خطوة أولية: هل يمكن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا؟

خطوة أولية: هل يمكن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا؟

4394

ربما يمكن القول إن الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة بعد التوافق المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا حول وقف إطلاق النار في سوريا بداية من 27 فبراير 2016، حيث يتقاطع هذا القرار مع مجموعة من المتغيرات الخاصة بسعى كل من واشنطن وموسكو إلى دعم الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا للوصول إلى توافق حول تسوية الأزمة، ووقف تمدد تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لا سيما بعد تبني “داعش” تفجيرات في حمص. ومع ذلك فإن هذه الخطوة الجديدة لا تنفي أن ثمة عقبات عديدة يمكن أن تضعف من احتمالات نجاحها، على الأقل في المدى القريب، تتصل بالتداخل بين مواقع المعارضة من ناحية ومواقع “داعش” و”جبهة النصرة” من ناحية أخرى، وغياب الإرادة الحقيقية للأطراف السورية بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فضلا عن اتجاه النظام السوري إلى إجراء انتخابات تشريعية في أبريل 2016، بشكل يوحي بأنه لا يتوافق تمامًا مع تلك الجهود التي تبذلها كل من واشنطن وموسكو.

متغيرات عديدة:

ساهمت عوامل عديدة في توصل واشنطن وموسكو إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يمكن إجمالهما في التالي:

1. وقف الضربات التي تشنها الجيش التركي ضد مواقع “وحدات حماية الشعب الكردية” التي تدعمها روسيا، والتي تبدي تركيا قلقًا ملحوظًا إزاء احتمال تقدمها باتجاه أعزاز باعتبار أن ذلك يمكن أن يكون مقدمة لإنشاء منطقة كردية على حدودها الجنوبية، حيث يبدو أن عدم نجاح روسيا في إصدار قرار من مجلس الأمن لردع تركيا عن استهداف مواقع الأكراد، دفعها إلى طرح مبادرة لوقف إطلاق النار.

2. منح الأولوية للحرب ضد تنظيم “داعش”، خاصة بعد محاولاته السيطرة السيطرة على استراتيجية جديدة في سوريا، مثل مدينة خناضر الاستراتيجية بريف حلب

الجنوبي، واتجاهه إلى استهداف مناطق حيوية في سوريا على غرار حمص وجنوب دمشق.

3. سعى واشنطن إلى تعزيز قدرة المعارضة السورية على استعادة نشاطها مرة أخرى، بعد أن تكبدت خسائر في مواقع عديدة، فقد أشارت بعض الاتجاهات إلى وجود قناعة الأمريكية مفادها أن تنفيذ وقف إطلاق النار سيقطع الطريق على النظام السوري من استكمال السيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية. ويبدو أن ذلك كان محور خلاف جديدًا بين روسيا ونظام الأسد، يضاف إلى الخلافات العالقة الأخرى، وعلى رأسها إعلان النظام السوري عن إجراء الانتخابات التشريعية في أبريل 2016، والذي يبدو أنه لم يلق تجاوبًا من جانب موسكو.

فرص ومخاطر:

يمثل إعلان وقف إطلاق النار خطوة مهمة قد تساعد في التمهيد للوصول إلى توافق بين الأطراف الرئيسية المعنية حول تسوية الأزمة السورية، لا سيما أن الإعلان عن وقف إطلاق النار جاء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهما الطرفان الدوليان الأكثر تأثيرًا في الأزمة، بشكل يعزز من فرص تنفيذه. فضلا عن أن الاتفاق حظى بقبول الأطراف الداخلية في سوريا، سواء النظام أو قوى المعارضة. لكن رغم ذلك، إلا أن هناك عقبات قد تحول دون تحقيق هذا الهدف. يتمثل أولها، في محاولات نظام الأسد إفشال وقف إطلاق النار أو حتى منع استكمال المسار السياسي، لا سيما عقب دعوة الأسد لإجراء انتخابات تشريعية في 13 إبريل المقبل، وهو ما يمثل تحديًا للضغوط التي تفرضها روسيا التي تسعى إلى استئناف الحل السياسي.

 ويتعلق ثانيها، بسعى النظام السوري إلى استمرار التقدم العسكري الملحوظ في الفترة الأخيرة من أجل تعزيز موقعه التفاوضي في الفترة القادمة التي يمكن أن تعقد خلالها مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة. ويبدو أن الخلاف حول وقف إطلاق النار وإجراء الانتخابات التشريعية كان سببًا رئيسيًا في الزيارة التي قامت بها المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان إلى موسكو، حيث ركزت تحديدًا على أن إجراء الانتخابات التشريعية لا علاقة له بجهود الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، واعتبرت أنها تجري وفقًا للدستور، وهى إشارة إلى أن روسيا لم تتجاوب مع تلك الخطوة التي اتخذها النظام، والتي يمكن أن تفرض عقبات أمام تلك الجهود.

وينصرف ثالثها، إلى التداخل في مواقع قوات المعارضة “المعتدلة” و”جبهة النصرة” تحديدًا في بعض المناطق خاصة في حلب وإدلب وحماة، بشكل يفرض صعوبات قوية للتمييز بين تلك القوى عند بداية تنفيذ الاتفاق. وقد أشارت المعارضة السورية إلى خطورة هذا التداخل الذي يمكن أن يعرق تنفيذ الاتفاق، حيث قال خالد خوجة، عضو الهيئة العليا للتفاوض ورئيس الائتلاف الوطني السوري أن “هناك إشكالية مع النصرة لأنها ليست موجودة في إدلب فقط بل في حلب ودمشق وفي الجنوب، وبالتالي يمكن استهداف مدنيين أو الجيش السوري الحر بحجة استهداف النصرة”.

ويتصل رابعها، بعد وجود آليات للتأكد من تنفيذ الاتفاق، على غرار المراقبين الدوليين أو قوات حفظ السلام، بشكل يعزز من احتمال ارتكاب انتهاكات للاتفاق.

خلاصة القول، يمثل اتفاق وقف إطلاق النار، من دون شك، خطوة رئيسية نحو تحريك المسار السياسي للأزمة السورية مرة أخرى، ولكنه يحتاج إلى إرادة سياسية وتفاهمات إقليمية ودولية، وهي متطلبات تبدو صعبة خاصة في ظل التحديات العديدة التي قد تعرقل تنفيذه خلال الفترة الحالية.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية