أثارت أخبار بناء جسر فوق مياه البحر الأحمر يربط البر السعودي بالبر المصري، والقارتين آسيا بأفريقيا، اهتمام الكثيرين لأنها خطوة تاريخية، لها معانيها السياسية والاقتصادية. وفي سياق العلاقات الإقليمية نفسه أعلن أحد المسؤولين الإيرانيين، وزير الطاقة، عن مشروع يربط بحر قزوين بالخليج العربي بقناة مائية.
الفارق بين المشروعين أن الأول واقعي والثاني خيالي. ربط السعودية بمصر جغرافيا ممكن إنشائيا، خاصة بعد إنجاز ترتيبات جزيرتي تيران والصنافير اللتين أعيدتا إلى السعودية، أما حفر قناة مسافتها أكثر من ألف كيلومتر فدونها صعاب جمة.
طبعا لا يوجد هناك ما يمنع أن يتعاون كل سكان بحر قزوين على بناء قناة تفك العزلة عن أكبر بحيرة في العالم، التي تطل عليها روسيا وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، وكذلك إيران.
إيران وحدها من يتحدث عن مشروع حفر القناة الذي تقول إنه سيكلف سبعة مليارات دولار، أي ضعف تكاليف بناء الجسر السعودي المصري. وهناك تقديرات تعتقد أن المبلغ الحقيقي للقناة الإيرانية، سيكون أكثر بثلاث مرات من المبلغ المعلن، لحفر أكثر من ألف كيلومتر، وربما تمتد المسافة إلى ضعف ذلك، بحسب الطريق الذي سيتم اعتماده أخيرًا. لهذا، فالأرجح أن المشروع جزء من الدعاية السياسية للحكومة الإيرانية، بدليل أن من كلّف بحفر القناة، ليست شركة إنشاءات معتبرة، بل الحرس الثوري عينه، الميليشيا الإيرانية التي تتهمها حكومة أذربيجان بنشاطات إرهابية ضدها، إضافة إلى نشاطها المسلح في سوريا والعراق!
وقد استوحى الإيرانيون من قناة السويس نموذجهم، التي طالما أوحت لهم وبقية شعوب بحر الخزر، وهو الاسم القديم لقزوين، بفكرة بناء قناة، كما تربط السويس بين الأبيض المتوسط والأحمر. السويس قناة تخدم العالم وقد تم تعزيزها العام الماضي بقناة إضافية موازية، حفرت في زمن قياسي، عام واحد فقط. أما قناة إيران المقترحة فتخدم خمس دول، ودونها صعاب كثيرة بسبب التضاريس الإيرانية، فهي ستمر بمناطق جبلية وزلزالية وكثيفة السكان. ووفق وصف أحد المختصين الأذريين، جنكيز إسماعيلوف، فإن المشروع مغامرة بيئية خطيرة على إيران نفسها، وكذلك على بحر قزوين، الذي يعتمد على مياه نهر الفولغا الروسي، مشككا في جدية الإعلان، وأن تعميد منظمة إرهابية بمهمة هندسية، ومنحها مليوني دولار فقط يُبيّن أن الإعلان عن القناة المائية قد لا يعدو عملا سياسيا دعائيا، ليس إلا.
هل يستوجب حفر قناة تشرب من مياه الخليج، وتصب في بحر قزوين موافقة دول الخليج الأخرى، مثل دول مجلس التعاون الست وكذلك العراق، لا أدري، لكن أذربيجان تعتبر أن إعلان إيران عن مشروع القناة فيه تجاوز لحقوق دول قزوين، ولا بد من الحصول على موافقتها. وبحر قزوين مثل الخليج مصدر للنفط مهم للعالم، وفي حال بناء القناة، فإن إيران تطمح لأن تكون مصدرا وممرا للبترول، بدلا – أو ربما إضافة – إلى مشروع الأنابيب الذي تعثر مدّه سنين طويلة.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط