نظراً لحالة عدم الاستقرار الذي يمر بها العراق بشكل عام والأمني بشكل خاص سيما بعد بروز تنظيم الدولة في العراف والبلاد الشام”داعش” في حزيران/يونيو عام2014م كتحدي أمني لاستمرار العملية السياسية العراقية برمتها، وفي إطار الحرب ضده من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وصل -في زيارة غير معلن عنها- وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في 18 نيسان/أبريل من الشهر الحالي، العاصمة العراقية بغداد والتقى خلال زيارته عدد من القادة العسكريون الأمريكيون كما التقى أيضاً برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير دفاعه خالد العبيدي وقد أسفرت المحادثات بين الجانبين الأمريكي والعراقي عن عزم إداراة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تكثيف حضورها العسكري في العراق.
إذ أعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر عن إرسال 217 جندي أمريكي من الوحدات الخاصة إلى العراق والسماح لهم بالاقتراب من الخطوط الأمامية في المعركة ضد تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” بهدف تقديم المشورة للقوات العراقية. وللمرة الأولى من نوعها، ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية في نشر ثمان طائرات هليكوبتر من طراز “أباتشي” القتالية لمساندة القوات العراقية. ووحدات مدفعية صاروخية بعيدة المدى، بالإضافة إلى زيادة الدعم اللوجستي للقوات العراقية. كما تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية أيضا تقديم مساعدات بأكثر من 400 مليون دولار إلى قوات البشمركة الكردية، التي تقاتل تنظيم الدولة.
وقد وصف البيت الأبيض هذه الخطوة بأنها “هامة” وقال إنها لن تقوض تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعدم انخراط القوات البرية الأميركية في أعمال قتالية بالعراق. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست يوم الاثنين الماضي “لقد سعينا إلى وضع استراتيجية تسمح لنا بتوفير مزيد من المشورة ومساعدة أكبر لكنها في الوقت ذاته لا تضع أفراد قواتنا المسلحة تلقائيا على خطوط الجبهة”. وتجدر الإشارة هنا أن إرسال الجنود الأمريكيين إلى العراق ليس الأول من نوعه، إذ سبق أن أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية جنوداً له وذلك على خلفية تغير المشهد الأمني العراقي بعد حزيران عام 2014م. وبهذا النشر الجديد ارتفع عدد القوات الأمريكية في العراق إلى 4087 جندي أمريكي.
يأتي قرار إدارة الرئيس باراك أوباما بإرسال 217 جندي من الوحدات الخاصة إلى العراق ضمن استراتيجية عسكرية شاملة والتي تقوم على سحب القوات الأمريكية من العراق والاعتماد على الطائرات بدون طيار وعمليات الوحدات الخاصة. وتمتد خارطة انتشار الوحدات القتالية الخاصة الأمريكية من العراق وسوريا وتصل إلى أفغانستان والفلبين وجنوباً تمتد إلى القرن الأفريقي وغرباً تغطي مالي والنيجر وتونس ومريتانيا. إذ ساهمت هذه الوحدات في عمليات عسكرية نوعية مثل اعتقال أو تصفية عناصر قيادية في تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” وتمكنت من خلال التحقيقات التي أجرتها مع المعتقلين من تلك التنظيمات الحصول على معلومات عن خططها العسكرية، كما ساهمت هذه الوحدات من تدريب قوات حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية كأكراد العراق، والتنظيمات المتعاونة معها في سوريا كعناصر وحدات حماية الشعب الكردي الفصيل العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وأيضا تدريب ومساعدة مختلف صنوف القوات المسلحة في الجيش العراقي.
فالسماح لاقتراب هذه الوحدات من الخطوط الأمامية للمعارك ضد تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” لا يعن خوضها إلى جانب القوات العراقية والكردية، فموقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما من هذه المسألة واضح جداً، إذ يرى أن محاربة الإرهاب هو من مسؤولية القوات الكردية والعراقية على حد سواء، لكن هذا لا يمنع من استعمال المروحيات الهجومية الأمريكية واللجوء إلى عمليات الانزال عند الضرورة.
