باسم محاربة الفساد وتصوّر معيّن للأخلاق في الحياة السياسية، تفرض الميليشيات الحوثية (من اسم زعيمهم عبد الملك الحوثي)، مجموعة أنصار الله، نفسها يومًا بعد يوم على أنّهم السادة الجدد لليمن؛ إذ بعد أن قام الحوثيون بإقالة محافظ الحديدة في بداية شهر ديسمبر، أغلقوا الميناء الاستراتيجي لتلك المدينة الواقعة على البحر الأحمر. وقبل ساعات قليلة قام رجال مسلّحون من أنصار الله بمداهمة مقرّ صحيفة الثورة الأمس/الجمعة، إحدى أهمّ الصحف في اليمن، وقاموا بإقالة مديرها واصفين إياه بأنّه “فاسد”.
وأنصار الله ـ كما تسمّي الميليشيات الحوثية نفسهاـ قاموا بإقالة مسؤولين كبار وقبلوا أو رفضوا رؤساء وزراء، ويقومون بمهام الشرطة والعدالة إذ يسيطرون على مبان عمومية ووزارات وثكنات عسكرية. ولا قرار يتّخذ أو ينفّذ دون موافقتهم. انقلاب؟ “بالتأكيد لا، إنها ثورة” يصحّح صالح الصمد، رئيس المجلس السياسي لأنصار الله. الّذي تابع: “ثورة 2014 جارية. هي بمبادرة من الشعب، نفّذته من قبله ومن أجله“.
ومع ذلك فهم ليسوا كثيرين في اليمن لوصف الأحداث الّتي تهزّ البلاد منذ عدّة أسابيع بـ”الثورة”. كلّ أو جزء من محافظات العمران وصنعاء والحديد وذمار وإب هي تخضع فعلًا إلى سيطرة أنصار عبد الملك الحوثي، زعيم مجموعة أنصار الله. وآخر سيطرة حتّى الآن: منطقة أرحب شمال العاصمة يوم الأحد 14 ديسمبر.
“ثورة شعب”
مقرّ “ثورة الشعب”، يقع في مبنى صغير وأنيق في شمال صنعاء وعلى واجهته صور عبد الملك الحوثي مدموغة بزعيم الثورة. وحولها، ميليشيات مدنية وعساكر في الزي الرسمي يأخذون دور “الثوريين”. ويتمّ إلصاق شعارات الجماعة على أغطية شاحنات قوّات الأمن المركزي والمخابرات العسكرية. “الله أكبر. الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل” بالإضافة إلى وظيفته داخل الجماعة، صالح الصمد هو أيضًا مستشار للرئيس عبد ربّه منصور هادي وهذه الصفة المزدوجة قيل عنها الكثير مثل إنّ أنصار الله قد انصهروا في الدولة اليمنية إذا لم يكن العكس.
على أيّة حال، الانتقام مذهل. فبين 2004 و2010، في محافظة صعدة، قاتل الحوثيون بعنف الجيش اليمني ممّا أسفر عن حصيلة بشرية فادحة جدًّا. وقد حمل أنصار الحسين الحوثي -زعيم التمرّد- الأسلحة للتنديد بتهميشهم السياسي والديني من قبل السلطة المركزية. من الطائفة الزيدية ـ فرقة شيعية، تمثل ثلث الشعب ـ تمّ الاشتباه في الحوثيين بأنهم يريدون العودة إلى النظام الملكي. وبعد 10 سنوات و6 حروب، خلف عبد الملك أخاه الّذي قتل في الصراع. وغادر رجاله محافظتهم الحدودية مع المملكة العربية السعودية من أجل الاستيلاء على مقاليد الحكم.
وكان يكفي أن تنوي الحكومة رفع الدعم عن المواد النفطية -من المتوقع أن يؤدي إلى التهاب أسعار البنزين- ليقوم أنصار الله بتزعّم الحركة الشعبية بالقوّة. بعد دعوتهم إلى التنديد بإهمال الحكومة والأزمة الاقتصادية والفساد المعمّم، نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع. ومنذ استقالة علي عبد الله صالح في 2011 تحتّ ضغط مزدوج من جزء من الشعب والمجتمع الدولي، لم تنجح حكومة الوحدة الوطنية في استقرار الأوضاع ولا في القضاء على الإرهاب ولا في الحدّ من البطالة ولا في وقف تخريب منشآت النفط والكهرباء من قبل العصابات المسلّحة.
