العراق 2014 “العام الاصعب اقتصاديا”

العراق 2014 “العام الاصعب اقتصاديا”

 irq_1763242869

تعرض الاقتصاد العراقي، خلال العام الفين واربعة عشر الى جملة من الصعوبات شكلت عائقا امام نهوضه، سواء ما يتعلق منها بالوضع الامني والسياسي والاداري او لجهة تزايد معدلات الفساد، لتتحول البلاد الى وضع صعب يرثى له على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية كافة، إذ دمرت البنية الأساسية وتدهور النشاط الاقتصادي، ووصلت الأوضاع الاجتماعية إلى درجة شديدة من التردي في ظل الحرب على الارهاب وانهيار اسعار النفط وارتفاع البطالة والفقر وبلوغها معدلات خطيرة.
ويجمع العديد من الخبراء على ان العام الفين واربعة عشر كان الاصعب والاقسى في مسيرة الاقتصاد العراقي ، اذ بلغ الفساد ارقاما فلكية ما دعا منظمة الشفافية العالمية الى تصنيف العراق ضمن الدول العشر الاكثر فسادا في العالم وفق احصاءات عام 2014 التي جرت العادة ان تكذب حكومة المالكي، كل هذه التقارير الدولية التي تؤكد وقوع مؤسسات حكومية بأكملها تحت ايدي مافيات فساداضافة الى توظيف موظفين وهميين اطلق عليهم “الجنود الفضائيين” في الجيش العراقي.
وتشير تقارير الى خسارة العراق مليارات الدولارات وأن الفساد يستشري في رئاسة الوزراء لافتة الى ان رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي اعلن في بداية تسلمه مهامه عن فضيحة وجود اكثر من 50 الف جندي وهمي “فضائي” يشكلون ما مجموعه اربع فرق عسكرية في صفوف الجيش العراقي .
و يرى خبراء عراقيون أن العراق فرط بموارده المتعاظمة خلال عشر سنوات والتي بلغت نحو 800مليار دولار، والواردة عن الارتفاع في اسعار النفط ، لحساب مافيات السياسة والشركات الفاشلة والعقود الكاذبة والمشاريع الوهمية والصفقات السرية وتهريب الأموال والسرقات والرواتب المليارية وغيرها من ممارسات الفساد المالي والإداري والسياسي.
وبحسب الخبراء فان العراق عام 2016سيكون بحالة حرجة جدا، أي ان ميزانيته سوف لاتسد نصف رواتب العاملين في الدولة!؟
وما كانت البنى التحتية للعراق بمنأى عن هذا التدهور فقد تدمرت البنى التحتية والقطاع الزراعي ففي مجال القمح، سيطر“داعش” حتى الآن على جزء كبير من امداداته، وتقدر الامم المتحدة ان الارض الواقعة تحت سيطرته توفر نحو 40 في المئة من الانتاج السنوي للعراق من القمح، وهو من اهم المواد الغذائية الى جانب الارز والشعير، كما تدمرت التجارة والصناعة في العراق ، بحيث بات الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا بامتياز لا يعتمد الا على النفط فقط .
ولم يتوقف الفساد عند هذا الحد، بل سعت حكومة المالكي الى توقيع عقود تسلح بمليارات الدولارات مع روسيا وهو ما تم كشفه فيما بعد، وكذلك صفقة السلاح التي زودت بها الحكومة السورية نيابة عن ايران.
ولا يقتصر الدمار على القطاعات الانتاجية فقط بل تجاوزه الى اركان الدولة والمناصب الحساسة، حتى باتت هذه المناصب هدفا لثلة من اصحاب المناصب العليا الذين يتناوبون عليها لجعلها عبارة عن شركة خاصة تعمل لمصالحهم الخاصة وتدر عليهم الارباح . بالاضافة الى توقيع عقود بملايين وربما بمليارات الدولارات مع شركات وهمية تم الكشف عنها فيما بعد مثل صفقات بناء محطات توليد الكهرباء ونقل القدرة الكهربائية في 2014 .

Released by Col. Olivier R. USMC
اما الحرب على الارهاب والتي حصدت الاخضر واليابس فكانت ومازالت تفتك بالشعب العراقي، فمنذ عام 2012 عندما اعلن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الحرب على المحافضات الست المنتفضة، وتحشيد الجيش زاد استنزاف ما تبقى من ميزانية الدولة وتدمير والقطاع الصناعي والتجاري والبنى التحتية فيها، وهو ما اثر على اقتصاد البلاد وموارده المالية، ولم يتوقف الامر عند ذلك فقد تبعه الحرب على ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” اذ فرضت الحكومة العراقية حصارا على المدن التي احتلها التنظيم وعزلتها عن باقي البلاد واجهزت على قطاع الزراعة في تلك المدن، ما اضاف اعباء جديدة على خزينة الدولة، التي اصبحت مطالبة بتعويض المزارعين عن الاضرار التي لحقت باراضيهم ومحاصيلهم .

