هناك تغييرات تجري على الأرض، وتثبت أن نهاية التنظيم الإرهابي «داعش» باتت مسألة وقت لا غير. ومهما كان الدعم الذي يتلقاه هذا التنظيم الإرهابي من جهات معلومة أو خفية، فإن حجم الأذى الذي ألحقه بشعوب مختلفة الأعراق والأديان، قد وحّد الضمائر الحية، وهو ما سيسلط ضغطاً إيجابياً على «الحكومات المتقاعسة» في مواجهة «داعش»… ربما كانت اعتداءات بروكسل، «انتصاراً» للتنظيم المتطرف، فهو ينجح باستمرار في اختراق أعتى التحصينات الأمنية، ولكن رب ضارة نافعة. فأوروبا بعد ضربات باريس وبروكسل، لن تبقى كما هي، خاصة أن التحقيقات أو ما تسرب منها لوسائل الإعلام – وهو أمر قليل بالتأكيد- تكشف حجم التهديدات التي تتعرض لها أوروبا، كما تكشف حجم استشراء الظاهرة الإرهابية في أرجاء القارة العجوز. وهو ما يدفع القوى الاجتماعية والسياسية إلى الضغط على حكوماتهم من أجل التحرك لضرب الإرهاب في معاقله، وخاصة في سوريا وليبيا.
ومن هنا فإن التحرّك الأوروبي لضرب «داعش» في معاقلها ومحاولة اقتلاعها من جذورها، بات أمراً ضرورياً ليس فقط من أجل منع الدمار المستشري في الشرق الأوسط، بل من أجل أمن البيت الأوروبي بالدرجة الأولى.
الرئيس الفرنسي هولاند، قال إن «التخطيط لهجمات باريس تم في الخارج«مع تواطؤ داخلي»، في إشارة إلى وجود حاضنة للمتشددين في محيطهم الأسري والاجتماعي». وهذا التصريح ينطبق لا محالة على ما حدث في بروكسل. وإذا رغبت أوروبا في أن تنجو من هجمات مماثلة في بقية عواصمها فما عليها إلا أن تتحرك بطريقة عسكرية ودبلوماسية مغايرة لما دأبت عليه في السنوات الماضية. وضمن هذه الاستراتيجية الجديدة، قد تكون أوروبا مجبرة على إعادة النظر في كيفية تعاملها مع ملفات الأزمات السورية والعراقية، والليبية.
في مجال السياسة، ليس هناك عدو دائم، بل مصالح دائمة. ومصالح أوروبا الأمنية والاستراتيجية، قد تدفعها دفعاً إلى التقارب مع روسيا، حتى وإن كان الملف الأوكراني يراوح مكانه. ومثل هذا التقارب، قد يكون حاسماً هذه المرة في تحديد مصير «داعش» المحتوم. الرئيس الفرنسي كان قد دعا عقب اعتداءات باريس، إلى التعامل مع القوات الروسية المرابطة في البحر المتوسط كقوات حليفة، وهي خطوة نتج عنها تنسيق أمني ظهرت نتائجه بعد أشهر من خلال تراجع «داعش» وانحساره، إلى خطوط خلفية بعد أن كان يكتسح الأراضي ويسيطر عليها. وأوروبا ستجد نفسها بعد اعتداءات بروكسل، مجبرة على مد يدها إلى موسكو، من أجل تنسيق أكبر والالتحاق بالحليف الأمريكي الذي بات في الآونة الأخيرة أكثر قرباً وتنسيقاً مع موسكو، في فض ملفات الشرق الأوسط.
هذه المعطيات السياسية ستثمر في الفترة المقبلة، تحركاً نوعياً في مواجهة التنظيم الإرهابي، وسيثمر تعاوناً أكبر بين القوى الكبرى في القضاء على «داعش». والمهم هو أن استمرار هذا التنظيم في السيطرة على مساحات جغرافية واسعة لن يستمر كثيراً. والجبهات ستفتح على مصراعيها، من أجل تحرير كل المناطق التي يسيطر عليها. ولهذا سنرى في الفترة القادمة عمليات عسكرية ضخمة ضد التنظيم على أكثر من جبهة.
ــ في جبهة العراق، سيقع تسريع حملة استعادة مدينة الموصل التي تعد المعقل الرئيسي للتنظيم، واستعادة سيناريو مدينة الرمادي، لن يكون بعيداً، حيث ستتقدم القوات العراقية برياً مع إسنادها جوياً من قوات التحالف الدولي. وفي استعادة الموصل هناك رمزية كبرى، فهو يعني سقوط «عاصمة الخلافة»، وهو يعني أيضاً قطع الإمدادات المالية التي يستحوذ عليها التنظيم، من خلال سيطرته على أكبر حقول النفط في العراق.