بالنسبة لصالح الصمد، تمثّل أنصار الله اليوم ملجئًا. “نحن نواصل ثورة الشباب في 2011 الّتي تمّت مصادرتها من قبل الأحزاب السياسية. نحن في حرب ضدّ الفاسدين والإرهابيين، ضدّ كلّ من استولوا على أجهزة الدولة لخدمة مصالحهم الخاصّة. من أجل هذا دعم الجميع حركتنا الثورية، السكّان والقوّات المسلّحة سهّلوا وصولنا إلى صنعاء يوم 21 سبتمبر“.
وإيران؟ يشتبه في أنّ أنصار الله -منذ فترة طويلة- يتمتعون بدعم مالي وعسكري من طهران باسم التضامن “بين الشيعة”. صالح الصمد يرفض هذا قطعًا. “ليس لدينا شراكة حقيقية ولا علاقات خاصّة مع إيران. ولكن لدينا نقطة مشتركة مع حزب الله: الكفاح ضدّ السياسة الأمريكية في المنطقة“. ولكن بعض المصادر اليمنية والإيرانية اعترفوا مؤخرًا بوجود العديد من المستشارين العسكريين اليمنيين على الميدان وبالدعم بالسلاح وبالمال من قبل طهران للميليشيات الحوثية. وقدّ تسارعت وتيرة التحويلات منذ الاستيلاء المثير على صنعاء من قبل أنصار الله يوم 21 سبتمبر.
السيطرة على العاصمة لا تزال حتّى الآن الحلقة الأكثر إثارة للقلق في “الثورة الحوثية”؛ إذ يشير البعض إلى “لغز” والبعض الآخر يصرّ على “دور الشعب” أو “يد الله”. “لم يتم الاستيلاء على صنعاء بل قد أُعطيت، قدّمت على طبق، تمّ التضحية بها دون إطلاق رصاصة واحدة. كلّ هذا يشعرني بالاشمئزاز”. الرجل الّذي صرّح بهذه العمليات وفضّل عدم الكشف عن اسمه كان شاهدًا مباشرًا على هذه الأحداث. كلّ شيء لُعب في 12 ساعة. في الصباح كانت الدولة اليمنية لا تزال واقفة وعندما خيّم الليل، سقطت.
“بلادي غارقة في الظلام”
“يوم 21 سبتمبر حوالي الساعة التاسعة صباحًا عقد الرئيس هادي اجتماعًا طارئًا مع أبرز القادة السياسيين وقادة الجيوش. وللمرّة الأولى، تمّ منع الهواتف المحمولة داخل القاعة. لا أحد تمكّن من الاتصال بالخارج. استمرّ هذا الاجتماع 12 ساعة. وفي الأثناء، تمّت قيادة غرفة عمليّات من قبل عمّال صالح، ابن أخ رئيس الدولة السابق [علي عبد الله صالح]. وكان عليه توجيه الغزاة [الحوثيين] في العاصمة. وقد أمر الرئيس هادي ووزير الدفاع الجيش بعدم التحرّك“. حسب هذا الشاهد، من أصل 5 آلاف عنصر ميليشياوي كانوا في العاصمة، 2000 فقط كانوا حوثيين وأتوا من الخارج والبقية هم من أنصار علي عبد الله صالح الحاضرين في الميدان. في الساعة التاسعة ليلًا، كانت وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومقرّ الحكومة والبنك المركزي تحت السيطرة التامة لمجموعة أنصار الله دون أن تطلق رصاصة واحدة”.
بالنسبة للنائب عبد العزيز الغبيري عضو مجموعة التواصل مع عبد الملك الحوثي، “أظهر الرئيس هادي ضعفه. وبمساعدة الحوثيين يعتقد أنه يمكنهم تهميش بعض الشخصيات ذات الحجم الكبير. لقد تصرّف ببساطة وفقًا لحسابات شخصية وليس من أجل المصلحة الوطنية. من يمكن أن يعتقد أن استبدال الدولة بالميليشيات المسلّحة يشكّل تقدّمًا؟ منصور هادي هو اليوم جزء من المشكلة“.
ثورة حوثية؟ “لا إنه انقلاب، فقط لا أكثر” نادية عبد الله ثورية تاريخية في 2011. بضيق تلاحظ هذه العودة المثيرة إلى الخلف. “الحوثيون يهاجمون أنصار ثورة 2011 من خلال التحالف مع النظام السابق ومن بينه [الرئيس السابق] علي عبد الله صالح ويفرضون ذويهم في مؤسسات الدولة. إنهم يريدون محاربة الفساد ولكن دون المرور عبر القانون والعدالة. إنهم يعوّضون فاسدين بفاسدين آخرين. الدولة قدّ دمّرت وثورة 2011 قد انتهت وبلادي غارقة في الظلام”. ومع وصول عناصر مليشيات أنصار الله إلى الحكم، يحوم ظلّ النظام السابق على اليمن أكثر من أي وقت مضى.
نقلا عن التقرير