طوى عام 2014 صفحاته اليوم على مشهد عربى مثقل بالأزمات والجراح فى العديد من جنباته
ولا تبدو فى الأفق أى بوادر فى إمكان حلها وتسويتها سلميا، ووقف دوامة العنف والقتل والتدمير المستعرة منذ سنوات فى العديد من الدول العربية، خاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا.
بنية الأزمات العربية والطريقة التى يتم التعامل بها حتى الآن لا تشير إلى أن عام 2015 سوف يشهد حلحلة لتلك الأزمات، إذا استمر النهج ذاته، بل سوف تتصاعد وتتفاقم تأثيراتها وتداعيها السلبية، فالقاسم المشترك فى كل تلك الأزمات هو الفشل فى التعامل مع قضية الاختلافات الدينية والطائفية التى فجرتها ثورات الربيع العربى، وأصبحت عائقا أمام الحل، فالصراع فى العراق يرتكز فى جزء كبير منه على الصراع الطائفى بين الشيعة والسنة، وبين الإرهاب الذى تمثله التنظيمات الدينية المتطرفة وبين الدولة المركزية، وفى اليمن يرتكز الصراع فى جزء كبير منه على الصراع الشيعى السنى، وعلى الصراع بين التنظيمات الدينية والدولة اليمنية، وفى سوريا نفس الثنائية بين النظام والمعارضة التى تلعب التنظيمات الدينية دورا كبيرا فيها، وكذلك الحال فى ليبيا.
وقد أثارت ثورات الربيع العربى إشكالية مدى إمكان التعايش بين الإسلام السياسى، والتيارات المدنية ومفهوم الدولة الديمقراطية، فالاختلاف الفكرى والإيديولوجى لكل طرف ونظرته إلى مفهوم الديمقراطية أدى لتحول الصدام السياسى إلى الصدام العسكرى وفقا لمنطق المباراة الصفرية، ومراهنة كل طرف أو تيار على التخلص من الآخر، كما أدى إلى غياب الأرضية المشتركة فى إمكان التعايش بين جميع الاختلافات السياسية والفكرية وفق مبدأ المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات، وفى إطار التوافق على الأولويات الرئيسية للمجتمع فى تحقيق التنمية والتقدم والحرية، باعتبارها القاسم المشترك فى الثورات العربية، وكان من نتيجة غياب هذا القاسم تهاوى الدولة العربية بمفهومها التقليدى وتصاعدت قوة فاعلين آخرين من غير الدول، وأصبحوا يمثلون ندا قويا للدولة، كما هو الحال فى تنظيمات داعش والحوثيين وغيرهما. وأسهم العمل الخارجى فى تغذية هذه الصراعات حيث تزايدات الاستقطابات والتشابكات الخارجية مع الأطراف الداخلية، وسعى الخارج، سواء كان إسرائيل أو إيران أو الغرب، إلى توظيف حالة الهلامية والتفكك فى المشهد العربى لتحقيق مصالحه ومآربه، والسعى لإطالة أمد الصراع وتعقيد الأزمات، لتعيش هذه الدول حالة نزيف مستمر.
والمعضلة الأخرى أن بعض الدول العربية، ونتيجة الفشل فى ممارسة السياسة، تحولت من حالة الاستبداد الكامل قبل الثورات، إلى حالة الانفلات الشامل بعدها، وما بين الحالتين تعيش الشعوب العربية معاناة حقيقية ونظرة معادية لفكرة الديمقراطية، وسعى البعض لمقايضة الحرية بالأمن والاستقرار، ورغم أن هذا الخيار ربما يكون فاعلا فى المدى القصير مع تصاعد خطر الإرهاب، فإنه لن يجدى على المدى البعيد. والوضع الطبيعى لتحقيق الاستقرار الدائم هو تحقيق الثلاثية معا وهى الأمن والحرية والتنمية.
هذه الثلاثية المترابطة لا يمكن لأحد أضلاعها أن يحقق الاستقرار وحده، وهذا يفرض إعادة مراجعة طريقة ومنهج التعاطى مع الأزمات العربية برؤية أعمق وأشمل، فالأزمات فى العراق وسوريا واليمن وليبيا لن تحل دون التوافق والتفاهم بين كل أبناء هذه الدول، على كل اختلافاتهم السياسية والطائفية، على المستقبل والمصير المشترك، والحفاظ على وحدة الدولة وحماية مؤسساتها العسكرية والاقتصادية والانحياز لمطالب الشعوب، وتكريس الديمقراطية الحقيقية التى تستوعب الجميع فى بوتقة الوطن، وأن تتحول بنية الصراع من التقاتل على السلطة ونفى الآخر، إلى التنافس على التنمية والتقدم إلى الأمام، وتكريس القناعة أن الكل فى مركب واحد إما أن يغرق أو ينجو بهم جميعا، وأن الكل خاسر من استمرار هذا الصراع، حتى وإن حقق مكاسب جزئية أو وقتية، وأن استمرار هذه الحالة، يهدد بتحولها لدول فاشلة، وخصم من تاريخها وتجميد عملية التطور والنهوض، التى حققتها العديد من دول العالم الأخرى، والتى مرت بأوضاع مشابهة، كما هو الحال فى بعض الدول فى إفريقيا وأوروبا الشرقية. ويكفى أن الدول العربية التى تعيش أزمات عاصفة الآن، تحتل درجات عالمية متأخرة فى مؤشرات التنمية الشاملة وأوضاع حقوق الإنسان، بينما سبقتها دول أخرى كانت توصف بالمتخلفة.
التعاطى مع الأزمات العربية والحل الجذرى لمواجهة سرطان الإرهاب، المستشرى حاليا، ينبغى أن يرتكز على الحل السياسى بالأساس، بعد أن فشلت الحلول العسكرية فى حسم الصراع لهذا الطرف أو ذاك، ودون أن تجلس أطراف الأزمات فى هذه الدول معا وتغلب الحوار، وتدير صراعاتها واختلافاتها بطريقة سلمية، فلن تخرج من الدوامة الحالية، ولن تنجح أى مبادرات أو وساطات خارجية فى انتشالها من مأزقها. ولذلك فإن عام 2015 لن يكون أفضل حالا من سابقيه، بل ربما تتسع دائرة الصراعات وتوابعها وتتزايد حجم مخاطرها فى هذه الدول، إذا لم تكن هناك وقفة حقيقية وإرادة صادقة فى تغيير طريقة التفكير والتعامل مع الأزمة، والتحرك نحو إنجاز ثلاثية الأمن والحرية والتنمية.
احمد سيد احمد
نقلا عن الاهرام