في 23 يناير 2016، نشرت العديد من وكالات الأنباء خبرًا حول رفض معتقل يمني في سجن “غوانتانامو”، مغادرة السجن، رغم حصوله على موافقة بمغادرة السجن العسكري الأميركي الذي أمضى فيه 14 عاما، يُدعى محمد علي عبد الله باوزير.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية “أ.ف.ب”، عن الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية غاري روس، أن معتقلا يمنيا يدعى محمد علي عبد الله باوزير قرر عدم مغادرة معتقل “غوانتانامو” في كوبا، وأضاف: “لا يمكن كشف تفاصيل قرار معتقل رفض نقله إلى بلد ثالث، باستثناء أنه لم يقبل العرض”.
وعلى رغم ذلك، يبقى المعتقل اليمني على لائحة الأشخاص الذين تمت المصادقة على نقلهم، وسيستمر المسؤولون في محاولة جعله يغادر “غوانتانامو”، حيث أشار روس إلى أنهم سيعيدون “التفاوض مع بلدان عدة بشأن استقباله”، وقال مسؤول أمريكي طلب عدم كشف هويته، إن “اليمني أبدى رغبته في أن ينقل إلى بلد عربي”.
ولاحظ محامي اليمني أن موكله لم يعد بإمكانه التأقلم مع الحياة خارج سجن، وقال: “لقد ظل لفترة طويلة في غوانتانامو، وهو مرعوب من فكرة التوجه إلى بلد غير الذي لديه فيه عائلته”، وبحسب ملفه الذي نشرته “نيويورك تايمز” فإن محمد علي عبد الله باوزير قاتل مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
مؤخرًا وبالتحديد في 17 أبريل 2016، وصل إلى المملكة العربية السعودية، 9 مواطنين يمنيين، أُفرج عنهم من معتقل غوانتانامو الأميركي، بخليج كوبا، وذلك بعد موافقة العاهل الملك سلمان بن عبدالعزيز على استقبالهم، بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وبإطلاق سراح اليمنيين التسعة، ينخفض عدد المعتقلين في غوانتانامو -أُسس عقب الاحتلال الأميركي لأفغانستان، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011- إلى 84 بعد أن بلغ عددهم في وقت ما قرابة 800 سجين.
مُعتقل “غوانتانامو”
افتتح معتقل غوانتانامو في يناير 2002 في قاعدة عسكرية أميركية ساحلية في جنوب كوبا، في إطار عقد إيجار يعود إلى العام 1903، وبدأ العمل فيه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ليضم المعتقلين المصنفين بأنهم “مقاتلون أعداء”، لكن سرعان ما تحول المعتقل إلى رمز لما يطلق عليه “الحرب على الإرهاب” بمعتقليه بالبزات البرتقالية اللون، وأيديهم المكبلة.
أدين ثمانية من المعتقلين منذ إنشاء اللجان العسكرية الخاصة في 2006. اعترف ستة بالتهم الموجهة إليهم. وألغت السلطات الفيدرالية إدانات اثنين، في ما رفعت دعويان للاستئناف في قضيتين أخريين، ولم يمثل أمام محكمة فدرالية سوى أحمد الجيلاني من تنزانيا والمحكوم بالسجن مدى الحياة، لدوره في الهجمات التي استهدفت السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا 1998.
يأتي المعتقلون الآخرون من 19 دولة، وأكثر من نصفهم من اليمن. وبالإجمال يضم غوانتانامو 87 يمنيا و12 أفغانيا و11 سعوديا بالإضافة إلى آخرين من مصر وباكستان وموريتانيا وروسيا ودول أخرى، وتعثرت الجهود الأميركية للإفراج عن المعتقلين غير المتهمين في ما بحثت واشنطن في إرسالهم إلى دول في العالم الثالث، وقد أرسل العديد منهم بالفعل إلى بلادهم، كما استقبلت دول أخرى معتقلين من غوانتانامو من بينها ألبانيا والجزائر وبالاو وبرمودا.
لم تتخل الولايات المتحدة عن مراقبة المفرج عنهم، ووفق بعض التقديرات فإن حوالي 30% منهم يعودون إلى المجموعات المسلحة الهادفة إلى شن هجمات ضد أهداف غربية. ولكن مسؤولا أمريكيا قال إن هذه التقديرات تشمل الحالات المؤكدة وتلك المشتبه بها، وأشار إلى أن المؤكد هو عودة 16 في المئة من المعتقلين المفرج عنهم إلى أرض المعارك، فيما الشك يدور حول 12% منهم.