ولفت تقرير للبنك الدولي إلى أن تكلفة الحرب على داعش تتوزع بشكل غير متساو في المنطقة، إذ تتحمل سوريا والعراق عبء التكلفة المباشرة، مع تراجع الإنفاق على الرفاهية لكل فرد في البلدين بما يصل إلى 16%، موضحاً انه في كل من سوريا والعراق سجل نصيب الفرد من الدخل تراجعا وصل إلى 23 و28 % على التوالي.
هذا فضلا عن المصانع التي تضررت بالإضافة الى محطات توليد الكهرباء والمباني الحكومية، التي تعرضت للهدم بالبراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات او القصف المدفعي والتفجيرات وهي تشكل اعباء في المستقبل على عاتق الحكومة وتضاعف من حجم المشكلة والاعباء على كاهل الشعب العراقي .

A Syrian refugee holds a baby in a refug...A Syrian refugee hold
وبالحديث عن الاضرار من العمليات العسكرية والحرب على الارهاب، كان النازحون من تلك المدن هم الاكثر تضررا من الاوضاع المتردية في العراق، فهناك أكثر من مليوني عراقي نزحوا هذا العام بسبب سيطرة “ تنظيم الدولة ”، على مناطق عدة من العراق ، في وقت تتفاقم فيه أزمة النزوح بشكل كبير رصدت لهم الحكومة مبالغ كبيرة تتجاوز 500 مليون دولار وهو مبلغ زهيد مع الاوضاع التي يعانيها النازحون خصوصا مع دخول فصل الشتاء القارس ومايحتاج من تجهيزات واستعدادات لمواجهته ، ومع ذلك مازالت الازمة تتفاقم مايفرض على الحكومة العراقية رصد مبالغ اضافية للمساعدة النازحين .
وقطاع النفط هو الاخر لم يكن بمنأى عن الاحداث التي ألمت بالعراق، فقد بلغ حجم خسائر قطاع النفط العراقي بين تموز وتشرين الاول 2014م جرّاء تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية 16.32 مليار دولار، وذلك بما يمثل 27% من إيرادات العراق المتوقعة. وبسبب عدم جدية العراق في توفيرمصادر متنوعة لإيراداته، فقد جاءت موازنة عام 2015 لتعكس حالة من الارتباك والخشية من الآتي في قابل الايام. هذا فضلا عن توقفت مصافي النفط الحكومية عن الانتاج اضافة الى ان بعضها كان مسرحا للعمليات العسكرية، كمصفى بيجي الذي توقف عن الانتاج وكان معدل انتاجه حوالي 100 الف برميل يوميا، وكذلك الحال مصفاة الشعيبة والمفتي والبصرة وغيره من المصافي. ومصفاة الدورة التي تعد المصفاة الام في العراق تراجع انتاجها ايضا بسبب الاهمال والفساد الذي طالها.
ولم تقتصر الازمة النفطية على الداخل العراقي بل كان لانخفاض اسعار النفط عالميا الى مستوى 50 دولارا للبرميل اكبر الاثر على قطاع النفط العراقي والاقتصاد عموما .
اما القطاع التجاري فكان له نصيب من الاهمال والضياع حيث تحول العراق الى مكب للبضائع والنفايات الزراعية التي يستوردها العراق من ايران لكسر العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على طهران، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 12مليار دولار سنويا مع ايران.
ومن اكبر المشاكل التي اثيرت في العراق عام 2014 مشكلة تمويل التجارة الخارجية، حيث يعاني العراق بشكل كبير مسألة تمويل التجارة الخارجية من خلال نافذة مزاد العملات في البنك المركزي، التي تبلغ حوالي 200مليون دولار يوميا حيث تمت احالة موظفين كبار الى القضاء، ومنهم من اقيل من عمله الا ان التعليمات مازالت تراوح مكانها ، ما اضر بالمصارف والعمل المصرفي بشكل عام ؛حتى وصلنا الى نهاية عام 2014 الذي انتهى دون اقرار ميزانية الدولة والتي لم يكن احد يعلم كيف تدار امور الدولة قبل ذلك ،حتى الميزانية التي قدرت بحوالي 103 مليار دولار لم تخضع للدراسة الدقيقة،نظرا للهبوط الحاد والمتواصل لاسعار النفط العالمية وهو ماجعل من الصعب التنبؤ بالسعر الذي ستستقر عليه اسعار النفط، ومع ذلك نوقشت الميزانية على عجل لكي تحسب كإنجاز قبل نهاية العام، في حين ان ميزانية عام 2014 لم تقر والتي تبلغ 150مليار دولار، اما ميزانية عام 2015 والبالغة 103 مليار دولار فقد بلغ العجز فيها مالا يقل 25مليار دولار .
تقييم الاداء الحكومي 2014
لقد شهد العام 2014 الكثير من القصور والترهل الاداري والمؤسسي في الدولة العراقية، وتمثل ذلك في العديد من العوامل ومنها:-
1- ضعف الاداء الحكومي في ادارة العملية الاقتصادية في البلاد والعجز عن استقطاب الاستثمارات الخارجية وارتفاع مستويات البيروقراطية، ما اسهم في تسلسل الفشل في عموم الاقتصاد العراقي .
2- تفشي الفساد المالي والاداري وسرقة المال العام وغياب الحوكمة في آليات الانفاق الحكومي.
3- تدهور دور القطاع الخاص في العراق، حيث يتفق المراقبون على ان عام 2014 لم يشهد دورا حقيقيا للقطاع الخاص، بالإضافة الى غياب تفعيل برامج العمل المشتركة مع القطاع الخاص.
4- توقيع عقود بملايين الدولارات مع شركات وهمية لايتجاوز رأسمالها بضعة الاف من الدولارات.
5- هيمنة اصحاب النفوذ في الدولة على العقود الاستثمارية حيث يتم منحها لاشخاص معينين او اقاربهم .
6- عدم مراعاة العقود مثل عقود النفط، لدورها المجتمعي على الرغم من ان هذه الشركات تحقق ارباحا بملايين الدولارات الا انها لا تراعي حصة المجتمع المدني من هذه المرابح.
7- غياب التشريعات الاقتصادية الناظمة للعملية الاقتصادية وضعف التشريعا ت الموجودة .
8- تحجيم دور البرامج التنموية الحكومية بشكل كبير.
9- غياب دور مؤسسات المجتمع المدني، التي كان من الممكن ان تكون داعما للمجتمع المحلي والقطاع الخاص .
10- غياب برامج تطوير القدرات وتطوير الكوادر والاختصاصات وبرامج التدريب المهني .
11- تدهور الموازنة الاستثمارية مقابل الموازنة التشغيلية بشكل كبير.
12- تفشي البطالة والبطالة المقتعة التي وصلت الى ارقام فلكية بالاضافة الى انتشار الفقر بشكل كبير.

