أدى التفاهم السعودي-الروسي في لقاء الدوحة في شباط (فبراير) الماضي حول تجميد الإنتاج عند مستوى كانون الثاني (يناير) الماضي، بمشاركة فنزويلا (المبادرة لإيجاد حل وسط للتفاهم ما بين المنتجين داخل «أوبك» وخارجها) وقطر (الرئيس الدوري الحالي لمنظمة «أوبك»)، إلى وقف تدهور الأسعار إلى القاع، واستقرارها عند 40 دولاراً للبرميل، مع تفاؤل الأسواق بازديادها تدريجاً عند نهاية السنة إلى نحو 50 دولاراً. شاع هذا التفاؤل، على رغم اعتماد ايران سياسة الاستمرار لزيادة الإنتاج الى مستوى 4 ملايين برميل يومياً، وهو المعدل الذي وصلته لفترة قصيرة قبل الحصار الدولي.
أنتج كل من السعودية وروسيا نحو 10 ملايين برميل يومياً خلال كانون الثاني الماضي. كما تنتج الولايات المتحدة ما بين 9 و10 ملايين برميل يومياً. إلا أن معدلها بدأ ينخفض أخيراً بسبب انعكاس انخفاض الأسعار على إنتاج النفط الصخري العالي الكلفة. وبالتالي، يتأثر معدل إنتاج الولايات المتحدة أكثر من غيره، بالأسعار العالمية نظراً الى الكلفة العالية لإنتاج النفوط غير التقليدية. وبالنسبة لإيران، تشير المعلومات الى ارتفاع إنتاجها الى نحو 3.3 مليون برميل يومياً نهاية آذار (مارس) الماضي. لكن من غير الواضح إذا كان هذا المعدل يمثل ما تنتجه ايران فعلاً، أم أن جزءاً منه هو من ضمن المخزون في أسطول ناقلاتها والبالغ نحو 20 مليون برميل.
اعتبر تفاهم الدوحة في شباط عاملاً مشجعاً لاستقرار الأسعار، وبالفعل توقف انهيارها، على رغم تردد المتعاملين في الأسواق حول أهمية هذا التفاهم، نظراً الى ارتفاع المخزون التجاري النفطي العالمي الى مستويات قياسية، والزيادة المستمرة في الإنتاج الايراني المتوقعة بعد رفع العقوبات، ناهيك بزيادة الإنتاج النفطي العراقي الى أكثر من 4.2 مليون برميل يومياً. لكن على رغم التحفظات في الأسواق، استقرت الأسعار عند نحو 40 دولاراً للبرميل في انتظار نتائج مؤتمر الدوحة في 17 الجاري.
تكمن المشكلة الحالية لأسعار النفط في الزيادة المستمرة للإمدادات، بخاصة للنفوط غير التقليدية، التي نتج عنها التخزين العالي في المنشآت البرية والناقلات. والسبب هو الزيادة السريعة لإنتاج النفط الصخري الأميركي الى نحو 4.2 مليون برميل يومياً ونفوط البحار والمحيطات العميقة، وهي نفوط غير تقليدية ازدهرت صناعتها بفضل الأسعار العالية، فوق 100 دولار للبرميل. لكن أدى تدهور الأسعار منذ منتصف عام 2014 الى انخفاض مستوى الإنتاج النفطي غير التقليدي، والأهم من ذلك شح الاستثمارات لتطوير حقولها، ما سيؤثر سلباً في معدلات إنتاجها في السنوات المقبلة.
أدى إصرار «أوبك» في منتصف 2014 على تحمل جميع المنتجين خفض الإنتاج، الى تدهور الأسعار. كما أدت هذه السياسة التي رفضتها الدول المنتجة من خارج «أوبك»، الى وضع سقف لإنتاج النفوط غير التقليدية العالية الكلفة التي تتراوح ما بين 40 و75 دولاراً. وأدت هذه السياسة التي كلفت الدول المنتجة فقدان ريع مالي ببلايين الدولارات، الى إرهاق موازناتها، لكن في الوقت ذاته، الى تحذير المستثمرين في حقول النفوط غير التقليدية من الاعتماد على استمرار الأسعار العالية جداً مستقبلاً.
