بدأت تداعيات إخفاق اجتماع الدوحة في تجميد إنتاج النفط، تلوح في الأفق، بعد إعلان روسيا أمس دراسة زيادة إنتاجها من الخام هذا العام إلى 540 مليون طن من الخام، الذي وصفته بأنه “واقعي إلى حد بعيد”، بعد أن كان يبلغ إنتاجها 534 مليون طن العام الماضي، ما ينذر بتجدد المخاوف من تخمة المعروض واشتعال المنافسة على الحصص السوقية وحرب أسعار خلال الفترة المقبلة.
وما زالت أصداء تعثر المنتجين في الدوحة تلقي بظلالها وتأثيراتها الواسعة على السوق، فيما راهنت الأوساط النفطية على تراجعات حادة في الإمدادات تقودها دول الإنتاج في أمريكا اللاتينية نتيجة الصعوبات الاقتصادية وقدم الحقول، وذلك علاوة على تراجعات قوية أخرى في الإنتاج قادمة من الكويت ونيجيريا والبرازيل إلى جانب تقلص الإنتاج الأمريكي بنحو 700 ألف برميل هذا العام، وهو الأمر الكفيل باستعادة التوازن في السوق بعيدا عن خطط تجميد الإنتاج التي بات من الصعب للغاية التوافق عليها في ضوء الخلافات الحادة بين المنتجين.
وتلقت أسعار النفط الخام الدعم الأكبر والأوسع أمس من إضراب عمال النفط في الكويت بسبب تقليص بعض امتيازاتهم وهو ما أدى إلى تقليص إنتاج الكويت بنحو 60 في المائة، وخفف من حدة وفرة المعروض نسبيا كنتيجة مباشرة ومؤقتة لهذه الأزمة.
وعليه قلص النفط الخام من خسائره التي منى بها يوم الإثنين وتجاوزت 7 في المائة، وذلك في إطار التداعيات السريعة والمباشرة لإخفاق اجتماع منتجي النفط في الدوحة بسبب التعنت الإيراني وإصرار طهران على زيادة الإنتاج.
من جهته، قال “الاقتصادية”روبين نوبل مدير شركة “أوكسيرا ” البريطانية للاستشارات المالية، إن إضراب عمال النفط في الكويت وازن نسبيا التأثير السلبي لتعثر اتفاق تثبيت الإنتاج في الدوحة، مشيرا إلى أن الإنتاج الكويتي هبط من ثلاثة ملايين برميل يوميا قبل الإضراب إلى 1.2 مليون برميل يوميا بتراجع للإمدادات تجاوز 60 في المائة.
وأشار إلى أن الأسعار فقدت 7 في المائة في أول يوم لإخفاق اتفاق الدوحة وكان يمكن أن يستمر نزيف الأسعار لولا التراجع المفاجئ للإنتاج الكويتي، الذي منح الأسعار بعض التماسك، موضحا أن روسيا وفنزويلا لم يفقدا الأمل بعد في الضغط لاستعادة التوازن معربا عن اعتقاده أن التفاوض على تجميد الإنتاج لن يتوقف، وأن متغيرات السوق سريعة وقد تفرض على المنتجين اتخاذ هذا القرار رغم صعوبته الحالية.
من ناحيته، أوضح لـ”الاقتصادية” الدكتور بيرنارد ماير أستاذ الكيمياء الجيولوجية في جامعة كالجاري في كندا، أن إشكالية تجميد الإنتاج انحصرت داخل الأعضاء في منظمة أوبك وهو ما يتطلب دورا أكبر للمنظمة في الفترة المقبلة نحو احتواء الخلافات وتفعيل منظومة العمل الجماعي خاصة في ضوء ترقب السوق للاجتماع الوزاري المقبل للمنظمة في حزيران (يونيو) المقبل.
وأشار إلى أن منتجي النفط في أمريكا اللاتينية توافقوا بسهولة في كيوتو على تجميد الإنتاج، وهم أدركوا أنهم مقبلون على تجميد وخفض الإنتاج بمعزل عن موقف أوبك حيث تعاني فنزويلا والمكسيك والإكوادور وكولومبيا والبرازيل من انخفاض الاستثمارات وقدم الحقول، ما يدفع نحو تقليص المعروض النفطي العالمي ويقود بالتالي إلى تعافى الأسعار تدريجيا.
وقال إن شركات النفط الأمريكية تلقت نتائج اجتماع الدوحة باستياء وغضب شديدين خاصة أنهم كانوا يعقدون أمالا واسعة على الاجتماع في دفع الأسعار إلى النمو، وبالتالي إمكانية استئناف نشاطهم في اقرب فرصة وتقليص حجم الخسائر.
ونوه إلى أن التوترات السياسية كانت حاضرة في مشهد اجتماع الدوحة وأثرت بشكل كبير، متمنيا أن تعمل جهود المجتمع الدولي في الفترة المقبلة على تجنيب سوق الطاقة تداعيات الخلافات السياسية.
ويقول لويس ديل باريو المحلل في مجموعة ” بوسطن ” للاستشارات الاقتصادية في إسبانيا، أن إخفاق اجتماع الدوحة كشف عن ضعف منظومة العمل الجماعي للمنتجين، كما نبه إلى أن البعض يعمل بشكل فردى وفى إطار السعي إلى تحقيق مصالح فردية سريعة وقصيرة المدى دون النظر إلى صالح ومستقبل صناعة النفط ككل.
وأضاف، أن إخفاق اجتماع الدوحة لفت النظر إلى الصعوبات الواسعة التي تواجه سوق النفط الخام من أجل استعادة توازنه مشيرا إلى أنه من الواضح أن التعافي من انهيار الأسعار بات مهمة صعبة وطويلة، ما يجعل الأزمة الراهنة من أصعب الأزمات والدورات الاقتصادية التي تعرض لها السوق.
وأشار إلى تواصل جهود شركات النفط الصخري لتقليل التكاليف والتأقلم مع مستويات منخفضة للأسعار، وذلك عن قناعة بأن الأسعار الرخيصة سوف تستمر بعض الوقت كما لجأ كبار المنتجين إلى خطط لتطوير القطاعات غير النفطية وتنويع الموارد إدراكا منهم لتغييرات جوهرية وربما دائمة قد حدثت في السوق.
وارتفعت أسعار النفط العالمية بالسوق الأوروبية يوم الثلاثاء للمرة الأولى في خمسة أيام، وبحلول الساعة 08:30 بتوقيت جرينتش ارتفع الخام الأمريكي إلى مستوى 40.20 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 39.99 دولار، وسجل أعلى مستوى 40.56 دولار وأدنى مستوى 39.56 دولار.
وارتفع خام برنت إلى 43.50 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 43.15 دولار، وسجل أعلى مستوى 43.86 دولار وأدنى مستوى 42.59 دولار.
من جانب آخر، فقد تراجعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 36.58 دولار للبرميل يوم الإثنين مقابل 38.05 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” الثلاثاء إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق انخفاضا حادا، وهو ثالث انخفاض للسلة على التوالي وإن السلة خسرت اقل من دولار مقارنة بتعاملات اليوم نفسه من الأسبوع السابق والذي سجلت فيه 37.02 دولار للبرميل.