باراك أوباما ومحاولة إغلاق “غوانتانامو”
في 23 فبراير 2016، أكدت مصادر صحفية، أنّ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يحضّر خطة سيعرضها على الكونغرس لإغلاق سجن “غوانتانامو” وترحيل بعض السجناء إلى بلادهم ونقل الخطرين منهم إلى سجون على الأراضي الأمريكية، وهو الأمر الذي لقي سابقا معارضة شرسة في الأوساط الأمريكية.
فقد قرر أوباما إغلاق هذا السجن، لأنه اعتبره “أداة لتجنيد الإرهابيين”، كما أكد أن بقاءه سيكون مكلفا على الخزينة الأميركية، إذ تبلغ تكلفة الإنفاق على السجن الذي يقبع فيه ما يقارب الألفي سجين عسكري ومدني، مئات ملايين الدولارات الأميركية.
ولكن أوباما يواجه تحديات قانونية عدة لتطبيق خطته، حيث يرفض مشرعون أميركيون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري نقل سجناء غوانتانامو إلى الأراضي الأمريكية، مما سيجعل قبول الكونغرس بخطة البيت الأبيض غير متوقع.
وأخبر الجيش الأميركي الكونغرس بأن نقل السجناء إلى الداخل الأمريكي غير مسموح به قانونيا، إذ وقع أوباما على مشروعي قانونين مؤخرا، وهما مشروع قانون تفويض الدفاع ومشروع قانون مخصصات الدفاع، واللذان تضمنا أحكاما تمنع نقل سجناء غوانتانامو إلى الداخل الأميركي، وفي المقابل، سيرد البيت الأبيض بأن هذه الموانع ليست دستورية، إذ إنها لا تتيح للرئيس اتخاذ قرارات عسكرية، كونه القائد العام للجيش.
في حين سيسعى الجمهوريون إلى استخدام القانون لمنع أي خطوة أحادية الجانب من قبل البيت الأبيض، يقوم من خلالها بنقل السجناء إلى الأراضي الأميركية مستخدما سلطته التنفيذية، وقالت الحكومة الأميركية إنها أرسلت 50 سجينا إلى بلادهم الأصلية، ووزعت 94 سجينًا آخر على 26 دولة أخرى، اثنان منهم سيحاكمون في إيطاليا.
لماذا يرفض المعتقلون العودة لبلادهم؟
يذكر أن أكثر الدول التي استقبلت هؤلاء السجناء حتى اللحظة، هي سلطنة عمان، إذ استقبلت 20 سجينًا ممنوعين من الدخول إلى بلادهم الأصلية، كما أعيد أربعة سجناء سعوديين إلى بلادهم.
ويذكر أيضًا أن أكثر من نصف السجناء الذين لا يزالون محتجزين هم يمنيو الجنسية، ولكن الحكومة الأميركية ممنوعة من إرجاعهم إلى بلادهم بسبب الحرب الأهلية المندلعة في البلاد ووجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هناك، والذي انضم إليه ثلاثة من السجناء المفرج عنهم من غوانتانامو.
شهادات المفرج عنهم
وفقا لشهادات من أفرج عنهم خاصة السعوديين والكويتيين واليمنيين أن تعامل المحققين الأميركيين في المعتقل مع هؤلاء المحتجزين أمر خارق لكل قانون دولي أو محلي، للدرجة التي جعلت 131 معتقلا -وفقًا للأرقام الأميركية- يضربون عن الطعام لفترات طويلة مختلفة فكاد أغلبهم يموت لولا عمليات الإطعام القسري التي تقوم بها سلطات المعتقل عبر أنابيب تغذية تدخلها خلال فتحات أنوفهم أو عبر أوردتهم.
ولم تقتصر معاناة المعتقلين في غوانتانامو على من هم خلف القضبان، بل امتدت لتشمل أفراد أسرهم من آباء وأمهات وزوجات وأبناء، حيث قص الكثير من هؤلاء قصصا مؤثرة عن المعاناة النفسية التي عاشوها طوال فترات اعتقال أبنائهم في غوانتانامو فضلا عن الحاجة الاقتصادية التي ألمت ببعض هذه الأسر بعد اعتقال عوائلها.
وقد بات معروفا كذلك -من واقع شهادات بعض من أفرج عنهم وتقارير منظمات حقوق الإنسان- أن الولايات المتحدة استعانت بخبرات بعض الدول التي اشتهرت بتعذيب السجناء لانتزاع اعترافات بعض معتقلي غوانتانامو خاصة ممن صنفتهم سلطات الأمن الأميركية بأنهم “خطر”، فقد تحدث من أفرج عنهم مؤخرا عن إرسال بعض زملائهم إلى مصر والأردن وتونس لبعض الوقت ثم عودتهم مرة أخرى إلى غوانتانامو.
