وأقرَ المشاركون في الاجتماع المنعقد في بلدة رميلان الحدودية في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، وفي مقدمتهم حزب “الاتحاد الديمقراطي”، (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، “وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي لإقليم شمال سورية”، بعد إجراء التعديلات على مسودة الوثيقة التي اقترحت من قبل المجتمعين، يوم الأربعاء، وعُرضت المسودة للتصويت عليها في الاجتماع.
وتم إقرار النظام الفيدرالي الكردي بحضور عدد من الأحزاب والجمعيات والمنظمات المنضوية تحت الإدارة الذاتية الكردية، بالإضافة إلى بعض الأطراف العربية، والآشورية، والسريانية ذات التمثيل المحدود في الشارع السوري. ويضم النظام الفيدرالي الجديد مقاطعة عين العرب في ريف حلب الغربي، وعفرين في ريف حلب الشمالي، ومقاطعة الجزيرة في منطقة الحسكة، إضافة إلى المناطق التي سيطرت عليها “قوات سورية الديمقراطية”، أخيراً، في محافظتَي الحسكة وحلب.
وعلمت “العربي الجديد” من مصادر داخل اجتماع مكوّنات الإدارة الذاتية الكردية، أن الخلاف الأبرز كان حول مصطلح “حكومة اتحادية” الذي تضمّنته المسودة، إذ اعتبر بعض الحاضرين أنه يشير إلى وجود نيّة للاستقلال عن سورية والانفصال عنها مستقبلاً، وطلبوا ضمانات بألا تحتوي وثيقة النظام على ما يسهّل هذا الانفصال مستقبلاً. لكن هذه الخطوة الكردية تصطدم برفض دولي وإقليمي، خصوصاً من تركيا وإيران والولايات المتحدة، فضلاً عن الاعتراض الداخلي من قبل النظام السوري والمعارضة السياسية.
أبعاد الخطوة
مثلما نقل حزب “العمال الكردستاني” تجاربه العسكرية في حرب المدن من سورية إلى تركيا وفشل، بحسب مراقبين، تتحول المناطق ذات الغالبية الكردية في سورية إلى حقل تجارب لتنظيرات مثقفي “العمال الكردستاني” في تركيا. وبينما يبدو تحقيق هذه التنظيرات أو تنفيذها، بالحد الأدنى، أمراً مستحيلاً داخل تركيا لاختلاف موازين القوى، تقدّم “الاتحاد الديمقراطي” بمسودة لمشروع الإقليم، تكاد تتطابق بشكل كامل مع ورقة الإدارة الذاتية التي تمت مناقشتها في مدينة دياربكر التركية، نهاية ديسمبر/كانون الأول العام الماضي.
واجتمعت الأحزاب والتنظيمات التابعة لـ”الكردستاني” في ما يعرف بـ”مجلس المجتمع الديمقراطي”، بما فيها حزب “الشعوب الديمقراطي”، وحزب “المناطق الديمقراطية”، آنذاك، في مدينة دياربكر، للإعلان عن رؤية المجلس للإدارة الذاتية. وطرح الأخير في نهاية المؤتمر وثيقة مكوّنة من 14 مادة تعرّف الإدارة الذاتية. ويقوم نظام الإدارة الذاتية على أن يجتمع عدد من المدن بناءً على التقارب الثقافي، والاقتصادي، والجغرافي في إدارة ذاتية، تكون أساساً للدستور التركي الجديد، ينتخب فيها مجلس إدارة ذاتية ينهي وصاية الحكومة المركزية بشكل كامل.
ويتولى المجلس تقديم الخدمات التعليمية بما في ذلك تعليم تاريخ المنطقة وثقافتها، وعدد من المناهج الخاصة باللغة الأم لسكان المنطقة. يضاف إلى ذلك، المنهج المركزي، والخدمات الصحية، والقضائية للمواطنين. كما تتولى الإدارة الذاتية جمع الضرائب واستثمار الموارد المحلية، والشؤون الأمنية، وتشكيل وحدات أمن خاصة تعمل بالتنسيق مع وحدات الأمن المركزي. وتتخذ الإدارة الذاتية من اللغات المحلية لغة رسمية إضافة إلى اللغة التركية.
اقرأ أيضاً: الأكراد يعلنون نظامهم الفيدرالي في شمال سورية
لم تقتصر المسودة التي قدمها “الاتحاد الديمقراطي” في سورية على طرح “الكردستاني” في تركيا، بل احتوت على السقف الأعلى لطموحات الأخير، بما في ذلك السماح للإقليم بتكوين علاقات دولية وخارجية. ويضع كثيرون الحديث عن الإقليم الكردي، سواء بمسمى “إقليم شمال سورية” على طريقة إقليم شمال العراق، أو “روج آفا كردستان” على طريقة إقليم كردستان، في خانة المزايدات القومية بين “الاتحاد الديمقراطي” و”المجلس الوطني الكردي” التابع لإربيل، والمنضوي في إطار “الائتلاف السوري المعارض”. ويرى “المجلس الكردي” النموذج الكردي في العراق، على الرغم من اختلاف الظروف التي أدت إليه، مثلاً يحتذى به، وصولاً إلى مرحلة لاحقة للانفصال عن سورية والاتحاد مع إقليم كردستان لتكوين دولة كردستان. ويبقى الصراع على القاعدة الشعبية الكردية القومية في سورية بين “الاتحاد الديمقراطي” و”المجلس الوطني الكردي”، وهي قاعدة شعبية تميل بغالبيتها نحو الفيدرالية وحلم الدولة القومية الكردية.
