الرهان المجتمعي: متى ينجح “اللوبي الخليجي” في الولايات المتحدة؟

الرهان المجتمعي: متى ينجح “اللوبي الخليجي” في الولايات المتحدة؟

4506

ما هو مدى قوة اللوبي الخليجي العربي في الولايات المتحدة؟ هذا هو السؤال الذي تجيب عليه “دانية قليلات خطيب” في دراستها المعنونة “اللوبي الخليجي في الولايات المتحدة: متى يفوز ومتى يخسر ولماذا؟”، ولعل هذه الدراسة تعد واحدة من أهم الدراسات المقدمة في هذا الصدد نظرًا لكون دانية خطيب قد عملت مستشارة لهذا اللوبي لعدة سنوات، بالإضافة إلى خلفيتها الأكاديمية كأستاذة في جامعة إيكستر بالولايات المتحدة الأمريكية وباحثة لعدة سنوات في الإمارات العربية المتحدة.

وقد تم نشر هذه الدراسة في دورية ” Contemporary Arab Affairs ” باللغة الإنجليزية، كما نشرت أيضا بشكل مفصل في كتاب باللغة العربية صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.

مفهوم اللوبي:

بحسب الدراسة، يحدد قاموس أكسفورد مفهوم “اللوبي” بأنه “مجموعة من الأفراد الذين يحاولون التأثير على التشريعات”، كما يعرف والت وميرشايمر اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية بأنه “ائتلاف من الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط لتشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في الاتجاه الإسرائيلي المؤيد”، واستقراءً لهذا التعريف فإن اللوبي هو ائتلاف يسعى للتأثير على مناطق معينة في صنع القرار في الاتجاه المفضل للائتلاف.

ويُعد اللوبي حقًّا دستوريًّا، فمن حق المواطنين مخاطبة الحكومة للنظر في المظالم دون خوف من التداعيات. وبناءً عليه انقسمت جماعات المصالح إلى فئات مختلفة مثل: الجمعية الأمريكية للمتقاعدين التي تضم جماعة من المواطنين الأمريكيين من كبار السن تسعى لحماية مصالحهم مع الحكومة، ولوبي الأعمال التجارية، ويضم مجموعةً من أصحاب الشركات الذين يُعبّرون عن مصالحهم لدى الحكومة.

كما أن هناك جماعات نظمت نفسها على أسس دينية – إثنية، مثل ما قام به الهنود من أصل أمريكي من إنشاء “لجنة العمل السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والهند USINPAC”. وقد مارس هذا اللوبي دورًا أساسيًّا في معاهدة التعاون النووي الأمريكي الهندي في عام 2005. وقد يعمل اللوبي الإثني ضد حكومته أو دولته، فاللوبي الكوبي يُمارس دورًا في دعم الحصار المفروض على كوبا منذ سنوات عديدة.

العرب في الولايات المتحدة:

تشير الدراسة إلى أن الهجرةُ العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية شهدت موجات عديدة؛ فالموجة الأولى تكونت من المهاجرين الذين جاءوا من منطقة بلاد الشام وكان معظمهم من المسيحيين، وبسبب الديانة المشتركة تم استيعابهم تمامًا في المجتمع الأمريكي، بيد أن اندماجهم داخل المجتمع الأمريكي لم يعنِ نسيانهم للقضية العربية، فظهر نشاطهم واضحًا في معارضتهم لوعد بلفور 1917، والمعارضة التي مارسوها بعد حرب 1967، وهو ما أثار تساؤلات حول انتمائهم الحقيقي.

وجاء عام 1978 ليشهد نقطة تحول أخرى بين عرب الولايات المتحدة والمجتمع الأمريكي؛ فقد قام بعض العملاء السريين التابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية بالتنكر في صورة شيوخ من الخليج العربي من أجل القبض على بعض أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي المتورطين في قضايا فساد، وقد تم تصوير هؤلاء العملاء وهم متنكرين ويقدمون الرشوة.

وعُرفت القضية إعلاميًّا باسم قضية “أبسكام Abscam”، ورأى البعض أن هذه القضية قد حملت إساءة كبيرة للعرب، إذ أصرت على وضعهم في صورة نمطية معينة كفاسدين أو متلهفين لجمع الأموال فقط بغض النظر عن مدى مخالفتها للقانون، ومن ثمّ قام السيناتور “جيمس أبو رزق” والسيناتور “جيمس زغبي” الأمريكيَّان من أصول لبنانية بتأسيس اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز American- Arab Anti Discrimation Committee لما رأوه في تلك القضية من إصرار على تنميط العرب.