وكان من المرات النادرة التي اطلع فيها الرأي العام العالمي على بعضٍ مما يحدث داخل غوانتانامو ما نشرته مجلة نيوزويك الأميركية عام 2005 نقلا عن شهود عيان من معتقلين مسلمين أفرج عنهم، حيث ذكرت المجلة أن محققين وجنودا أميركيين من العاملين في المعتقل قد دأبوا على رمي نسخ من المصحف الشريف في المراحيض أو التبول عليها أمام المعتقلين كنوع من أنواع الضغط والإذلال النفسي.
وقد اعترفت السلطات الأميركية بما حدث بعد تحقيق رسمي أُجري لهذا الغرض لامتصاص ردود أفعال غاضبة عمت شوارع العديد من العواصم العربية والإسلامية، لكنها خففت في اعترافها أثناء كتابة التقرير الذي أصدرته بهذا الخصوص، فوصفت ما حدث بأنه “تعامل من قبل أربعة جنود لكتاب المسلمين المقدس بشكل غير لائق”.
شهادات المحققين
في 16 فبراير 2014، اعترف واحد من كبار مهندسي برامج الاستجواب القاسية التي أجرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي.آي.إيه” إبان عهد جورج بوش، بأنه استخدم أسلوب “الإيهام بالغرق” مع مشتبه بهم في أنشطة الإرهاب ومنهم خالد شيخ محمد الذي يعتقد أنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر عام 2001.
وأكد جيمس ميتشل وهو خبير نفسي سابق في القوات الجوية الأمريكية بعض التفاصيل المحددة التي وردت في تقرير أصدرته إحدى لجان الكونجرس الأسبوع الماضي ودافع عن هذه الممارسات قائلا إنه تم انتزاع معلومات مخابرات قيمة رغم أن محققين أكدوا عدم حدوث ذلك.
وقال ميتشل في مقابلة مع “فايس نيوز” وهي شبكات تليفزيونية عالمية تعمل عن طريق الإنترنت “نعم.. لقد استخدمت أسلوب الايهام بالغرق مع كيه.إس.إم” وهي الحروف اللاتينية الأولى من اسم خالد شيخ محمد.
كما سرد جندي أمريكي سابق عمل في معتقل غوانتانامو في كتاب له ما شهده من سوء معاملة وحشية للمعتقلين هناك، ويأتي كتاب الرقيب إريك سار “داخل الأسلاك الشائكة” في وقت تلقى الأضواء فيه على المعاملة التي يلقاها السجناء من قبل الجيش الأمريكي، وسط جلسات قضية سجن أبو غريب.
واعتبر سار في مقابلة مع “بي بي سي” أن ممارسات جنسية غريبة في غوانتانامو قد أسست لسوابق خطيرة مهدت الطريق أمام سوء معاملة السجناء في العراق، كما يقول سار الذي عمل مترجما للجيش إنه على الرغم من محاولات إصلاح الأخطاء في غوانتانامو، فإن المعتقل لا يزال يدنس القيم التي تقاتل من أجلها الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب.
ويروي سار استجوابا اعتبره أقبح ما شهده في المعتقل خلال الأشهر الستة التي أمضاها فيه: فأثناء محاولات قامت بها مستجوبة على إجبار سجين سعودي على الكلام، شرعت بنزع ثيابها لإثارته جنسيا وجلب العار له ومنعه عن الاعتماد على إيمانه للدعم النفسي، ثم غادرت قاعة الاستجواب، حسب روايته، بحثا عن قلم حبر أحمر.
وعادت “بروك” إلى السجين، وسحبت يدها من سروالها أمامه. ولما ظهرت يدها، رأى السجين ما بدا له أنه دم أحمر عليها. ومسحت يدها على وجهه، وقد ظن أن ذلك دم الحيض مما أثار غضبه الشديد وحاول جاهدا التحرر من قيوده، غير أن “بروك” استمرت في تحريضه، وسألته إذا كان يعتقد أن الله سيكون مسرورا بأفعاله، كما دعته إلى أن يستمتع بالصلاة، مضيفًا: “وقد أعيد أخيرا إلى سجنه من دون إعطائه المياه، ما جعله غير قادر على التوضؤ”.
وقد تطوع سار الخبير في اللغة العربية في الجيش الأميركي للعمل في غوانتانامو عام 2002، ويقول إن ما رآه في السجن غير من نظرته إلى المعتقل وإلى بلاده كليا، كما يقول إن عدد محاولات الانتحار في المعتقل يتجاوز بكثير ما تعترف به الحكومة الأميركية، ويدعي سار أن بعض وحدات الجيش تورطت في عدد من الاعتداءات بالضرب على السجناء، كما اعتبر أن من بين المعتقلين الـ600 في المعتقل لا يزيد عدد “الإرهابيين المتشددين” فيه على حوالي العشرين.
أحمد سامي
نقلا عن التقرير