لأول مرة يُعطي رئيس الوزراء حيدر العبادي الانطباع بأنه لاعب بارع على الحلبة السياسية، بخلاف أدائه منذ توليه الحكومة قبل سنة ونصف السنة. لكن مهلاً فهذه البراعة ليس مقدّراً لها، على الأرجح، أن تكون مثمرة، ذلك أن ما قام به السيد العبادي يوم الخميس يبدو أقرب الى الرمية العشوائية للكرة منها الى التسديدة المضبوطه باتجاه الهدف.
وما فعله السيد العبادي يوم الخميس أنه ردّ الكرة عن ملعبه ليوجهها نحو مجلس النواب، معتقداً أنه سيصبح في حلّ من قضية الإصلاح، وأنه سيلقي بالمسؤولية عن هذه القضية على عاتق مجلس النواب وكتله غير المتوافقة.
الطريقة التي تقدّم بها العبادي إلى المجلس بمرشحيه للكابينة الوزارية الجديدة، لا تعكس نزوعاً جدّياً نحو الإصلاح والتغيير، فهو وضع الأمر في أيدي الكتل البرلمانية التي أبلغها بأن الأمر متروك لها بقبول التشكيلة المقترحة أو رفضها أو التعديل فيها، وقد ردّ المجلس في الحال بعدم القبول، طالباً مهلة عشرة أيام للنظر في السير الذاتية للمرشحين، لكن الحقيقة أنه لا يوجد توافق بين الكتل البرلمانية على التشكيلة المقترحة، وأن الأيام العشرة ستُكرّس ليس لمراجعة السير الذاتية والوقوف على مدى موافقة المرشحين للمناصب المقترحة لهم، وإنما في السعي لإعادة النظر في الترشيحات وتحقيق مطالب الكتل في أن يكون لكل منها ممثلوها في الحكومة الجديدة بذريعة تمثيل المكوّنات، وهو ما يخفي رغبة هذه الكتل والعبادي نفسه في الإبقاء على نظام المحاصصة.
لو كان العبادي جاداً في الإصلاح والتغيير وعلى قناعة تامة بتشكيلته الوزارية المقترحة، لأبلغ مجلس النواب بأنه اختار التشكيلة التي يرى أنها الأكثر ملاءمة في الوضع الراهن والأكثر تحقيقاً لمطالب الحركة الاحتجاجية، وأن على مجلس النواب القبول بهذه التشكيلة من دون تعديل أو تغيير وإلا فإنه سيكون مضطراً للتقدّم باستقالته لتكليف شخص آخر برئاسة الحكومة.
ما الذي سيفعله العبادي إذا ما رفضت الكتل البرلمانية، بالإجماع أو بالأغلبية، التشكيلة الجديدة كلاً أو جزءاً؟ .. كيف سيبرر الإبقاء على وزيري الدفاع والداخلية دون غيرهما؟ الأوضاع الأمنية والحرب ضد داعش ليست سبباً كافياً، فالوضع المالي والاقتصادي، على سبيل المثال، لا يقلّ خطورة عن الأوضاع الأمنية، فلماذا لا يجري الإبقاء على وزير المالية، وكذا وزير الكهرباء وغيره؟
عدا عن هذا فإنّ التشكيلة الوزارية الجديدة، حتى لو مرّرها البرلمان بالكامل ومن دون تأخير، كيف سيتسنّى لوزرائها إدارة وزاراتهم في ظل برلمان مشدود ومتحمس لنظام المحاصصة الطائفية والإثنية والحزبية ولا يريد الإصلاح؟.. وكيف لهم أن يديروا وزاراتهم وجيش الفاسدين والمفسدين في كل وزارة مرابط في مواقعه بكامل العدّة والعدد في مناصب الوكلاء ورؤساء المؤسسات والمدراء العامين والمحافظين والسفراء وسواهم؟
ما فعله العبادي يوم الخميس أنه “عضّ دشداشته” وهرب الى الأمام بدلاً من الاعتكاف على وضع حلّ جذري للمعضلة الشاملة التي تواجهها الدولة العراقية في ظل حكم الإسلام السياسي الذي أثبت مرة جديدة أنه فاشل بامتياز.
عدنان حسين
نقلاً عن “المدى”