العراق غني لكن الثقة مفقودة والعجز كبير

العراق غني لكن الثقة مفقودة والعجز كبير

نفط-امريكا

عندما أعدت الحكومة العراقية موازنة 2016 على أساس سعر برميل النفط عند 45 دولاراً، كانت تعطي حسوماً للمشترين لبيع نفط البصرة الخفيف في الأسواق الأوروبية بنحو 30 دولاراً للبرميل، وذلك في تشرين الثاني (نوفمبر)، وعلى رغم الفارق الكبير بين السعرين، رفضت نصائح الخبراء بخفض «سعر برميل الموازنة» حتى أقرها مجلس النواب في 16 كانون الأول (ديسمبر) بالسعر المرتفع وعلى أساس تصدير 3.6 مليون برميل يومياً.

ومع تراجع السعر في الفترة الأخيرة إلى نحو 30 دولاراً، ازداد قلق المسؤولين العراقيين من خطورة ارتفاع العجز المالي، على رغم خفض أرقام الموازنة نتيجة التقشف من 117 تريليون دينار (97.5 بليون دولار) إلى 105 تريليون دينار، وترشيد الإنفاق لخفض العجز من 30 بليون دولار إلى 21 بليوناً. وجرى احتساب سعر «دولار بغداد» بـ 1200 دينار، على رغم تجاوزه 1400 دينار بسبب تدهور قيمة العملة العراقية.

تعكس هذه الأرقام خطورة الكارثة المالية التي يواجهها العراق بسبب انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى خسارته 70 في المئة من إيراداته، وذلك من ثمانية بلايين دولار شهرياً عندما كان سعر البرميل بين 90 و100 دولار، إلى أقل من ثلاثة بلايين دولار بالأسعار الحالية، هذا في وقت تشهد البلاد ارتفاعاً كبيراً في الإنفاق بسبب الفساد وهدر الأموال، فضلاً عن اضطراب الوضع السياسي والأعباء المالية للحرب على «داعش»، وتداعياتها السلبية في معظم المناطق العراقية.

وإذا كان العراق استطاع في 2015 دفع رواتب الموظفين في الدولة، ولو في شكل جزئي، تؤكد تقديرات المؤسسات المالية العالمية، أنه قد لا يتمكن من دفعها هذا العام، ولأن مجمل عدد موظفي القطاع العام والمتقاعدين يبلغ نحو ثمانية ملايين من مجموع عدد السكان البالغ نحو 30 مليوناً، سيؤدي الأمر إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية، خصوصاً ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر، علماً بأن العراق يوصف بـ «المارد النفطي»، كونه يحتل المرتبة الخامسة عالمياً لجهة احتياطاته النفطية والمقدرة بنحو 140 بليون برميل، وثاني أكبر منتج في «أوبك» بعد السعودية، وهو قادر اليوم على تصدير أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً.

ولمواجهة هذه الكارثة المالية التي تهدد بإفلاس الدولة، وفق مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تطرح الحكومة حلولاً لتأمين السيولة اللازمة لسد عجز الموازنة، منها بيع أصول استثمارية لمؤسسات وشركات حكومية إلى القطاع الخاص، خصوصاً أن الدولة تملك أكثر من 174 شركة، 80 في المئة منها شركات خاسرة.

وبانتظار تحقيق هذه النقلة النوعية للاقتصاد العراقي بين القطاعين العام والخاص، لا بد من اللجوء إلى الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية والأسواق الخارجية والمحلية، وإذا كان البنك الدولي وافق على منح العراق قروضاً يصل مجموعها إلى بليوني دولار، لم تنجح حكومة بغداد آخر العام الماضي في الاقتراض من الأسواق المالية الخارجية بسندات دولية قيمتها ستة بلايين دولار بسبب ارتفاع كلفتها إذ بلغت الفائدة نحو 11 في المئة، ويعود السبب إلى أن العراق يواجه أزمة ثقة دولية نتيجة تدهور وضعه المالي وتراجع تصنيفه الائتماني، على رغم أنه دولة نفطية وغنية بالموارد.

وتؤكد وكالة «ستاندرد أند بورز» الدين السيادي للعراق بدرجة «-B»، على أساس أن هذا البلد يواجه أخطاراً على مستوى الأمن والمؤسسات هي الأعلى بين كل الدول السيادية التي يجري تقويمها، خصوصاً بسبب حربه مع «داعش».

وللمقارنة، يحظى لبنان «-B» أيضاً، لكنه نجح العام الماضي في إصدار سندات بالعملة الأجنبية (يوروبوند) بقيمة 2.2 بليون دولار، وتراوحت الفائدة بين 6.2 في المئة للشطر الأول وقيمته 800 مليون دولار ويستحق في 2025، و6.65 في المئة للشطر الثاني وقيمته 1.4 بليون دولار ويستحق في 2030، وكانت حصة المصارف الأجنبية 15 في المئة فقط في مقابل 85 في المئة حصة المصارف اللبنانية، ويعود السبب إلى ضعف الاستثمار في لبنان، فيما فائض السيولة المصرفية، المرتفع جداً والمقدر بأكثر من 20 بليون دولار، يبحث عن استثمارات آمنة.

هل ينجح العراق في إصدار سندات في السوق المحلية لسد جزء من عجز موازنة العام 2016؟ أعلن وزير المال هوشيار زيباري أن العراق ينوي بيع سندات محلية إلى المواطنين للمرة الأولى منذ 2003، وقيمتها خمسة تريليون دينار (4.24 بليون دولار) بفائدة 10 في المئة واستحقاق بعد ثلاث سنوات. وعلى رغم أن الفائدة مغرية إلا أنها تبدو غير مشجعة للأغنياء العراقيين بسبب ضعف الثقة بدولتهم، وكذلك بالمصارف العاملة في العراق نتيجة تخلفها عن مواكبة تطور العمل المصرفي.

وأشارت دراسات لرابطة المصارف الخاصة في العراق إلى وجود أكثر من 30 بليون دولار تُتداول في السوق المحلية بعيداً عن المصارف، وتتحرك بين التجار، ويجري إيداعها عندهم بطرق بدائية، لعدم وجود وعي مصرفي أو ثقة بالمصارف. وسيحاول زيباري مجدداً إصدار سندات في الأسواق المالية العالمية بقيمة 1.8 بليون دولار وبتنسيق مع صندوق النقد، لكنه سيجهد لإقناع مديري الصناديق الاستثمارية والمصارف العالمية للاكتتاب بهذا الإصدار.

عدنان كريمة
نقلا عن الحياة