يبعثر الاقتصاد كثيراً من حبال التفكير، يسرق اهتمام حتى أولئك الذين لا يحبونه ولا يدققون كثيراً في تفاصيله وأرقامه، لأنها غير ممكنة الاستيعاب في ظرف وجيز، ومستعصية – إلى حد ما – عن الفهم الكامل التام. تنتاب الجميع في لحظة عابرة قدرة عجيبة على الاحتفاء بأي سطر من دون التثبت من مصدره، وكذلك نشر الخوف برفقة سطر آخر، أتى بعناية ليسهم في نثر ما أمكن من الشكوك والتكهنات حول مستقبل غامض ومقلق، والحراك الاقتصادي يفعل ذلك كثيراً هذه الأيام. وللحق، فالاقتصاد بوصفه عصب حياة ومنطلق تطور يمكنه أن يضع المجتمعات في منطقة متوسطة غير قادرة على الميل إلى تفاؤل واطمئنان، ولا راغبة في النزوح إلى تشاؤم لم تعتده وترسمه في مخيلتها بشكل قابل للتحمل.
بحار من التحليلات والتوقعات والتكهنات غرق فيها المجتمع السعودي طوال الأشهر الماضية، وهي ذات تماس وتلامس مع واقع الاقتصاد ومستقبله الذي لا تزال حدود قراءته وملامحه على الورق، وهنا تجاذب المحبون وغيرهم رؤوس أقلام هذا الملف وانطلقوا معها في مساحات هائلة من البوح والرسم المبدئي، لِمَ يجب أن يكون؟ وماذا يمكن أن يحدث إن تم تجاهل حساسية السؤال الأول؟
كان ولا يزال النفط لصيقاً بأية جملة أو عبارة تؤطَّر برائحة اقتصادية بحتة، حتى إن الاقتصاد مختصر في هذا الولد البار «نفط»، وإن كان بره لم يعد في سيرته الأولى، لظروف لم يذهب لها اقتصادنا، لكنها تطلّبت من اقتصادنا ضرورة أن يتعاطى ويتفاعل معها بشكل أكثر جدية، وبمنظور مختلف وأكثر إدراكاً لأن المستقبل لم يعد مطمئناً، لمجرد وجود ابن بار وحيد.
الشأن الاقتصادي معقد ومليء بالتوقعات أكثر من أي شيء آخر، أكتب ذلك وأنا القارئ للحراك الاقتصادي بتغليب دائم للتفاؤل، وأننا أقوى من كل الحجارة المرمية في الطريق، ومستعدون للتفاعل مع أي تهديد طارئ ومنعطف نشأ فجأة. لست ضليعاً بتفكيك الأرقام الغارقة في الصعوبة والعابرة بالخيال إلى محطات شد وجذب، ولست كذلك قادراً على المضي اقتصادياً محترفاً على تقديم تحليل دقيق عن هذا الملف البالغ الأهمية، الجاذب للاهتمام ولو لمجرد جملة عابرة ملتصقة به.
وبعيداً عما سبق نثره، جاء حديث ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى وكالة بلومبيرغ الاقتصادية عن كثير من التوجهات السعودية في الشأن الاقتصادي مثيراً بالفعل، ولعل من أكثر ما كان مثيراً وساحباً للانتباه والمناقشة والسخونة في الطرح التصريح بتأسيس صندوق سيادي بقيمة تريليوني دولار لمرحلة ما بعد النفط، ففي ذاك إشارة إلى أن الابن البار لم يعد بالفعل كافياً لحياة بلا إرباك، ومن هنا سيصبح المستقبل محاطاً بتحديات أخرى، لأننا نمضي في مشاريع عمل جديدة وتوجهات لم تكن يوماً ما على طاولة العمل. نحن نؤسس لمستقبل مغاير يتكئ على مصادر دخل ليس من ضمنها المصدر الشهير «النفط»، المستقبل الاقتصادي السعودي يذهب إلى أنه «مستقبل محمل بحزم من التفاؤل وكتلة من التحديات الطازجة التي لن تقبل التأجيل أو التبديل».
علي القاسمي