الذي رافق هذه العملية، إلا أن الداخل الليبي ودول الجوار لا يبدو أنهما على استعداد للقبول بالمزيد من التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا. وقد عبرت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، ورئيسة المؤتمر، عن رفضها القاطع لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي في هذا البلد.
مشاريع مصالحة مطروحة اليوم في ليبيا بين العديد من القبائل وعناصر من الجيش وأنصار النظام السابق
واعتبرت أن ضربة مصراتة التي نفذتها القوات الأميركية تحتكم إلى حقائق أخرى غير التي يتم تداولها إعلاميا، وقالت في تصريح لـ”العرب” إن هناك بعض القيادات من أجنحة القاعدة لم تبايع تنظيم داعش، فرأت الدول التي نشرت الإرهاب في ليبيا والساعية لضرب استقرار هذا البلد أن تضحي بهذه القيادات السالف ذكرها بقتلهم لتترك في الميدان قيادة واحدة تتعامل معها وهي تنظيم داعش. وهنا يكمن الخطر لأن واجهة الأحداث تقول إن الغارة استهدفت عددا من الإرهابيين ولكن الحقيقة غير ذلك، على حد تعبيرها.
وأكد خالد غويل، محام وناشط حقوقي ليبي رفض الشعب الليبي لأي تدخل عسكري في البلاد، مشيرا إلى أن هناك حروبا بالوكالة تخاض في ليبيا اليوم تعود فيها المسؤولية إلى عدة قوى أجنبية وخاصة تركيا التي فتحت معابرها على مصراعيها أمام تدفق الإرهابيين، فضلا عن دور قطر في دعم هذه الأطراف التي تعمل على ضرب الاستقرار في أكثر من مكان، على حد تعبيره.
وكانت الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، أكدت مؤخرا، أنها “لم ولن تسمح بدخول قوات أجنبية” تساندها في معاركها، تعليقا على ما يروج من أنباء عن نية القوى الكبرى شن ضربات عسكرية في ليبيا.
وفي الأثناء، تخوض القوات الموالية لحكومة طرابلس، غير المعترف بها، والمنضوية تحت لواء تحالف فجر ليبيا العسكري معارك مع القوات الموالية للحكومة المعترف بها والتي يقودها خليفة حفتر.
وتشن قوات الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، منذ السبت الماضي عملية عسكرية في بنغازي ضد الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق من المدينة منذ نحو عامين، وبينها تنظيم الدولة الإسلامية، حققت خلالها تقدما حيث استعادت أحياء ومقرات عسكرية. كما أشارت عدة تقارير إلى وجود حراك ميداني كبير في ليبيا في هذه الأيام، اعتبر البعض أنه مؤشر إيجابي في اتجاه قرب التقاء الفرقاء الليبيين في ما بينهم خاصة في ظل التطورات الأمنية الأخيرة.
في هذا الإطار قالت قعلول لـ”العرب” إن مجموعة من القبائل والجيش الليبي دخلوا في مساع لإيجاد أرضيات للالتفاف والتوحد بهدف قطع الطريق على دخول القوى الأجنبية إلى بلادهم بتعلة القضاء على داعش، وسيتولون بأنفسهم تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة هذه القوى الإرهابية. وقد بدأت ملامح هذا التوجه، فميدانيا نلاحظ أن أجدابيا حررت، وكذلك بنغازي ستحرر وهناك الكثير من التقدم الميداني المحرز، كما أكد ذلك الخبراء الأمنيون الليبيون.
ويتفق خالد غويل مع الخبيرة التونسية في رأيها، مشددا على أن هناك مصالحات تتم اليوم في ليبيا بين العديد من العشائر، وعناصر من الجيش الليبي التابعة للقذافي ستسثمر قريبا على الأرض، وستتولى أمر تصفية البلاد من تنظيم داعش، وقطع الطريق عن مشاريع التدخل الأجنبي المطروحة اليوم.
حتمية التنسيق الإقليمي
يقر جل الخبراء والمحللين أن التدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا بات وشيكا، بل يذهب البعض إلى أنه أمسى أمرا محسوما، وأن الإسراع في تشكيل حكومة يهدف أساسا إلى انتزاع تفويض من هذه الحكومة الضعيفة بالتدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا.
