التحديث وتوسيع دور القطاع الخاص ضرورتان لإنقاذ الاقتصاد العراقي

التحديث وتوسيع دور القطاع الخاص ضرورتان لإنقاذ الاقتصاد العراقي

041f5c45-1c52-472a-a348-07a9d96ca170_16x9_600x338

يواجه العراق معارك سياسية وأوضاعاً أمنية معقدة، فهل يمكن لنا أن نتوقع تحسناً في أوضاعه الاقتصادية؟ فإضافة إلى المصاعب السياسية والأمنية والحرب ضد الإرهاب فإن تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 أدى إلى اختلالات مهمة وعجز قياسي في الموازنة العامة.

ظلّ العراق يفتقر إلى البيانات والإحصاءات الاقتصادية الموثوقة منذ العام 1980 بعد اندلاع الحرب مع إيران. لكن هناك بيانات يمكن الاعتماد عليها وفّرتها منظمات ومؤسسات متخصصة. ويقدّر عدد سكان العراق بـ 35.8 مليون، أما الناتج المحلي الإجمالي فقد قدر بـ 522.7 بليون دولار، أي أن نصيب الفرد من الناتج يساوي 14.400 دولار. ولا يزال العراق بعيداً من التأهل الاقتصادي المناسب، خصوصاً بعد تعرضه لنتائج الحرب العراقية – الإيرانية، والتي امتدت ثماني سنوات، أو حرب تحرير الكويت في مطلع التسعينات من القرن الماضي، ثم الحصار الطويل قبل إسقاط نظام صدام حسين عام 2003. كذلك فإن الفترة التي مضت منذ إسقاط النظام السابق، لم تشهد إنجازات حيوية في مختلف المجالات التي يمكن أن تفعّل النشاط الاقتصادي مثل مشاريع البنية التحتية أو المرافق. وربما حدثت تطورات مهمة في القطاع النفطي وارتفع إنتاج النفط الخام إلى ما يقارب 4.8 مليون برميل يومياً في الآونة الأخيرة. وتقدر الصادرات بنسبة 78 في المئة من الإنتاج الذي تحاول الحكومة زيادته إلى مستويات أعلى، ربما 6 ملايين برميل يومياً، وهي لذلك عقدت الكثير من الاتفاقات مع شركات أجنبية.

بعد سقوط النظام القديم طرحت الحكومة العراقية أفكاراً لتحرير الاقتصاد من هيمنة الدولة والتي تكرست منذ إسقاط النظام الملكي في عام 1958. وهناك إمكانات لتحرير الملكية والانفتاح على الاستثمار الأجنبي، وقبل ذلك تشجيع رجال الأعمال العراقيين على توظيف أموالهم في أعمال متنوعة في القطاعات الاقتصادية الواعدة. ويذكر أن قطاعات مهمة تحوّلت إلى ملكية الدولة خلال العهود السياسية الماضية ومنها قطاع الصناعات التحويلية والسياحة، وتم انتهاج أنظمة الإصلاح الزراعي بما عطل الملكية الخاصة في القطاع الزراعي. ولم يكن العراق جاذباً للاستثمار الأجنبي على مدى عقود طويلة ، بل إن الكثير من أصحاب رؤوس الأموال العراقيين تجنبوا توظيف أموالهم فيه. ولذلك فإن محاولات تنشيط الاستثمار الخاص داخل البلاد استدعت تعديلات على القوانين ذات الصلة، منذ العام 2003. لكن التعديل الذي أدى إلى قيام عدد من الشركات والبنوك بفتح فروع ومنشآت لأعمالهم داخل العراق، منها شركات الاتصالات، تعطّل بفعل غياب الأمن والاستقرار. وغنيّ عن البيان أن التطورات المؤسفة التي أدت إلى استيلاء « داعش» على مدينة الموصل في صيف 2014، فاقم الأمور وأضعف قدرات الدولة على تنفيذ المشاريع الإستراتيجية وعطّل تدفق رؤوس الأموال إلى البلد.

في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة وتراجع إيرادات النفط، كيف يمكن أن يكون أداء الاقتصاد العراقي في المدى القصير؟ يذكر وزير المال العراقي هوشار زيباري أن هذا العام سيكون صعباً، ويتوقع أن تواجه الحكومة مشكلات مهمة في تسوية التزاماتها الجارية، بما في ذلك دفع الرواتب والأجور للعاملين في دوائر الدولة. ولا شك في أن هذه الأوضاع الصعبة التي يتوقعها وزير المال هي نتاج الاعتماد الكبير على إيرادات النفط، التي تمثل ما يزيد على 80 في المئة من إيرادات البلد.

كيف يمكن العراق أن يتجاوز محنة الاعتماد على النفط ؟

إن اعتماد العراق على الاقتصاد الموجّه عزّز دور الدولة المهيمن وجعل آليات الإنفاق العام المحرّك الأساس لأي نشاط اقتصادي. وعلى رغم تحسن دور القطاع الخاص منذ العام 2003، يظل دوره متواضعاً. وليس هناك من تصور واقعي لتعزيزه في الاقتصاد العراقي من دون معالجة البنية السياسية وتوفير الأمن والاستقرار. وما يزيد مصاعب التغيير هو تخلف البنية المؤسسية الحاكمة. وتشير دراسات إلى أن 11 في المئة فقط من العراقيين يملكون حسابات مصرفية محلية. كما أن 4 في المئة فقط حصلوا على تسهيلات ائتمانية. ولا تزال البنوك العراقية بعيدة من التحديث الإلكتروني بما يتناسب مع التطورات التقنية في عالم الاقتصاد والمال. وإضافة إلى عدم تحديث النظام المصرفي فإن قطاعات خدماتية أخرى ما زالت تعاني مشكلات عدم التحديث، من أهمها النقل.

يقدر معدل النمو السكاني في العراق بـ 2.4 في المئة سنوياً، وهذا معدل مرتفع. وتبلغ نسبة العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة 38 في المئة من السكان، في حين يمثل أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة ما يقارب 59 في المئة. أما كبار السن ( 65 فأكثر) فإن نسبتهم تبلغ 3 في المئة. لكن هناك مشكلات تواجه توفير العمل لأفراد قوة العمل حيث بلغت نسبة العاطلين من العمل 17 في المئة من قوة العمل. هذا الحجم السكاني يتطلب توظيف أموال ضخمة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية وتوفير المساكن. وقد أدت الأوضاع الأمنية إلى مغادرة الكثير من العائلات العراقية مواطنها التقليدية في المدن والقراى وانتقالها إلى مواقع أخرى داخل البلد، ما زاد من أعباء الرعاية على الحكومة العراقية. ويظل المجتمع العراقي مجتمعاً من الشباب وصغار السن، ما يعني أهمية خلق فرص عمل في مختلف القطاعات الاقتصادية. ونظراً إلى حجم الإنفاق على الأمن والجيش، فإن الحكومة ستكون عاجزة عن الإنفاق في مجال تطوير الأعمال، ما يعني أهمية عمل الحكومة في تحقيق الاستقرار السياسي والأمن لتنشيط دور القطاع الخاص في بناء مؤسسات اقتصادية حديثة توفر فرص التوظيف للمتدفقين إلى سوق العمل. في الوقت ذاته، لابد من مراجعة البنية التعليمية ومدى ملاءمتها متطلبات اقتصادات السوق. ويظل الاقتصاد العراقي من الاقتصادات الأساسية في هذه المنطقة من العالم ولكن يتطلب تدابير لنقله إلى مستوى معقول من الحداثة والكفاءة.

عامر ذياب التميمي
نقلا عن الحياة