ومثّلت حرب الخليج نقطة تحول أخرى للعرب داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أثارت انقسامات بين العرب، فيما جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كنقطة تحول أخرى؛ حيث ولّدت هذه الأحداث موجةً من التمييز العنصري ضد الأمريكان العرب والأمريكان المسلمين، مما أدى إلى ظهور نوعٍ جديدٍ من النشطاء العرب الأمريكيين الذين ركزوا على تمكين المجتمع العربي الأمريكي خلافًا للاهتمام السابق الذي كان يدور حول القضية الفلسطينية.

خصائص اللوبي الخليجي:

أجرت الباحثة دانية خطيب عدة مقابلات استمرت في الفترة من 2012 إلى 2013 مع الناشطين في جماعات الضغط العربية، وعدد من الأكاديميين الأمريكيين والعرب، والصحفيين الأمريكيين والعرب من أجل تحديد خصائص اللوبي الخليجي بشكل واضح، لا سيما أن الأدبيات حول هذه النقطة تُعد ضعيفة نسبيًّا، كما اعتمدت على خبرتها العملية في هذا الصدد، ورأت أن أغلب الانطباعات حول اللوبي الخليجي في الولايات المتحدة تدور حول ضعف تأثيره، وأن اللوبي الذي يُمارس ضغطًا حقيقيًّا يجب أن يكون عنصرًا أساسيًّا متغلغلا في المجتمع الأمريكي بالأساس مثل اللوبي اليهودي واللوبي اليوناني.

كما أشارت المقابلات إلى أن اللوبي العربي -بصفة عامة- يمارس ضغوطًا حقيقية في بعض الأحيان، إلا أنه يفتقر إلى وجود إستراتيجية ثابتة موحدة، وقد تُمارَس الضغوط بشكل موحد، إلا أنه وقت التفاوض تسعى كل دولة إلى التفاوض منفردة، مما يؤدي إلى خسارتهم نقطة قوة موجودة لدى أي لوبي، وهي “جماعية التفاوض”، وعلاوة على ذلك فإن الضغط يكون تكتيكيًّا في قضايا ضيقة كالحصول على أسلحة.

بالإضافة إلى أن اللوبي الخليجي لا يمتلك ما أطلقت عليه الباحثة “خلق قصص موجهة”، ويُقصد بها الرسائل التي يقوم الساسة في اللوبي بنقلها إلى المواطن الأمريكي العادي ورجال السياسة عن دولهم، سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، مع التمسك بها وتناقلها. فعلى سبيل المثال، نجحت إسرائيل في بناء قصة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي ملجأ اليهود المضطهدين، ومحاطة بجيران معادين، وذلك على الرغم من أن دول الخليج تعتمد على أشخاص بارزين، ولهم قدر كبير من التأثير.

بالإضافة إلى أن الرسائل الموجهة للمجتمع الأمريكي قد لا تراعي فكرة الخلط لدى بعض المواطنين الأمريكيين بين العرب والمسلمين، والاعتقاد بأن كل العرب مسلمون قد يحملون بعض الأفكار المتطرفة تجاه المجتمع الأمريكي، كما لا يوجد تواصل بين اللوبي والجماعات الأمريكية العربية، على العكس من إسرائيل التي تعتمد على المنظمات الأمريكية الأصلية ذات الأصول اليهودية، وتحاول إسرائيل باستمرار إشراك المجتمع اليهودي من خلال إجراء العديد من الأنشطة.

بيد أنه يُحسب للوبي الخليجي قدرته على الخروج من القوالب النمطية، والتواصل مع أعضاء من المجتمع اليهودي ومحامين يهود بمن فيهم المتطرفون والتفاوض معهم في مقابل الدفاع عن قضايا الخليج، أو على الأقل الوقوف موقف الحياد منها، فقد تمت الاستعانة -على سبيل المثال- ببوب دول السياسي الأمريكي، وأكد المبحوثون حاجة دول الخليج إلى التركيز على تحسين الصورة عن دول الخليج.

متى ينجج اللوبي الخليجي؟

تُشير الباحثة إلى أن نجاح اللوبي الخليجي في مقابل اللوبي الإسرائيلي ليس مستحيلا وتضرب مثالا بقضية بيع طائرات الأواكس، حيث استطاع السعوديون الفوز بها على الرغم من المعارضة القوية من اللوبي المؤيد لإسرائيل. ويرجع سبب هذا النجاح إلى أن السعوديين لديهم إستراتيجية تضمنت حشد الدعم المحلي للصفقة، سواء من النقابات، ومجتمع رجال الأعمال، والمنظمات العربية الأمريكية. ونجح هذا الضغط في تفتيت معارضة اللوبي المؤيد لإسرائيل.

