السعودية ومصر معاً: إنقاذ المشرق العربي

السعودية ومصر معاً: إنقاذ المشرق العربي

manar-02381960014601237415

كانت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر تاريخية بالفعل. وليس بسبب الاتفاقيات الاقتصادية الكبيرة وحسْب، وليس بسبب الفرح العارم باللقاء من جانب الشعبين المصري والسعودي وحسْب؛ بل وبالدرجة الأولى بسبب التنسيق الاستراتيجي العالي الوتيرة، بشأن تعاون البلدين في شتى المجالات، وبشأن مستقبل المشرق العربي والخليج، والعرب بشكلٍ عام. هناك ثلاثة أضلاعٍ للمشرق العربي هي مصر والجزيرة العربية والشام. وقد انضرب خنجرٌ ذو نصلٍ حاد بضياع فلسطين، وإذا ضاعت أو تفتّتت بلدان العراق وسوريا ولبنان؛ فسلام على المشرق، ووارحمتاه على الأمة!

لقد تجاوزت مصر في الأعوام الأخيرة عدة كوابيس: كابوس السيطرة الإخوانية، وكابوس الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي. وها هي توشك أن تتجاوز كابوس الإرهاب في سيناء وغير سيناء. ومثلما سعى الخصوم والأعداء لتطويق المملكة لضرب حيويتها ومشروعها؛ فإنهم سَعَوا منذ السبعينات لإخراج مصر من قضايا محيطها، وللإيهام بأنّ التنمية تتناقض مع حمل قضايا المحيط والمصير. وما أن حلّت تسعينات القرن الماضي وما بعد، حتى صارت لمصر خصومات مع إثيوبيا والسودان، ووصولاً إلى إعلان دويلة غزة (2007) لتكونَ شوكة في خاصرة مصر. كانت مصر تحتضن العرب والأفارقة وبعض الآسيويين، وتصنع للعرب صلابة الحاضر، وأفق المستقبل؛ فصار المتطاولون وقد انكفأت لداخل حدودها، أجرأ عليها بكثيرٍ حتى عندما بدت مهيضة الجناح بعد عام 1967!

أما المملكة العربية السعودية، والتي حاولت حفظ التوازن بعد غياب مصر في كامب ديفيد؛ فإنها قضت نحو العقد ونصف العقد منهمكة في التوسط بين أجنحة البعث في سوريا والعراق. ثم ضرب العراق نفسه في حربين متواليتين، فأقامت التحالف السُداسي الذي تزعمته هي ومصر للحيلولة دون الطغيان الإسرائيلي، ومن بعد الطغيان والاستنزاف الإيراني.

وفي عام 2005 سمعت الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحل، يقول: «لا تنسوا الوقائع المتوالية: ضرب (القاعدة) للولايات المتحدة واحتلال أفغانستان (2001 – 2002)، وموت الملك حسين، وغزو العراق عام 2003. وموت ياسر عرفات، ثم موت الملك فهد ومقتل الرئيس رفيق الحريري. الرجال يموتون والخرائط تتغير أو هي مهدَّدة بالتغيير».

في المرات القليلة التي رأيتهُ فيها بين عامي 2006 و2010 كان شديد التشاؤم وبخاصة بشأن حدث غزة عام 2007 وحدث بيروت عام 2008. ثم إنه في عام 2010 وخلال حضوره مؤتمر القمة بمدينة سِرت، أطلق صرخته بشأن «الخواء العربي» الذي يستدعي الأعداء والأصدقاء لملء الفراغ!

على مدى ثلاثة عقودٍ وأكثر كانت السعودية تقف وحدها تتحدى العواصف والافتراقات، وقد اجتمع عليها بعد غزو العراق صديقان لدودان: «القاعدة» والميليشيات الإيرانية الأُخرى. وهذا الأمر غير قاصر على العراق وسوريا ولبنان. بل إنّ «القاعدة» تعمل ضد السعودية من اليمن، والحوثيين وعلي عبد الله صالح يدّعون مُعاداة «القاعدة»، بينما هم ينسّقون فيما بينهم، ويعملون على التحرش بالحدود السعودية أو الشرذمة والحصار في المناطق اليمنية.

