في خطاب ألقاه مؤخراً بشأن العقوبات الاقتصادية، وما تعلمته إدارة أوباما من استخدامها، أكّد وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو على أهمية الدعم الواسع متعدد الأطراف لأي ترتيب للعقوبات وقيمة التخفيف عنها بصورة موثوقة عندما تحقق أهدافها. وكان ذلك على الأرجح رداً على أولئك الذين أيدوا فرض عقوبات جديدة على إيران أو انتقدوا الإدارة الأمريكية جراء تخفيف العقوبات على طهران. وطالب السيد ليو بتخصيص موارد كافية لتنفيذ العقوبات، في إشارة منه إلى أن الاستخدام المتزايد للعقوبات – بل وربما الجديد بصورة أكثر – وما يصاحب ذلك من متطلبات رفع التقارير المصاحبة قد شكّل عبئاً كبيراً على قدرات وزارة الخزانة الأمريكية.
وتحظى العقوبات بأهمية كبيرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أنها أنها ليست جديدة. ففي القرن الخامس عشر، لجأ الملك هنري السابع إلى العقوبات التجارية حين أراد بديلاً لاستخدام القوة ضد دوق بورغندي، وبالتأكيد لم يكن هو أول من فرضها. وتنتهج الولايات المتحدة في الوقت الحالي سياسة العقوبات التجارية، وحظْر السفر، وتجميد الأصول، بينما يواصل الاقتصاد العالمي والنظام المالي اللذان يشهدان تكاملاً متزايداً ، فتح آفاق جديدة لاستخدام العقوبات.
وحذّر السيد ليو أيضاً من عواقب الإفراط باستخدام العقوبات معللاً ذلك بما تنطوي عليه من مخاطر قائلاً “إن فرط استخدام العقوبات قد يؤدي في النهاية إلى مغادرة النشاط التجاري للنظام المالي الأمريكي” وأن تطبيق “العقوبات الثانوية” – الموجهة إلى الأشخاص الأجانب الذين يتعاملون تجارياً مع دولة مستهدفة أو كيان مستهدف – من شأنه تعزيز هذا التهديد. وقد شاركه في هذا القلق السيد هانك بولسون، سلف السيد ليو في منصب وزير الخزانة، وهي المخاوف التي ربما شكّلت أحد أسباب معارضة إدارة أوباما المبدئية للعقوبات المالية والنفطية التي أقرها الكونجرس ضد إيران.
وبينما يبدو أن القلق حيال فرط استخدام العقوبات له ما يبرره، إلا أنه يهدد برسم صورة مضللة عن السياسة الأمريكية. وكما أشار السيد ليو، فإن الحكومة الأمريكية قد مارست فرض العقوبات لعقود، بيد أن هذا النوع من العقوبات المالية الثانوية المفروضة على إيران هو أمر استحدثته الحكومة الأمريكية مؤخراً وهو نوع لم تفرضه واشنطن دون دراسة، بل تماشياً مع إجماع دولي قوي في حالات تتعلق بإيران وسوريا وكوريا الشمالية.
ولا تكمن أكبر مشكلة في العقوبات في فرط استخدامها أو أي من المخاطر التي ذكرها السيد ليو، بل في سجلها المليء بانعدام الفعالية نسبياً. وقد وتوصلت دراسة رائدة أجراها جاري هوفباور وكمبرلي آن إليوت ونُشرت في عام 2007 إلى أن العقوبات تحقق أهدافها في حوالي ثلث الحالات أو أقل من ذلك. كما وجدت الدراسة أن العقوبات تقل فاعليتها حين يتم زيادتها تدريجياً وذلك على النقيض مما قاله السيد ليو، كما أنها ليست بالضرورة أكثر فعالية عندما يزيد عدد الدول المشاركة في التحالف الذي يفرضها.
ويتفق هذا الدليل البحثي مع التجارب الأخيرة. فقليل هم من يمكنهم التأكيد على أن العقوبات قد غيرّت من سلوك روسيا في أوكرانيا، أو أساليب نظام الأسد في سوريا، أو تصرفات نظام كيم في كوريا الشمالية. وعلى النقيض من ذلك، هناك الكثير الذين يستشهدون بإيران (ومن بينهم السيد هوفباور) كحالة نجحت فيها العقوبات في تحقيق أهدافها. فالعقوبات التي فرضت على إيران كانت جديدة وكان تأثيرها كبيراً على اقتصاد طهران. لكن الاتفاقية التي أُبرمت مع إيران في عام 2015 بشأن برنامجها النووي قد تحققت ليس فقط لرغبة إيران في إنهاء العقوبات بل صاحبها تنازلات كبيرة من الحكومة الأمريكية. ومن المستحيل معرفة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاقية أفضل إذا ما تم الإبقاء على العقوبات مدة أطول لتحقق أهدافها، أو ما إذا كان من الممكن التوصل إلى نفس الاتفاقية في غياب أشد العقوبات. وبالنظر إلى تغير الأهداف الأمريكية خلال المفاوضات مع إيران، فمن الصعب الجزم بأن العقوبات حققت الأهداف التي فُرضت من أجلها.
وهذا لا يعني بالضرورة أن العقوبات غير فعالة، لكن تبقى طرق استخدامها مهمة للغاية. يجب على صانعي السياسات أن يضعوا في اعتبارهم ثلاثة عوامل على وجه الخصوص:
· يحظى فرض العقوبات بأكبر قدر من الاهتمام لكن التنفيذ أكثر أساسية. فالتنفيذ يحتاج إلى ما هو أكثر من موارد التطبيق. والأهم من ذلك هو الإرادة السياسية. وتمثل هذه قضية ملحة في واشنطن؛ إذ يبدو من غير الواضح حجم الجدية التي ستنتهجها إدارة أوباما في فرض الإجراءات التي لا تزال سارية ضد إيران، مثل العقوبات الثانوية التي تستهدف «الحرس الثوري الإسلامي».
· لأن الهدف من فرض العقوبات يكون طموحاً بصورة متزايدة، فإن الخسائر التي تفرضها على الكيان المستهدف يجب أن تكون ملائمة في الحجم. ووفقاً لذلك، يجب أن تكون الخسائر مهمة ليس فقط للدولة المستهدفة أو للكيان المستهدف بصورة عامة، بل أيضاً لأولئك الأفراد التي تسعى الحكومة الأمريكية التأثير على قراراتهم.
· الأهم من ذلك، تعمل العقوبات بصورة أفضل إذا كانت جزءاً من استراتيجية أكبر وليس بديلاً لها. وتتضح هذه النقطة بقوة في كل من سوريا وأوكرانيا حيث ربما كانت العقوبات وسيلة “للقيام بشيء ما” وأثبتت قيمتها في تحقيق ما فرضت من أجله، إلا أنها لم تلق الدعم من الاستغلال الفعال لعناصر أخرى من قوة الولايات المتحدة لتحقيق أهداف سياسة أوباما. وتعمل العقوبات بصورة أفضل حين تدعمها استخبارات قوية ودبلوماسية نشطة، والتهديد باللجوء للقوة عند الضرورة أو استخدامها بالفعل.
مايكل سينغ
معهد واشنطن