ذروة الطلب على النفط .. هل الدور على الصين؟

ذروة الطلب على النفط .. هل الدور على الصين؟

11125

لأكثر من عقد من الزمن، كان الطلب على النفط في الصين يعتبر المحرك الرئيس لنمو الاستهلاك العالمي للنفط، واليوم هناك شبه إجماع على أن هذا النمو يتباطأ. ولكن هل فعلا من الممكن أن يكون الطلب الصيني على النفط على وشك الوصول إلى ذروته؟ في ضوء محاولات الحكومة الصينية الجريئة في معالجة التلوث المتزايد بسرعة ووضع حد لارتفاع انبعاثاث الكربون بحلول عام 2030، يرى عديد من كبار مسؤولي الطاقة الصينيين أن هذا الأمر يبدو مؤكدا إلى حد ما. في هذا الجانب، يتوقع الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الوطنية الصينية أن يكون معدل نمو الطلب على النفط في الصين للأعوام حتى 2020 عند 2.8 في المائة انخفاضا من 7.8 في المائة قبل عشر سنوات، وقد يصل إلى ذروته بحلول عام 2030. في الواقع، هناك بوادر أن يبلغ الطلب على وقود الديزل ذروته في المستقبل القريب جدا. مع ذلك، إيقاف نمو الطلب على النفط في الصين تماما لا يزال بعيد المنال على الرغم من أنه تباطأ بسرعة.

لا يزال ارتفاع الطلب على النفط في الصين يمثل ما يقرب من ربع الزيادة في استهلاك النفط العالمي التي حدثت في العام الماضي أي في حدود 400 ألف برميل في اليوم أو أكثر قليلا، ولكن اعتماد معايير وقود للسيارات أكثر صرامة والتحسينات في كفاءة استخدام الطاقة تهدد هذا النمو. في هذا الجانب، ترى جمعية أبحاث الطاقة الصينية ومقرها بكين أن نمو الطلب الصيني على النفط بين عامي 2016 و2020 سيكون حتى أقل من توقعات الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الوطنية عند 2 في المائة سنويا فقط، وينخفض إلى 0.8 في المائة سنويا خلال العقد المقبل، وسوف يبلغ ذروته في الفترة ما بين 2025 و 2030 عند 13.2 مليون برميل في اليوم، ارتفاعا من 10.78 مليون برميل في اليوم في عام 2015.

توقعات الطلب على وقود الديزل والبنزين توفر بعض المؤشرات المبكرة لكيف ومتى يمكن أن يصل الطلب الصيني إلى ذروته. مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون 7 في المائة في العام الماضي، حذر بعض مسؤولي الطاقة الصينيين أن الطلب على وقود الديزل، الذي يعتبر المنتج الرئيس في مزيج الوقود الصيني والمرتبط بشكل وثيق مع عجلة النمو الاقتصادي، يمكن أن يصل إلى ذروته في وقت مبكر من عام 2017، والبنزين سوف يلحق به في عام 2025. في العام الماضي، انخفض الطلب على الديزل بمعدل 0.4 في المائة إلى 3.54 مليون برميل في اليوم. على الرغم من أن عديدا من محللي أسواق النفط يترددون في اعتبار عام 2017 هو ذروة الطلب على الديزل، إلا أنهم يرون فرصا محدودة في الاتجاه التصاعدي بعد ذلك.

على النقيض من ذلك، ارتفع الطلب على البنزين بأكثر من 9.0 في المائة في العام الماضي ليصل تقريبا إلى 2.7 مليون برميل في اليوم، بدعم من أسطول المركبات المتنامي في الصين. لكن قلق الحكومة الصينية من تلوث المناطق الحضرية دفعها إلى تشجيع معايير وقود أكثر صرامة والسيطرة على مبيعات السيارات الجديدة، وفي الوقت نفسه تعزز استخدام السيارات الكهربائية. من المتوقع أن يرتفع عدد السيارات على الطرقات الصينية بثمانية أضعاف من 61 مليونا في عام 2010 إلى 430 مليونا في عام 2035، لكن نمو الطلب على النفط من قبل سيارات الركاب سوف ينخفض من معدل سنوي 285 ألف برميل في اليوم بين عامي 2009 و2016 إلى 20 ألف برميل في اليوم فقط في عام 2023، حسب توقعات دويتشه بانك الأخيرة. لكن، النمو في قطاعات أخرى يمكن أن يحافظ على الطلب على النفط في الصين. على سبيل المثال، في مجال النقل، قطاع الشحن يمكن أن يواصل النمو، حيث إن ارتفاع مستوى المعيشة وتوسع الطبقة الوسطى في الصين سوف يتطلبان نقل كميات أكبر من البضائع، حسب «دويتشه بانك». في حين ترى توقعات شركة إكسون موبيل الأخيرة لمستقبل الطاقة على المدى الطويل، أن اتساع أسطول الشاحنات الثقيلة سوف يقود نمو الطلب العالمي على وقود النقل إلى عام 2040، والصين ستكون مسؤولة عن نصف هذا النمو. البتروكيماويات ـــ تعتبر الصين أكبر منتج ومستهلك لها – سوف تلعب أيضا دورا في دعم استهلاك النفط، ولكن إذا كان الطلب الصيني على النفط سيصل فعليا إلى الذروة قبل عام 2030 سيعتمد على الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لتنفيذ برنامجها لخفض الكربون.

وترى وكالة الطاقة الدولية في إطار سيناريو “450” ــــ الذي يتوخى استخداما كبيرا لتقنيات جديدة للحد من ارتفاع حرارة الكوكب بدرجتين مئويتين المتفق عليها في محادثات تغير المناخ في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في باريس ـــ أن يبلغ الطلب الصيني على النفط ذروته قبل عام 2040. إذا ما كانت هذه التقنيات قابلة للتطبيق على نطاق واسع، فإن الطلب الصيني على النفط سيصل ذروته عند 11.5 مليون برميل في اليوم في عام 2020، قبل أن ينخفض إلى 9.6 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2040، حسب الوكالة. ولكن في ظل سيناريو الوكالة “السياسات الجديدة” الذي يأخذ في الاعتبار فقط السياسات التي تؤثر بالفعل في أسواق الطاقة اعتبارا من منتصف عام 2015 والعناصر ذات الصلة بالطاقة ضمن تعهدات المناخ الحالية، الطلب الصيني على النفط سيرتفع بشكل مطرد بنسبة 46 في المائة بين عامي 2013 و2040 ليصل إلى 14.2 مليون برميل في اليوم.

في الوقت الذي يحتدم النقاش حول مسار الطلب الصيني على النفط، يتفق معظم المراقبين أن انبعاثات الكربون في البلاد ستصل إلى ذروتها بحلول عام 2025 أو ربما في وقت سابق، ويعود الفضل بالدرجة الأولى إلى الانخفاض الحاد في استخدام الفحم في توليد الطاقة والصناعة. حيث سيتم استبدال تلك المحطات التي تعمل بالفحم بمصادر الطاقة المتجددة وكذلك الغاز، الذي يرى مسؤولو الطاقة الصينيون أن يتزايد الطلب عليه بنحو 10 في المائة سنويا حتى عام 2020.

نعمت أبو الصوف

* نقلا عن صحيفة ” الاقتصادية “