مفردات هجينة في لغة الإعلام والسياسة

مفردات هجينة في لغة الإعلام والسياسة

newspapers_media_thumb[1]

لا أدري من هو الذي أدخل مفردة “الكابينة الوزارية” على قاموس السياسيين العراقيين المستحدثين فصارت تتكرر في الإعلام بشكل يومي، ويستعملها الكبار والصغار وكأنها من أصل تراثنا اللغوي في السياسة والإعلام. ومن الواضح أنها ليست مفردة عربية، ففي صحاح اللغة للأصمعي توجد مفردة كبَن وهي جلدة لربط عنق الدلو أو هي ثنية الثوب والكُبنة هو المنقبض البخيل والكُبان داء يصيب الإبل .. وكبن عن الشيء: عدل عنه وصرفه يقال: كَبَنَ عنه لسانه: كفَّه. وكبن هديَّته عن جيرانه ومعارفه: صرفها إلى غيرهم.

أما الكابينة فهي كلمة أجنبية حتما وأكثر من يتشدق بها هم النواب وأعضاء الحكومة العراقية، بل بدأ البعض منهم يصرفها لغويا كأن يجعل منها فعل أمر فيقول “كبنوها وخلصونا”! يعني كونوا الكابينة! وآخر صرح قائلا بشكل جاد “يبدو الكابينة ما راح تتكبن”!

وحتى استعمالهم لها خطأ بالمعنى الذي يقصدونه، وهو التشكيلة الوزارية، إذ أن الكلمة كانت عن الانكليزية أو الفرنسية cabinet أو الألمانية والهولندية kabinett أو الأسبانية gabinete، فهي تعني من بين معاني عديدة مجلس الوزراء ولا يحتاج إلى تعريف أنه وزاري، لذا لا يصح أن نقول كابينة وزارية وكأننا نقول مجلس الوزراء الوزاري!

وعليه إن قلنا كابينة وزارية فكأننا نصف المعاني الأخرى لكلمة كابينة بأنها وزارية أي كأننا نقول “خزانة وزارية، أو حجرة صغيرة وزارية، أو قاعة مطالعة وزارية، أو حجرة خلع الملابس في المسبح، أو الحجرة التي ينام فيها المسافر في الباخرة أو مقصورة الطيار، أو حجرة التلفون العام أو خزانة في المطبخ، أو دولاب الملابس، أو صندوق المعدات، فهذه كلها وغيرها هي من معاني كلمة كابينة الأجنبية … ومن معاني كابينة الأخرى مرحاض!”.

لقد شاعت هذه المفردة الأعجمية، “الكابينة”، واقتحمت لغة الإعلام العراقي وسادت في الشارع وبين المتظاهرين والمعتصمين، وهم ينتظرون الولادة المتعسرة لكابينة الدكتور العبادي التي يحاول البعض أن يحققها حتى ولو بعملية قيصرية أو صدرية، وأضافوا إليها وصف التكنوقراط واللامحاصصة، مع أن العديد من المعتصمين لأجلها هم من عرابيد المحاصصة والفساد، وهناك من يتهم بعض الذين يروجون لها بأنهم ما انظموا إلى ركب دعاتها إلا لحرف مسارها وقلب أهدافها وخلخلة الحركة بالانسحاب في ما بعد بشتى الحجج المثبطة!

ورب سائل يسأل “إذا كانت الحكومة والكتل السياسية والنواب والأحزاب والمنظمات والمتظاهرون والمعتصمون والأغنياء والفقراء والمدنيون والعسكريون والحاضرون والغائبون والمهاجرون والنازحون، والصغار والكبار والنساء والرجال، واليتامى والأرامل، والعاملون والعاطلون عن العمل والفلاحون والعمال، والمثقفون والأميون، والنزيهون والفاسدون، و…و.. كلهم يريدون “كابينة” تكنوقراط غير طائفية من دون أي شكل من أشكال المحاصصة، فمن ذا الذي يحول دون تحقيق هذا الحلم “الكابيني” عسير الولادة؟

كابينة الدكتور العبادي ذكرتني بفيلم كابينة الدكتور كاليغاري، أول فيلم رعب في تاريخ السينما العالمية (1919) للمخرج الألماني روبرت فيينه wiene الذي جسد فيه مواصفات أفلام الجريمة والإثارة والرعب والغموض والخوف وحتى السحر والشعوذة وحدوث غير المتوقع، باتباع أسلوب التعبيرية الألمانية، محققا أقصى حالات التوتر عند المشاهدين باستخدام مثير للضوء والظل والظلام والزوايا الحادة للديكورات وللكاميرا، وقد أصبح فيلم “كابينة الدكتور كاليغاري” قدوة لكل من جاء بعده من مخرجي ومنتجي أفلام الرعب والإثارة والخوف طوال مئة عام من صناعة السينما.

هذه المفردة الهجينة الدخيلة على لغة الإعلام والسياسة في عراق 2016، كابينة، هل ستغدو دلالة على حكومة رشيدة طموحة كما يحلم بها الناس الآن وفي المستقبل، أم أن كابينة الدكتور العبادي، هذا إن تحققت فعلا، ستحمل بعض ملامح فيلم “كابينة الدكتور كاليغاري” بما فيها من إثارة وغموض وخوف ومفاجأت!

فيصل الياسري

نقلا عن العرب