ويرى كثيرون أن “الاتحاد الديمقراطي” اضطر إلى تجاوز مشروع الكانتونات أو الإدارة الذاتية التي كان يدعو إليها في وقت سابق، إلى فكرة توحيد هذه الكانتونات الثلاثة (الجزيرة وعين العرب وعفرين) في إقليم يهدئ الرأي العام الكردي الذي يرى بأنه قدّم من التضحيات ما يكفي لتحقيق الحلم القومي.
كما تأتي هذه الخطوة الكردية السورية، في إطار التصعيد الشامل بين أنقرة وجبال قنديل على الأراضي التركية سواء على المستوى السياسي أو العسكري. فالهزائم العسكرية التي تعرّض لها “العمال الكردستاني” في استراتيجية حرب المدن التي طبّقها، أخيراً، وما تلاها من انخفاض شعبيته في المدن ذات الغالبية الكردية جنوب وشرق البلاد، ورفض أجنحته السياسية دعوته للتظاهر، جميعها عوامل دفعت حكومة “العدالة والتنمية” إلى التصعيد وطرح فكرة نزع الحصانة عن قيادات حزب “الشعوب الديمقراطي” (الجناح السياسي للكردستاني). وردّ “الكردستاني” بالعودة إلى الاستراتيجيات القديمة، عبر توسيع هجماته لتشمل مدن وسط وغرب تركيا، إذ أعلن تنظيم “صقور حرية كردستان” التابع للكردستاني مسؤوليته عن الهجومَين الانتحاريَّين الأخيرين اللذين ضربا العاصمة أنقرة.
دعم روسي وأطراف عربية
على الرغم من التصريحات الروسية الأخيرة التي لم تؤيد مشروع “الاتحاد الديمقراطي”، بدا واضحاً أن خطوة الأخير مدعومة من قبل موسكو، وذلك بمشاركة حليفها الرئيسي في ما يُعرف بـ”معارضة موسكو السورية”، حزب “الإرادة الشعبية”، بقيادة قدري جميل (الكردي) في مؤتمر الرميلان. ويأتي ذلك، في إطار الصراع الروسي ـ التركي الذي تفجّر إثر قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في يوليو/تموز الماضي. كما يحظى المؤتمر بدعم رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني ودولة عربية خليجية لا تجمعها علاقة حسنة بأنقرة، ترى في إقامة إقليم شمال سورية تحت قيادة “الكردستاني”، نوعاً من تكوين Buffer Zone (منطقة عازلة)، تضع حداً لمطامع وطموحات أنقرة في العمق العربي.
رفض روسي أميركي
في المقابل، إنّ مثل هذه الخطوة وإنْ كانت موجهة ضد أنقرة بشكل أساسي، لكنّها تحمل أبعاداً أخرى أهمها، استفزاز طهران، التي ترى في أي مشروع كردي جديد خارج العراق تهديداً حقيقياً لوحدة أراضيها. من هنا، يمكن فهم الموقف الروسي المفاجئ، يوم الأربعاء، الذي عبّر عنه نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف والمتحدث الرمسي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف. فبينما أكد بوغدانوف أنه لا يمكن لأكراد سورية إقامة نظام حكم فيدرالي في سورية بشكل أحادي خارج إطار “مسار جنيف”، شدّد بيسكوف على أن الشعب السوري وحده صاحب القرار في مسألة نظام الحكم المستقبلي في بلاده، معتبراً أنه لا يحق لأكراد سورية تقرير مسألة “فدرلة” البلاد بصورة أحادية.
أما على الجانب الأميركي، فإن هذه الخطوة لن تمثل أكثر من مزيد من الحرج لواشنطن أمام أنقرة بسبب علاقتها مع قوات “الاتحاد الديمقراطي” في إطار الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، على الرغم من الاعتراض التركي. لذلك أكّد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، أخيراً، أن واشنطن لن تعترف بأية مناطق للحكم الذاتي أو شبه المستقلة في سورية. وقال تونر، “كنا واضحين جداً لجهة أننا لن نعترف بمناطق ذات حكم ذاتي في سورية”، مضيفاً أنّ “هذا أمر ينبغي أن تتم مناقشته والموافقة عليه من جميع الأطراف المعنية في جنيف ثم من الشعب السوري نفسه”.
باسم الدباغ
صحيفة العربي الجديد