كان يتوقع أن يوافق معظم الدول المشاركة في اجتماع الدوحة المقبل، على تجميد الإنتاج، باستثناء ايران وتحفظ العراق. لكن طرأ تغير مهم في السياسة السعودية أخيراً. فقد نشرت وكالة «بلومبرغ» للأخبار في 4 الجاري فحوى مقابلة طويلة أجريت في الرياض مع ولي ولي العهد السعودي، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز. وصرّح محمد بن سلمان في خلال المقابلة التي دامت خمس ساعات والتي دار معظم الحديث فيها حول الإصلاحات الضرورية لفك اعتماد السعودية عن النفط مستقبلاً، بما يأتي حول اجتماع الدوحة المقبل: « في حال قررت كل الدول تجميد الإنتاج، فنحن مستعدون للقيام بالمثل. أما إذا قررت إحدى الدول الاستمرار في زيادة الإنتاج، ففي هذه الحال، لن نرفض الفرصة لتزويدهم بالطلب على نفطنا في حال قيامهم بذلك».
أدى هذا التصريح الى تخوف الأسواق من عدم تمكن المنتجين من التوصل الى اتفاق في 17 الجاري في الدوحة. وانخفضت الأسعار لأيام الى نحو 38 دولاراً. لكن يتضح أن المنتجين في «أوبك» وخارجها، سارعوا الى إجراء المشاورات لإيجاد حل وسط لإنجاح المؤتمر.
تسربت معلومات عن المحادثات، فتوقعت محافظ الكويت في «أوبك» نوال الفزيع التوصل الى اتفاق «مبدئي» لتثبيت الإنتاج النفطي بين المنتجين من داخل المنظمة وخارجها في اجتماع الدوحة. وقالت في محاضرة ألقتها في وزارة النفط الكويتية ان «هناك مؤشرات ايجابية الى الاتفاق في هذا الاجتماع (…) المؤشرات كلها تؤدي الى أنه سيتفق مبدئياً على تثبيت الإنتاج».
فما هو التأثير الفعلي لزيادة الإنتاج الايراني في الفترة القريبة المقبلة؟
يعتقد المراقبون ان طاقة ايران الإنتاجية ستبقى محدودة في الأمد القصير، بعد فترة الحصار الدولية وقبيل الاتفاق مع الشركات النفطية العالمية لتطوير حقولها. كما يرى بعضهم ان غالبية الزيادة الايرانية القريبة ستأتي من المخزون النفطي في الناقلات. وهذه كمية محدودة حجمها نحو 20 مليون برميل. من ثم، لا يتوقع أن تتأثر الأسواق كثيراً بالزيادة الايرانية.
والمهم أيضاً، ما أفادت به مصادر روسية وكالة «رويترز» بأن موسكو تريد توطيد التعاون مع «أوبك» لمساعدة السوق على استعادة توازنها بسرعة أكبر. وتسربت معلومات بالفعل حول مناقشات مع موسكو لايجاد حل وسط، يتضمن فترة تثبيت الإنتاج، وسبل مراقبة الأسواق. وأشارت هذه المصادر ان موسكو ترى ان «معدل 45-50 دولاراً» سعر معقول لتحقيق التوازن في الأسواق. وهذه مؤشرات إلى سياسة نفطية جديدة لموسكو.
يشكل معدل 45-50 دولاراً سعراً معقولاً لمعظم المنتجين، اذ تم اعتماده لموازنة 2016. كما انه يساهم في تعافي صناعة النفوط غير التفليدية، لكن في شكل محدود، اذ يستمر إغلاق الحقول الباهظة الكلفة في هذه الحال.