بعد عام 2011 وعندما شاع الاضطراب من حول المملكة وفي أنحاء المشرق، قال الأمير سعود عندما كنا نشكو له الفظائع في سوريا: ما يجري في سوريا أسطوري في فظاعته، بيد أنّ العروبة والإسلام كلاهما يصبح في خطر إذا تزعزعت مصر أو حكمتها جماعات تريد تغيير اتجاهها الاستراتيجي!

لقد كان السعوديون يعرفون كل شيء عن المنطقة، لكنهم ما كانوا يملكون زمام المبادرة، أو أنه ما كانت لديهم مبادرة، باستثناء النوايا الطيبة والحرص على الاستقرار ومحاولات التوسط بين الشعوب وحكامها، جمعًا بين الماء والنار!

وانتهى التردد و«الصمود» بالداخل السعودي، مع مجيء الملك سلمان بن عبد العزيز للسلطة. ما تغيرت أهداف المملكة في إدارة حفظ الاستقرار، ووحدة البلدان. بل الذي تغير أنّ السعودية صارت مستعدة للتدخل وقاية وحماية واستباقًا في البحرين واليمن وسوريا. وصارت مستعدة لتقديم المشاريع الاستراتيجية والسير فيها قُدُمًا مع من تجد من الشركاء بقدر الوسع والطاقة. وقد تعاونت السعودية والإمارات مع «مصر العميقة» عام 2013، ثم تتعاونان في اليمن عسكريًا وسياسيًا وإداريًا. وبهذه الجبهة الخليجية المستندة إلى هذه الهمة القعساء، مضى سلمان بن عبد العزيز إلى مصر بمشروعه للتعاون الاستراتيجي الكبير. فبالإضافة إلى مشروعاتٍ استثمارية هائلة تبلغ قيمتها 25 مليار دولار، هناك القوة العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وهناك التعاون المستمر في اليمن، وهناك الإعلانُ عن التوافق على جبهِ التدخلات في الدول العربية من جانب إيران، ومن جانب إسرائيل. فللمرة الأولى يجتمع الطرفان العربيان الكبيران في المشرق ويصدران بيانًا شاملاً يتناول كل المشكلات العربية التي تراكمت مما قبل حركات التغيير.

كان لا بد من مبادرة تنتهج وسائل ناجعة في الدفاع عن الخليج، ثم عن المشرق. وقد حاول العرب من خلال الجامعة العربية ذلك، كما من خلال القرارات الدولية. لكن رغم هذا وذاك ما أراد أو ما جرؤ أحد على التدخل لاستعادة الاستقرار، وحماية وحدة الأرض والشعب في شتى بلدان المشرق والخليج. ولا يستطيع أحدٌ من القوى الإقليمية أو الدولية القيام بذلك غير السعودية ومصر. وهذا بحكم التاريخ، وبحكم القدرات، والآن بحكم الإرادة. يعمل البلدان معًا في اليمن، وينبغي أن يعملا من خلال القوة العربية المشتركة في ليبيا وسوريا. كما ينبغي أن تكون هناك استراتيجية مصرية – سعودية للعراق وللبنان، ولسائر البلدان التي تعرضت للتهجير والخراب.

لقد كان عام 2015 (وهو الأول في ولاية الملك سلمان بن عبد العزيز) حافلاً بالتحديات، وحافلاً في الوقت نفسه بالعزيمة على مواجهتها، وصُنع المستقبل العربي الآخَر. وقد اقترن الأمل بالعمل. فظهر التحالفان العربي والإسلامي، وتظهر الآن القوة العربية المشتركة التي تكافح الإرهاب في ليبيا وسوريا واليمن، وكل مكان. وقد حوصرت إيران في اليمن، وتُحاصَرُ في لبنان بإعلان «حزب الله» تنظيمًا إرهابيًا.

وفي الوقت الذي تنهض فيه الدولتان الكبيرتان لمكافحة الإرهاب والفوضى والتدخلات الخارجية، يزور الملك سلمان بن عبد العزيز الأزهر وشيخه، ويُكمل مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لدعم الأزهر وتجديد مؤسساته، من أجل الدعوة والعمل على الاعتدال ومكافحة التطرف والعنف في الدين. وهذه جبهة أخرى تلقى الاهتمام الملائم أيضًا بسبب اللقاء السعودي المصري.

يفتح خادم الحرمين ذراعيه لكنانة الله في أرضه. وسيكون من وراء ذلك خيرٌ كثيرٌ للعرب والعروبة والإسلام. يا للعرب!

رضوان السيد

صحيفة الشرق الأوسط