ــ على الجبهة السورية، يأتي تحرير تدمر من «داعش» في إطار تقليم أظفار هذا التنظيم قبل القضاء عليه نهائياً. والحقيقة أن التنظيم لم يعد يمتلك بعد تحرير تدمر، سوى مدينة الرقة، وتراجعه إليها سيكون خط دفاعه الأخير، ومقبرته الأخيرة أيضاً في الأراضي السورية.
ــ أما في الجبهة الليبية، فإن الأوروبيين سيكونون أكثر حزماً في كيفية التعامل مع التنظيم الذي يسيطر على مدينة سرت. الخطوة الأولى ستكون بفرض حكومة فايز السراج كأمر واقع، وبعدها ستتولى الحكومة مطالبة المجتمع الدولي بمساعدتها على التصدي لـ «داعش». وهو القرار الذي تنتظره أوروبا لشرعنة تدخلها في ليبيا. وإذا ما سارت الأمور بحسب ما وقع التخطيط له، فإن التنظيم المتطرف سيكون شيئاً من الماضي خلال فترة محدودة.
إن توسع التنظيم خلال السنوات الماضية، وتحديه للإرادة العالمية، لم يكن نتيجة قوة خارقة، بل كان نتيجة تخاذل دولي ومحلي في أكثر من منطقة من العالم، ولكن حجم الأذى الذي سببته هذه الجماعات المتوحشة، قد نجح في خلق رأي عام شعبي، بات أكثر فعالية في الضغط على الحكومات من أجل التحرك بصفة جدية للقضاء عليها.
إن الدموع التي انهمرت في باردو وسوسة التونسيتين، وفي باريس، وفي بروكسل، وفي غيرها من المدن العربية والغربية لهي دموع واحدة، هي دموع الأبرياء، الذين ذهبوا ضحية الإرهاب العالمي. ولكن تلك الدموع والآلام نجحت إلى حد كبير في التمييز بين الحضارة والتخلف، ونجحت في التفريق بين الحياة وأعدائها، وليس «الدواعش» إلا أدوات تنفيذية لأعداء الحياة.
نهاية «داعش» حتمية، لأن هذه الجماعات تتحرك ضد منطق التاريخ وضد كل القيم الإنسانية، لكن العالم ما بعد نهاية «داعش» يجب أن يكون عالماً جديداً، وإلا فالآلام ستتجدد، والأحزان ستنتشر في كل أصقاع الأرض. ووحدهم الأبرياء سيظلون يدفعون ثمن تلك السياسات العالمية الخرقاء، التي تحول دون الاستقرار والتنمية والتقدم والرفاهية للإنسانية جمعاء.
ومن هنا فإن التحرّك الأوروبي لضرب «داعش» في معاقلها ومحاولة اقتلاعها من جذورها، بات أمراً ضرورياً ليس فقط من أجل منع الدمار المستشري في الشرق الأوسط، بل من أجل أمن البيت الأوروبي بالدرجة الأولى.
الرئيس الفرنسي هولاند، قال إن «التخطيط لهجمات باريس تم في الخارج«مع تواطؤ داخلي»، في إشارة إلى وجود حاضنة للمتشددين في محيطهم الأسري والاجتماعي». وهذا التصريح ينطبق لا محالة على ما حدث في بروكسل. وإذا رغبت أوروبا في أن تنجو من هجمات مماثلة في بقية عواصمها فما عليها إلا أن تتحرك بطريقة عسكرية ودبلوماسية مغايرة لما دأبت عليه في السنوات الماضية. وضمن هذه الاستراتيجية الجديدة، قد تكون أوروبا مجبرة على إعادة النظر في كيفية تعاملها مع ملفات الأزمات السورية والعراقية، والليبية.