وهذا الطارئ يبدو أنه يقض راحة دول الجوار ولا سيما دول شمال أفريقيا التي تعتبر أنه في حال تم ذلك، فإن أمنها سيكون على المحك، ويتطلب الإسراع بالوصول إلى اتفاقيات إقليمية كفيلة بالتصدي لتداعيات هذا التدخل أو إمكانيات قطع الطريق عنه.
محمود خليفة، المستشار العسكري لأمين عام جامعة الدول العربية، قال في تصريح لـ”العرب” إن التنسيق الأمني إقليميا اليوم مطلوب ويشكل حاجة في ظل المتغيرات الأمنية التي تحيط بالمنطقة، ولكنه يتطلب تفويضا أو إقرارا من القادة السياسيين للدول، لأن القدرات العسكرية موجودة ولكنها في مجملها تنتظر القرار السياسي الذي يأذن بالتحرك.
ويرى أحمد ميزاب، الخبير الجزائري في الشؤون الأمنية، أن المنطقة محاطة بحزام من الإرهاب يفرض ضرورة التنسيق ضمن مقاربة واقعية. وقال إنه في ظل غياب استراتيجية إقليمية، فإن بعض الدول الغربية تطرح مقاربة تخدم مصالحها بالأساس وذلك بتأمين الضفة الأخرى من المتوسط دون الالتفات إلى الضفاف الأخرى، مشيرا إلى أنه قد سبق ومارست هذه القوى هذا الدور عندما تدخلت سنة 2011 وساعدت في القضاء على معمر القذافي ثم تركت البلاد تتخبط وسط دائرة العنف الذي أدى إلى ضياع مؤسسات الدولة، وتفتيت الجيش دون أن يتم في الأثناء أي تعاط إقليمي سليم مع الملف، بل دخلت بعض القوى لتستثمر في هذا الواقع.
ونبه إلى أن التدخل العسكري الأجنبي سيكون بمثابة القنبلة الموقوتة ستضرب شظاياها كل دول الجوار، وستعصف أساسا بدول الساحل الأفريقي والصحراء الأفريقية التي تعاني أساسا من مشاكل أمنية كبيرة لم تحسم بعد؛ وهو ما يفرض برأيه وضع مقاربة أمنية إقليمية.
وأدت التطورات الأخيرة إلى تقريب وجهات النظر بين تونس والجزائر من جهة ومصر من جهة أخرى، فبعد الاختلاف السابق بين الطرفين، في التعاطي مع الملف الليبي وخاصة في ما يتعلق بانتصار مصر لحكومة طبرق وبرلمانها بخلاف تونس والجزائر اللتين التزمتا الحياد والوقوف على مسافة واحدة من طبرق وطرابلس، فإن الموقف المصري جاء متماهيا مع موقف البلدين المغاربيين هذه المرة حول التدخل الخارجي في ليبيا، حيث رفضت القاهرة على لسان وزير خارجيتها أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا لمحاربة الإرهاب.
كما يبدو أن الموقف المصري لن يختلف كثيرا في هذه الفترة عن نظرائه في شمال أفريقيا في ما يتعلق ببعث هيكل أمني إقليمي للتصدي للمخاطر المحتملة، حيث أكد محمود خليفة الخبير الأمني المصري ضرورة هذه الخطوة شريطة أن تتم تحت غطاء قانوني.
وقال في هذا الشأن لـ”العرب” إن هذا الاتفاق لا بد أن يتم تحت مظلة الجامعة العربية حتى نضمن الدعم الدولي دون الوقوع في أي إخلالات قانونية لأن أي تكتل يتم خارج هذا الإطار سهل إدانته.
ويحتم هذا الأمر في البداية اتفاق الليبيين في ما بينهم، ثم اتفاق القوى العربية وضرورة تحركها لأن الخطر اليوم داهم ويهدد المنطقة من الخليج إلى المحيط ولا أحد بمعزل عن الخطر، واعتقد أن هناك بعض القوى العربية التي تتحرك إيجابيا اليوم.
فاطمة بدري
صحيفة العرب اللندنية