Hewler-Kurdistanبين اقتصاد المركز والاقليم

يتفق العديد من الخبراء على ان التجربة الاقتصادية في اقليم كردستان العراق كانت اكثر نجاحا من نظيرتها في بغداد، ويستدل الخبراء على هذا النجاح من خلال اليات الشفافية التي تنتهجها حكومة الاقليم في شتى تعاملاتها، وكذلك من خلال عمل القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بتنمية الكثير من المشاريع الصغيرة وبدعم من حكومة الاقليم، ما سمح بتضافر جهود القطاع العام والخاص ووجود حالة من التناغم في العمل بين كلا القطاعين، الامر الذي اسهم في ايجاد بيئة اقتصادية فاعلة .
اما حكومة المركز فيرى الخبراء انها تفتقد لادنى مستويات الشفافية، فالحديث عن ملفات الفساد حديث ذو شجون، بالاضافة الى ان التعاون مع القطاع الخاص غير موجود اصلا، بل يتعمد الى تهميشه في اغلب الاحيان، يكمله غياب الرغبة الحقيقية في مكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين.
لا يختلف احد على ان عام 2014 كان عاما كارثيا على العراق واقتصاده لكن العديد من الخبراء يرون أن هناك عدد من العوامل اذا ما توافرت من الممكن ان يتعافى الاقتصاد العراقي مستقبلا، ومنها:
– محاربة الفساد بكل اشكاله من خلال وضع التشريعات الرادعة لمحاربة الفساد والمفسدين.
– وضع برامج تنموية ورقابية تسهم في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الكبرى من خلال سندات حكومية تقدم الدعم لهذه المشاريع .
– تفعيل القوانين المعطلة مثل المناطق الصناعية، قانون سوق رأس المال، قانون التعاقدات المالية، والنفط والغاز، وغيرها من القوانين التي قد تسهم في نهوض الاقتصاد العراقي وتطوره.
– اعادة النظر بالمشاريع والمنشآت العراقية التي انشئت واسست من اموال العراقيين، باعادة تشغيلها او بيعها وربما التعاون مع القطاع الخاص بهذا الشأن .
– الاهتمام بالقطاع الزراعي وخصوصا المحاصيل الاستراتيجية، التي تقود العراق الى الاكتفاء الذاتي ودعم المزارعين بالأجهزة والمواد الزراعية وتوفير وسائل الري الحديثة.
– تنويع الموارد الاقتصادية وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للموازنة العامة للبلاد .
– اعادة النظر في سياسة التوظيف باشراك القطاع الخاص وعدم اعتماد المواطن على الوظيفة العامة فقط.
اذن عام الفين واربعة عشر هو الاقسى على الاقتصاد العراقي اذ اجتمع العامل الامني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لتشكل جميعها عقبة في طريق الاقتصاد العراقي الذي انهكته سنوات الحصار والدمار والطائفية المقيتة والفساد المستشري، وعليه يعد تطوير الاقتصاد العراقي بكل قطاعاته الانتاجية والخدمية مسألة ملحة عاجلة فالعراق اليوم مهدد في جميع المجالات وبالتالي فانه امام تحديات كبيرة.
وتأسيساً على ما تقدم يتطلب الامر بناء اقتصاد متين ومزدهر يتحقق فيه مبدأ العدالة الاجتماعية، ويعود ريعه وخيراته على الجيل الحالي والأجيال القادمة وعلى الشعب العراقي واطيافه المتنوعة في كل اجزائه .

عامر العمران