في مجال السياسة، ليس هناك عدو دائم، بل مصالح دائمة. ومصالح أوروبا الأمنية والاستراتيجية، قد تدفعها دفعاً إلى التقارب مع روسيا، حتى وإن كان الملف الأوكراني يراوح مكانه. ومثل هذا التقارب، قد يكون حاسماً هذه المرة في تحديد مصير «داعش» المحتوم. الرئيس الفرنسي كان قد دعا عقب اعتداءات باريس، إلى التعامل مع القوات الروسية المرابطة في البحر المتوسط كقوات حليفة، وهي خطوة نتج عنها تنسيق أمني ظهرت نتائجه بعد أشهر من خلال تراجع «داعش» وانحساره، إلى خطوط خلفية بعد أن كان يكتسح الأراضي ويسيطر عليها. وأوروبا ستجد نفسها بعد اعتداءات بروكسل، مجبرة على مد يدها إلى موسكو، من أجل تنسيق أكبر والالتحاق بالحليف الأمريكي الذي بات في الآونة الأخيرة أكثر قرباً وتنسيقاً مع موسكو، في فض ملفات الشرق الأوسط.
هذه المعطيات السياسية ستثمر في الفترة المقبلة، تحركاً نوعياً في مواجهة التنظيم الإرهابي، وسيثمر تعاوناً أكبر بين القوى الكبرى في القضاء على «داعش». والمهم هو أن استمرار هذا التنظيم في السيطرة على مساحات جغرافية واسعة لن يستمر كثيراً. والجبهات ستفتح على مصراعيها، من أجل تحرير كل المناطق التي يسيطر عليها. ولهذا سنرى في الفترة القادمة عمليات عسكرية ضخمة ضد التنظيم على أكثر من جبهة.
ــ في جبهة العراق، سيقع تسريع حملة استعادة مدينة الموصل التي تعد المعقل الرئيسي للتنظيم، واستعادة سيناريو مدينة الرمادي، لن يكون بعيداً، حيث ستتقدم القوات العراقية برياً مع إسنادها جوياً من قوات التحالف الدولي. وفي استعادة الموصل هناك رمزية كبرى، فهو يعني سقوط «عاصمة الخلافة»، وهو يعني أيضاً قطع الإمدادات المالية التي يستحوذ عليها التنظيم، من خلال سيطرته على أكبر حقول النفط في العراق.
ــ على الجبهة السورية، يأتي تحرير تدمر من «داعش» في إطار تقليم أظفار هذا التنظيم قبل القضاء عليه نهائياً. والحقيقة أن التنظيم لم يعد يمتلك بعد تحرير تدمر، سوى مدينة الرقة، وتراجعه إليها سيكون خط دفاعه الأخير، ومقبرته الأخيرة أيضاً في الأراضي السورية.
ــ أما في الجبهة الليبية، فإن الأوروبيين سيكونون أكثر حزماً في كيفية التعامل مع التنظيم الذي يسيطر على مدينة سرت. الخطوة الأولى ستكون بفرض حكومة فايز السراج كأمر واقع، وبعدها ستتولى الحكومة مطالبة المجتمع الدولي بمساعدتها على التصدي لـ «داعش». وهو القرار الذي تنتظره أوروبا لشرعنة تدخلها في ليبيا. وإذا ما سارت الأمور بحسب ما وقع التخطيط له، فإن التنظيم المتطرف سيكون شيئاً من الماضي خلال فترة محدودة.
إن توسع التنظيم خلال السنوات الماضية، وتحديه للإرادة العالمية، لم يكن نتيجة قوة خارقة، بل كان نتيجة تخاذل دولي ومحلي في أكثر من منطقة من العالم، ولكن حجم الأذى الذي سببته هذه الجماعات المتوحشة، قد نجح في خلق رأي عام شعبي، بات أكثر فعالية في الضغط على الحكومات من أجل التحرك بصفة جدية للقضاء عليها.
إن الدموع التي انهمرت في باردو وسوسة التونسيتين، وفي باريس، وفي بروكسل، وفي غيرها من المدن العربية والغربية لهي دموع واحدة، هي دموع الأبرياء، الذين ذهبوا ضحية الإرهاب العالمي. ولكن تلك الدموع والآلام نجحت إلى حد كبير في التمييز بين الحضارة والتخلف، ونجحت في التفريق بين الحياة وأعدائها، وليس «الدواعش» إلا أدوات تنفيذية لأعداء الحياة.
نهاية «داعش» حتمية، لأن هذه الجماعات تتحرك ضد منطق التاريخ وضد كل القيم الإنسانية، لكن العالم ما بعد نهاية «داعش» يجب أن يكون عالماً جديداً، وإلا فالآلام ستتجدد، والأحزان ستنتشر في كل أصقاع الأرض. ووحدهم الأبرياء سيظلون يدفعون ثمن تلك السياسات العالمية الخرقاء، التي تحول دون الاستقرار والتنمية والتقدم والرفاهية للإنسانية جمعاء.
كمال بالهادي
صحيفة الخليج