لم يعد السؤال «يبقى الأسد أو يرحل»، انما متى يرحل وكيف؟ ولا علاقة لهذا بمن انتصر أو هزم في حرب السنوات الخمس الماضية، بل أساساً بمن أصبح من دون حق في الحكم، وبلا شرعية سياسية أو حتى أخلاقية، في أن يبقى رئيساً لبلد لم يكتف بتدميره على رؤوس أهله فحسب، بل قتل وسجن وشرد من بقي منه على قيد الحياة، بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية والبراميل المتفجرة… بأيدي أنصاره أو بقذائف قوات ومقاتلات وميليشيات أجنبية استقدمها من الخارج لهذه الغاية.
وحتى الذين يرفضون الحديث علناً عن مستقبل بشار الأسد، مثل روسيا، يقولون إنهم لا يريدون الآن أن يبحثوا في هذا الأمر، لأن من شأنه، في رأيهم، أن يؤثر في العملية السياسية. لكن كلمة «الآن» تحمل من المعنى ما يجعلها مفهومة لدى الأسد ولدى غيره. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ففيما يقول وزير خارجيتها جون كيري إنه يتفهم موقف روسيا، فإنه لا يترك مناسبة إلا يكرر فيها موقف بلاده: لا مستقبل للأسد في غد سورية.
آخر ما أعلنه كيري في هذا الصدد، جاء في مقابلته مع قناة «العربية» قبل أيام: «لا سبيل أمام الأسد لاسترجاع شرعية تخوله حكم سورية. فلا أحد، أو ربما قليلون هم من يرون أن في مقدوره توحيد بلد استخدم ضده الغازات السامة والبراميل المتفجرة وسياسة التجويع… كيف بوسع رجل كهذا أن يبقى رئيساً لبلده»؟. بل أكثر، قال كيري: «على الأسد أن يدرك أن العالم، وأعني العالم، لن يقبل فكرة أنه يمكن أن يكون شخصاً يتفق عليه جميع السوريين. لن يستطيع ذلك. لقد استخدم الغازات السامة ضد شعبه في انتهاكٍ لقوانين الحرب، كما استخدم التجويع كأداة حرب انتهاكاً لهذه القوانين كذلك، وعذب عشرات الآلاف من مواطنيه، ليس فقط انتهاكاً لقوانين الحرب بل أيضاً انتهاكاً لجميع قوانين السلوك الإنساني… فالأسد يتحمل مسؤولية هائلة عن ذلك، وهي مسؤولية ستظل قائمة ولا يمكن أن تسمح له بإعادة توحيد سورية».
لا ثقة طبعاً بما يقوله كيري، ولا قبل ذلك بسياسة رئيس إدارته باراك أوباما تجاه الحرب السورية، من دون تبرئة لا زميله الروسي سيرغي لافروف ولا رئيس هذا الأخير فلاديمير بوتين. لكن جرائم الأسد أكبر من أن يستطيع الأربعة (وغيرهم من إيران إلى الصين) أن يتحملوا عبئها، أو حتى أن يتمكنوا من التغطية طويلاً عليها.
ربما أدق وصف لهذه الحال، جاء بلسان بي.ج كراولي من هيئة الإذاعة البريطانية، عندما قال في أحد تعليقاته: «تقوم سياسة أوباما حتى الآن على فرضية أن أيام الأسد معدودة. قد يكون ذلك صحيحاً وربما ما زال، لكن عدد هذه الأيام، بفضل بوتين، يصبح أكبر لا أقل».
وبغض النظر عن مدى «التآمر»، كما هي عادتنا، بين أوباما وبوتين في مدّ عمر الأسد، فليس خافياً أن ما سيكتب في النهاية هو مستقبل لسورية وشعبها من دون الأسد ونظامه الذي لم يعد أحد يدافع عنه، أقله كما حدث بالنسبة إلى الانتخابات النيابية التي أصرّ على إجرائها في 13 نيسان (أبريل)، على رغم عدم اعتراف كل من واشنطن وموسكو ونيويورك الصريح بها.
ذلك أن ما يفعله الأسد وحلفاؤه الإيرانيون حالياً، لا يخرج عن كونه محاولة كسب المزيد من الوقت… وربما الأيام فقط. وفي المجال العسكري تحديداً، يشي ما يقوم به الأسد بأنه يتصرف على أساس أن رأسه، وليس أي شيء آخر، هو الموضوع على المقصلة، ليس داخلياً فقط، إنما دولياً وإقليمياً أيضاً.
وعلى سبيل المثال، فإنه قبل أيام فقط تحدث رئيس حكومته عما سماه «خطة روسية – سورية مشتركة» لاستعادة مدينة حلب بالكامل… لتنفي موسكو ذلك بعد ساعات قليلة، بلسان الناطق باسم وزارة الدفاع فيها. كذلك كان إعلان النظام فجأة عن سيطرة «داعش» على 60 في المئة من مخيم اليرموك، أي في قلب دمشق، استعداداً لمعركة يتجه لخوضها فيه بدعوة طرد «داعش» منه. كما الإعلان عن تحرير مدينة الراعي من «داعش»، ثم الانسحاب منها ليعود هذا التنظيم إليها.
وحتى على المستوى السياسي، فإنه طلب تأجيل مؤتمر جنيف إلى ما بعد 11 نيسان كما كان مقرراً، ثم اعتذر عن عدم استطاعة وفده الحضور في 13 منه بذريعة أن بعض أعضائه مرشحون للانتخابات في ذلك اليوم… في محاولة مفضوحة لنيل اعتراف المؤتمر وراعيه ستيفان دي ميستورا، فضلاً عن وفد المعارضة، بهذه الانتخابات.
كذلك لا معنى لإعلان إيران رسمياً، ولأول مرة منذ 2011، أنها أرسلت الى سورية لواء من «القوات الخاصة» في جيشها (وليس من «الحرس الثوري» كما كانت الحال سابقا)، إلا أنها تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما بقي من نظام الأسد، أو أقله أنها تحجز لنفسها مقعداً على طاولة التفاوض حول ما بعده.
ولا يختلف الأمر حتى بالنسبة إلى روسيا هنا، وإن كانت لها أهداف أخرى مع الولايات المتحدة وأوروبا في أوكرانيا وعلى صعيد أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
ألا يحمل هذا المعنى تحديدا قول نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف أن «الولايات المتحدة تضغط على روسيا في موضوع الأزمة السورية»، وأن بلاده تلاحظ محاولة واشنطن «تسييس مسائل» (ما هي هذه المسائل؟!) واستخدام اجتماعات في نيويورك وجنيف لممارسة هذا الضغط؟… وأنها «ترفض ذلك لأن هذه الأفعال غير الودية لا تساعد على التنسيق، بما في ذلك بين وزارتي الدفاع في البلدين؟»
محمد مشموشي
صحيفة الحياة اللندنية