واستطاع السعوديون إقناع ريجان من خلال توظيف التهديدات العالمية والإقليمية المحيطة، ومنها الخطر السوفيتي، كما استغلوا الغزو الإسرائيلي للبنان في دعم موقفها، وثمة عامل آخر يتمثل في تطوير السعودية علاقاتها مع رجال الأعمال الأمريكيين للقيام بأعمال تجارية مع المملكة.

وعندما أعلن الرئيس ريجان بيع الأواكس، فإن اللوبي المؤيد لإسرائيل، ادّعى أن الصفقة من شأنها أن تقوّض الأمن القومي الأمريكي، وكانت المعارضة قوية جدًّا في مجلس النواب الأمريكي، وكان الاتفاق يُشكل تهديدًا لإسرائيل، كما كان ينظر إليه على أنه “تقارب” مع المملكة العربية السعودية والتي قد تقوض موقف إسرائيل كحليف إستراتيجي لأمريكا في المنطقة، لذلك قدمت إسرائيل العديد من الحجج لمعارضة البيع.

كان أول هذه الحجج أن بيع طائرات أواكس المتقدمة يعني أن الإسرائيليين لم يعد من الممكن أن تكون لهم “حرية الحركة”، وبالإضافة إلى ذلك، شككت في صدق تحالف المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة، بما أن المملكة انتقدت الهجوم الأمريكي على ليبيا آنذاك.

بيد أنه رغم كل هذه المبررات وقوة ترويجها فإن اللوبي الإسرائيلي لم ينجح في منع الصفقة، ويرجع الفشل إلى عامل هام، وهو أن اللوبي الإسرائيلي ركز على المواجهة والصدام مع الرئيس ريجان ذي الشعبية، واتهمه بعض أعضاء اللوبي بشن حرب معادية للسامية، كما ظهر رئيس الوزارء “مناحم بيجن” غير مرة على شاشات التلفاز ليهاجم ريجان، ويدعوه للرد عليه في خطاب رسمي، وهو ما تم توظيفه من جانب السعوديين بنجاح حيث قاموا بشن حملة إعلامية قوية تحت عنوان “ريجان الأمريكي في مقابل بيجن المتدخل الأجنبي”.

وحصل اللوبي السعودي على دعم أعضاء الكونجرس ذوي الأصول العربية، مثل “جيمس أبو رزق” والذي مارس دورًا كبيرًا في الدفاع عن الصفقة داخل الكونجرس، وقاموا بالتحرك الجماعي مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وليبيا، والعراق، والجزائر.

مستقبل اللوبي الخليجي:

ظهرت عدة عوامل جديدة تجعل من وجود اللوبي الخليجي في الولايات المتحدة ضرورة، مثل: اكتشاف الغاز الصخري، والمعاهدة النووية مع إيران، وعلى دول الخليج العربي إذا كانت تريد التأثير على الولايات المتحدة، أن تهتم بالنظر إلى المجتمع الأمريكي أولا بدلا من النظر إلى القيادات العليا، وهذا ما يتماشى مع ما قاله تيب أونيل، المتحدث الرسمي السابق باسم البيت الأبيض: “السياسة بالأساس محلية يتم تحديدها من خلال عوامل مجتمعية”.

فمن دون الوصول إلى الرأي العام الأمريكي سيكون من الصعوبة بمكان فعل أي شيء، لا سيما وأن الرأي العام الأمريكي يرى أن المنظمات العربية الأمريكية جماعات تقاتل بعضها بعضًا، والعرب الأمريكيون أنفسهم يعانون من مشكلة ثقة في اللوبي العربي بصفة عامة، ولا يدعمون اللوبي إلا في حالة قضية على المحك، ويزيد عدم دعمهم للوبي الخليجي في الفترة الحالية بسبب الاختلاف حول الأحداث في المنطقة العربية.

ويبدو أن دول الخليج في الفترة الحالية تدرك تمام الإدراك أهمية بناء لوبي قوي في الولايات المتحدة، لكن لن يعمل هذا اللوبي إلا إذا انخرط بكل قوة في المجتمع العربي في الولايات المتحدة، واشترك في منظمات أمريكية قد لا تتصل بشكل مباشر بقضايا السياسة الأمريكية إلا أنها سيكون لها دور في المدى الطويل في دعم السياسة الخليجية.

عرض: أمل أحمد رمضان، باحثة في العلوم السياسية
للاطلاع على الدراسة باللغة الانجليزية:
Dania Koleilat Khatib ،Arab Gulf lobbying in the United States: what makes them win and what makes them lose and why?، Contemporary Arab Affairs، Vol.9، No.1، January 2016، PP 68-81.

وللمزيد من التفاصيل باللغة العربية أنظر كتاب:
دانية قليلات الخطيب، اللوبي الخليجي – العربي في الولايات المتحدة.. بين الطموح والواقع، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، ديسمبر 2015.

دانية قليلات خطيب

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية