مع اشتداد الحملات الانتخابية الداخلية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لاختيار الأسماء التي ستترشح للانتخابات الرئاسية، أصبح المشهد السياسي الأميركي الداخلي أكثر حساسية وتأثرا بكل التحركات الدولية، خاصة في ما يتعلق بملف الشرق الأوسط وإيران. ويبرز ذلك من خلال الانشقاق الداخلي بين السياسيين الأميركيين (سلطة ومعارضة) حول نوايا روسيا وتحركاتها في سوريا.
فقد فاقمت الخطوات العسكرية الروسية الأخيرة في سوريا من حدة انقسامات داخل الإدارة الأميركية ذاتها حول إن كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يساند حقا مبادرة تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية أم أنه يستخدم المفاوضات لإخفاء دعم عسكري جديد للرئيس السوري بشار الأسد. فإعادة انتشار الجيش الروسي مؤخرا يبعث برسائل في كل الاتجاهات، خاصة الداخل الأميركي الذي يمثل رهانا روسيا أيضا. فقد صرح مسؤولون أميركيون في تصريحات صحافية بأن روسيا أعادت نشر قطع مدفعية قرب مدينة حلب. وأضاف المسؤولون الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم أنه في حين أن روسيا سحبت طائرات ثابتة الأجنحة في مارس فإنها عززت قواتها في سوريا بطائرات هليكوبتر متقدمة وجددت ضرباتها الجوية التي تستهدف جماعات معارضة يعتبرها الغرب معتدلة.
إعادة الانتشار هذه، تؤكد حسب مراقبين، أن روسيا تحافظ على دعمها العسكري لسوريا، الأمر الذي دفع ببعض المسؤولين الأميركيين إلى التحذير من أنها ستعتبر عدم الرد الأميركي على ذلك “علامة جديدة على تخاذل أميركي”. ويقولون إن ذلك قد يشجعها على تصعيد التحديات أمام الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها من خلال إجراء المزيد من المناورات الجوية والبحرية الاستفزازية.
وهم يرون أيضا أن إحجام الولايات المتحدة عن الرد سيلحق المزيد من الضرر بعلاقاتها بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى التي تسعى للإطاحة بالأسد وكذلك بصلاتها بتركيا التي تطلق نيران مدفعيتها على أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. ويؤكد المسؤولون أن استراتيجية أوباما هي التي قادت إلى مثل هذه الوضعية.
وفي الحين الذي تطالب فيه بعض الشخصيات داخل الكونغرس أو البيت الأبيض بتدخل أميركي من نوع خاص في سوريا حتى تختبر الولايات المتحدة ردة فعل روسيا، فإن أصواتا أخرى تؤكد ضرورة ضبط النفس وعدم التدخل أكثر من النسبة التي عليها أميركا الآن. إذ يوجد بعض المسؤولين الآخرين من بينهم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس يعترضون على أي تصعيد كبير للتدخل الأميركي في سوريا. وقال مسؤول على دراية بالجدل الداخلي “رايس هي الشوكة في الحلق”.
وأوباما نفسه عازف عن تصعيد التدخل الأميركي في الحرب وقال في أكتوبر الماضي إن واشنطن لن تنزلق في “حرب بالوكالة” مع موسكو. وتركز إدارته أكثر على تصعيد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على منطقة شاسعة بشمال شرق سوريا. وأحجم البيت الأبيض عن التعليق على أي جدل داخلي بخصوص سوريا أو نوايا بوتين.
هذا الصراع داخل أروقة السلطة له معنى رئيسي واحد وهو أن عملية اقتسام النفوذ بين القوتين العظمتين في العالم تجري الآن على الأرض في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن الحديث قد كثر في الآونة الأخيرة عن تثبيت جديد للأقدام الأميركية في العراق بينما يتم فك الارتباط بسوريا لصالح روسيا تدريجيا، لذلك يؤكد العديد من المراقبين أن سياسة أوباما قد فشلت في حماية الحلفاء العرب وبسط النفوذ معا.
ويقول خبراء إن انعكاس هذه القراءة يرى بالعين المجردة في تطورات المفاوضات التي تجري في جنيف 3 والتي عبر فيها الكثير من الوجوه البارزة للمعارضة السورية عن تخوفهم من الاتفاق حول “إعطاء صلاحيات واسعة لبشار الأسد في ترؤسه للمجلس الرئاسي الانتقالي الذي يتكون من شخصيات معارضة أيضا، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى الانقلاب عليه”، حسب تصريح المعارض السوري سمير سطوف عضو المجلس الوطني السوري المعارض الذي أكد أن “ما جرى ويجري في جنيف اليوم، يندرج ضمن نطاق المتوقع دون أدنى مفاجأة، فاﻷطراف الراعية بطرفيها المهيمنين أميركا وروسيا تدفع اﻷمور نحو الاستعصاء”.
وتبقى التحليلات الأدق بين أيدي القيادات العسكرية الميدانية الأميركية في الشرق الأوسط، وقد أحجمت العديد منها على إعطاء المزيد من التفاصيل حول الانتشار الروسي الجديد في سوريا وذلك لعدم الكشف عن نوايا روسيا والولايات المتحدة في رسم مفترض لخارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة.
صحيفة العرب اللندنية