وهناك عدة قراءات لهذا الدعم العسكري الأمريكي للعراق أولاها أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والقوات العراقية تمكنت من تحقيق تقدم عسكري ضد تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش”. وأن الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الدعم الجديد تتهيأ لمعركة الموصل الحاسمة دون انضمام مليشيات الحشد الشعبي في تلك المعركة، إذ اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن عام 2016 هو عام تحرير الموصل من تنظيم الدولة، ثانيهما هناك من يعزو هذا الإرسال إلى تخبط حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وفشلها في استعادة المدن الواقعة تحت سيطرة التنظيم، فضلا عن أزمة الثقة التي تواجه القوات العراقية وسعي أطراف حكومية إلى الزج بميليشيا الحشد الشعبي في مواقع متقدمة من المعارك. ثالثهما يأتي زيادة الحضور العسكري الأمريكي كمحاولة من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما لإنقاذ العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والتي كانت الإدارة الأمريكية السابقة الراعية الرسمي لهذه المحاصصة. تبذل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ما في وسعها لتثبيت الوضع في العراق لفائدة الأحزاب الدينية الحاكمة وبما يخدم مصالح النظام الإيراني بذريعة القلق من تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش”.
وقد أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة التي أجرته معه شبكة “سي.بي.سي.نيوز” الأمريكية يوم الاثنين الماضي على- بعد ساعات من إعلان وزير دفاعه أشتون كارتر أن واشنطن سترسل مروحيات أباتشي وجنودا إضافيين إلى العراق، أن “تدريب القوات العراقية والمعلومات الاستخباراتية من شأنها تضييق الخناق باستمرار على داعش الذي سيطر على الموصل صيف 2014، قبل أن يتمدد إلى مناطق أخرى، لاسيما في محافظة الأنبار”. تساؤلات عن أبعاد هذه الاستراتيجية التي تأتي بعد أن تمت الإدارة الأمريكية انسحابها العسكري من العراق في كانون الأول عام 2011م. وما يثير الاستغراب هنا هو أن زيادة الوجود العسكري تأتي في وضع تمر فيه العملية السياسية في العراق والتي جاءت كأحد إفرازات الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، بأزمة تهدد استمرارها وبناء عملية جديدة تقوم على إصلاحات جوهرية.
وهناك من يرى أيضاً أن هذا الدعم العسكري الأمريكي يهدف إلى التدخل المباشر في الصراع السياسي لإنقاذ العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والقومية والتي تديرها إيران بالوكالة، وقطع الطريق على أي تغيير. ولهذا الرأي وجاهته حيث يمر النظام الإيراني في وضع صعب حاليا لتوزع جهودهم على كافة المستويات على أكثر من جبهة في المشرق العربي من اليمن جنوباً إلى سوريا ولبنان والعراق شمالاً، وإن من مصلحة النظام الإيراني استقرار الوضع في العراق لصالح حلفائه في دول المشرق العربي، وهذا الأمر تحققه له إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بذريعة الخوف من تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” من التمدد على الجغرافيا العراقية.
وبهذا الخدمة التي تقدمها الإدارة الأمريكية للنظام الإيراني تعيد صياغة العبارة المشهورة التي قالها ذات يوم القائد الفرنسي نابليون بونابرت على نحو مغاير، إذ قال “إذا رأيت عدوك يدمر نفسه، فلا تقاطعه”. بينما تعمل الإدارة الأمريكية الحالية على مساعدة النظام الإيراني، وهذه المساعدة لا ضير طالما جوهر العلاقات الدولية منذ أمد بعيد قائمة على المصالح المتبادلة. فمصلحة العليا للولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما تتطلب التنسيق مع النظام الإيراني، وقد تتغير هذه المصلحة أو تتعمق مع أي رئيس أمريكي قادم للبيت الأبيض وذلك تبعاً لتغير أو ثبات الحسابات السياسية، وهذا جوهر العمل السياسي.
مما تقدم ونظراً لتعقد المشهد العراقي بكليته يبدو أن الإدراة الأمريكية بصدد مراجعة جذرية لخيار انسحابها من العراق، خاصة أن العملية السياسية التي دشنتها بعد احتلالها للعراق في العام 2003، فشلت في تحقيق الاستقرار، وهي الآن في وضع صعب بسبب التناقضات الطائفية والعرقية لشركاء العملية السياسية، إذ كشفت الأزمة التي يعيشها العراق عن أن الطبقة السياسية ضعيفة ومحدودة التأثير، فضلا عن حالة من الصراع بين مكوناتها الداخلية بما في ذلك داخل التحالف الطائفي الواحد، وهو ما عكسته التصريحات والتصريحات المضادة بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الوزراء السابق، رئيس حزب الدعوة، نوري المالكي. إذ تخشى الإدارة الأمريكية أن يفضي الصراع بالعراق إلى حالة من الفوضى من المرجح أن تكون في فائدة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش”. وفائدة دعاة تقسيم العراق، حينها لن تنفع السياسات والتفاهماتالمشتركة بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني بشأن العراق التي أثبتت فشلها، فالعراق كدولة ذات ثقل استراتيجي لا تدار وفق تلك السياسات والتفاهمات المشتركة.
معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية