بعد مرور أكثر من أربعين يوما على سريان اتفاقوقف إطلاق النار في سوريا يبدو أنه بات مهددا بالانهيار، وأن توزيع مناطق البلاد بين القوى المتصارعة أصبح أكثر تعقيدا، مما يجعل نجاح المفاوضات المقبلة بجنيف أصعب مما مضى.
وبحسب ناشطين، فإن نسبة التزام قوات النظام بالهدنة في بدايتها لم تزد على 50% تقريبا، وهي في تناقص مستمر، كما لم يتوقف النظام عن ارتكاب المجازر الجماعية رغم تراجع وتيرتها؛ ففي أواخر الشهر الماضي قُتل 33 شخصا -بينهم 12 طفلا- في غارات على بلدة دير العصافير قرب دمشق.
وبالرغم من التراجع الكبير في عدد الغارات الروسية بعد الانسحاب الروسي الجزئي، يؤكد ناشطون أن إعلان موسكو عدم نيتها ضرب فصائل المعارضة لم يكن واقعيا
، فقد شهدت الليلة الماضية غارات روسية مكثفة على عدة مناطق في ريفي حلب وإدلب، كما يتهمها ناشطون باستخدام القنابل الفوسفورية المحرمة دوليا في بلدة العيس (جنوبي حلب).
محاولات النظام
وفي منطقة المرج بريف دمشق، لم يلتزم النظام بالهدنة، فما زال يحاول التقدم لفصل جنوب الغوطة عن شمالها ومحاصرة المعارضة، دون أن يحقق مكاسب تذكر.
كما لم تتوقف المعارك وأعمال القصف في المناطق الواصلة بين ريف إدلب وشمال حماة وشمال اللاذقية، حيث يحاول النظام باستمرار السيطرة على المناطق الجبلية، ويقول ناشطون إن مقرات جبهة النصرة لم تتعرض للقصف رغم ادعاء النظام أن النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية هما الطرفان الوحيدان المستثنيان من الهدنة.
وفي الشمال السوري أيضا، شهدت مدينة حلب بعض المناوشات والقصف، لكن النظام يحاول جاهدا قطع طريق الكاستيلو لكونه الشريان الوحيد الواصل بين مناطق المعارضة في المدينة وريفها، ويساعده في ذلك مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري.
وشهدت بلدة العيس تبادل السيطرة، وهي تشرف على طرق مهمة لكونها منطقة مرتفعة، واستعادتها المعارضة مؤخرا.
ويقول مراسل الجزيرة أحمد عساف إن النظام يحاول -في ما يبدو- فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة عبر تقدمه بمنطقة العيس، ومن ثم قطع الطريق الواصل بين إدلب وحلب.
ويضيف أن شمال حلب المحاذي لحدود تركيا شهد خروقا بسيطة للهدنة في البداية، إلا أنه بات ساحةللصراع بين قوات المعارضة وتنظيم الدولة، حيث انتزعت المعارضة عشرين قرية من التنظيم، كانت آخرها بلدة الراعي، لافتا إلى أن غارات التحالف الدولي وروسيا والنظام بشمال وشرق حلب لا تستهدف سوى المدنيين، وفقا لما يقوله النازحون.
تنظيم الدولة
ومع خسارة تنظيم الدولة بعض نفوذه بحلب، يحاول إثبات وجوده في الحسكة (شرق) بمناوشات متقطعة مع القوات الكردية، فضلا عن سيطرته القوية على مناطق واسعة في دير الزور المجاورة رغم القصف المتواصل والمعارك.
لكن هذا النفوذ انقلب إلى خسارة في البادية (شرق)، حيث انتزع النظام بدعم روسي مدينة تدمر، مما دفع التنظيم للانسحاب إلى بلدة الضمير ومناطق القلمون بين حمص ودمشق، بينما تتقدم المعارضة على الطريق الدولي دمشق-بغداد.
وفي محافظة درعا الجنوبية، يبدو أن الهدنة انقلبت إلى صراع آخر، فمنذ 18 يوما يتواصل القتال بين فصائل الجيش الحر و”جيش الفتح” من جهة وبين تحالف يضم لواء شهداء اليرموك وحركة المثنى الإسلامية المتهمين بالولاء لتنظيم الدولة، مما أدى إلى نزوح آلاف المدنيين من ريف درعا الغربي.
ومع أن تحالف اليرموك والمثنى أعدم مؤخرا أكثر من عشرة عناصر للجيش الحر، وعلّق جثث بعضهم على أعمدة الكهرباء في المناطق التي تقدم بها -وفقا لناشطين- فقد سيطر الجيش الحر اليوم على بلدة “تسيل”، التي يقول ناشطون إنها آخر بلدة كان تحالف اليرموك والمثنى سيطر عليها هناك منذ بدأت المعارك.
وتنقل شبكة شام عن ناشطين أن الجيش الحر سينقل المعارك إلى الأرض التي تتحصن فيها الفصائل المتهمة بالولاء لتنظيم الدولة بدرعا، مما قد يعيد رسم خارطة المحافظة لصالح الجيش الحر.
ومع قرب موعد الجولة المقبلة لمفاوضات جنيف التي قد تنعقد الأربعاء المقبل، يرى النظام أنه بات أكثر قدرة على طرح نفسه بصفته خط الدفاع الأقوى ضد “الإرهاب”، لا سيما بعد استثماره الإعلامي العالمي لحادثة استعادة مدينة تدمر الأثرية من تنظيم الدولة، كما لا تزال مخاوف التقسيم حاضرة بقوة بعد إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إقامة نظام فدرالي بمناطق نفوذه في الشمال.
أحمد دعدوش
الجزيرة نت