أربيل (العراق) – توحي التصريحات التي يطلقها المسؤولون في إقليم كردستان العراق بأن التلويح بالاستفتاء ورقة ضغط الهدف منها تحقيق مكاسب كردية جديدة، أو على الأقل الحصول على ضمانات عراقية وأميركية بتأجيل الاستفتاء وليس بإلغائه تماما، ما يجعل تلك الضمانات بمثابة الالتزام السياسي والأخلاقي.
وأعلنت رئاسة كردستان العراق أن رئيس الإقليم مسعود البارزاني طلب خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون “ضمانات” و”بدائل” لتلبية رغبة واشنطن في تأجيل الاستفتاء على الاستقلال مؤكدا أن “شعب كردستان سيمضي في طريقه ويقرر مصيره”.
وأفاد بيان لرئاسة كردستان على موقعها الإلكتروني أن تيلرسون اتصل هاتفيا بمسعود البارزاني معربا عن رغبة واشنطن في تأجيل الاستفتاء على استقلال الإقليم و”تأييدها استمرار المباحثات والمفاوضات بين الإقليم وبغداد”.
وأكد البارزاني أن وفدا من الإقليم “سيزور بغداد قريبا للتباحث حول المسائل المتعلقة بمستقبل العلاقات”.
وتساءل البارزاني حسب البيان “ما هي الضمانات التي من الممكن أن يتم تقديمها لشعب كردستان مقابل تأجيله للاستفتاء، وما هي البدائل التي ستحل محل تقرير المصير لشعب كردستان؟”.
واعتبر مراقبون عراقيون أن البارزاني يعرف أن الولايات المتحدة تعارض إجراء الاستفتاء بسبب الوضع الإقليمي الذي يمكن أن يؤثر على مصالحها وعلى وجود قواتها، وأنها لا تعارضه مطلقا لإيمانها بأن التفتيت أفضل وسيلة للتحكم بدول المنطقة.
وأشار مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” إلى أن واشنطن تأخذ في اعتبارها عدم إغضاب تركيا وإيران في وقت تحتاج فيه القوات الأميركية إلى تركيز جهودها على جبهة داعش، وخاصة تثبيت وجودها على الحدود السورية العراقية وقطع الطريق أمام استراتيجية العبور الحرّ التي تريد إيران فرضها في منطقة الهلال الشيعي.
ولفت المراقب أن الدعم الصريح للاستفتاء سيدفع بتركيا إلى تصعيد الهجمات على الأكراد وخاصة أكراد سوريا باعتبارهم الورقة الرئيسية في الخطة الأميركية. كما أن إيران يمكن أن تطلق أيدي الحشد الشعبي لمواجهة الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد ويريدون ضمها كأمر واقع مكافأة على دورهم في التصدي لداعش.
ورغم الخلاف مع الأتراك في ملف دعم أكراد سوريا وتسليحهم لقيادة المواجهة الميدانية مع داعش في الرقة، فإن المحللين لا يتوقعون أن تبادر واشنطن إلى إغضاب أنقرة والاصطدام معها في قضية الاستفتاء، وأنها ستعمل على إدارة هذه الخلافات بشكل يحفظ استمرار الحرب على الإرهاب ويؤجّل حسم الصراعات العرقية والطائفية إلى مرحلة لاحقة.
وعبّرت إيران مؤخّرا على لسان مرشدها الأعلى علي خامنئي عن رفضها تنظيم استفتاء على استقلال كردستان العراق، لكنّها عمليا توكل مهمّة عرقلة انفصال الإقليم إلى الأحزاب الشيعية الممسكة بزمام الحكم في العراق، وحتى لجهات كردية شريكة مع البارزاني في إدارة الإقليم.
ويقول محللون عراقيون إن ميليشيا الحشد الشعبي التي سبق أن احتكت مرارا بالبيشمركة الكردية، خاصة خلال معركة الموصل، على استعداد لخوض حرب من أجل منع استقلال الإقليم وخاصة نزوع قياداته إلى التوسع والسيطرة على أراض جديدة أغلبها مناطق نفطية مثل كركوك.
وهددت جماعات شيعية مسلحة مدعومة من إيران بطرد الأكراد بالقوة من تلك المنطقة وثلاث مناطق أخرى متنازع عليها وهي سنجار ومخمور وخانقين.
ويفسر المحللون التصريحات الكردية المتمسكة بالاستفتاء بأن هدفها تثبيته في أذهان الخصوم قبل الأصدقاء، وخاصة في ذهن الحكومة المركزية في بغداد، حتى إذا تم التراجع عن موعد الـ25 من سبتمبر فسيكون تراجعا تكتيكيا، وربما يتم تحديد موعد آخر قريب لتظل القضية حية في أذهان الجميع.
وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية والمالية السابق والوجه الكردي البارز، السبت إن أكراد العراق متمسكون بإجراء استفتاء على الاستقلال في الـ25 من سبتمبر كما هو مقرر وذلك على الرغم من الطلب الأميركي بتأجيله.
وتتخوف الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من أن يشعل التصويت صراعا جديدا مع بغداد ويحوّل المنطقة لساحة اضطرابات إقليمية أخرى. وتعارض تركيا وإيران وسوريا، وجميعها تقطنها أعداد كبيرة من الأكراد، استقلال كردستان عن العراق.
وقال زيباري، وهو أيضا مستشار مسعود البارزاني تعليقا على طلب وزير الخارجية الأميركي إن “الموعد كما هو الـ25 من سبتمبر ولم يتغيّر”.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في يونيو إنها تخشى أن يصرف الاستفتاء الانتباه عن “أولويات أخرى أكثر إلحاحا” مثل هزيمة متشدّدي تنظيم الدولة الإسلامية.
وانهارت الشهر الماضي عمليا دولة “الخلافة” التي أعلنها التنظيم عندما أتمت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة السيطرة على معقله الرئيسي بالموصل بعد حملة استمرت تسعة أشهر شاركت فيها قوات البيشمركة الكردية.
إلا أن التنظيم المتشدد ما يزال يسيطر على أراض غرب العراق وشرق سوريا. وتعهدت الولايات المتحدة بمواصلة دعمها للقوات الحليفة في الدولتين لحين هزيمة التنظيم تماما.
ويسعى الأكراد لإقامة دولة مستقلة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى على الأقل عندما قسّمت القوى الاستعمارية الشرق الأوسط لكن انتهى المطاف بالمناطق التي يعيشون فيها إلى الانقسام بين تركيا وإيران والعراق وسوريا.
وكان البارزاني قال في يوليو الماضي إن الأكراد سيتحمّلون مسؤولية نتيجة الاستفتاء المتوقعة بتأييد الاستقلال وسيسعون لتنفيذها عبر الحوار مع بغداد وقوى إقليمية لتجنب نشوب صراع. وأضاف “علينا تصحيح تاريخ سوء المعاملة بحق شعبنا ومن يقولون إن الاستقلال ليس جيدا فإن سؤالنا لهم هو: إذا لم يكن الاستقلال جيدا لنا فلماذا سيكون جيدا لكم؟”.
ويقول مسؤولون أكراد إن الاستفتاء سيجرى أيضا في مناطق متنازع عليها بما يشمل كركوك الغنية بالنفط لتحديد خيارهم بشأن البقاء جزءا من كردستان.
ومنعت قوات البيشمركة الكردية تنظيم داعش من الاستيلاء على كركوك في شمال العراق عام 2014 بعد أن فرّ الجيش العراقي أمام تقدم المتشددين. كما يدير الأكراد بشكل فعلي المنطقة التي يطالب تركمان وعرب بالسيادة عليها أيضا.