خلال الأسابيع القليلة الماضية وما شهدته من اضطرابات سياسية بالولايات المتحدة لم يكن سلوك الرئيس دونالد ترامب هو الأمر الأكثر لفتا للانتباه وإنما سلوك الحزب الجمهوري.
بهذه المقدمة استهلّ الكاتب الصحفي الأميركي فريد زكريا مقالا له بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) تحت عنوان “هل دفع ترامب الحزب الجمهوري إلى نقطة الانهيار؟” حاول خلاله استشراف مآلات الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، وما يمكن أن تؤول إليه أمور الحزب الجمهوري في ظل تصرفات ترامب.
يرى زكريا أن ترامب تصرف كما وعد، فقد طعن في نتيجة الانتخابات، ورفض الالتزام بالتداول السلمي للسلطة، وشجّع التطرف بل حتى العنف، ولكن اللافت كان سلوك الجمهوريين، فحتى بعد الهجوم على الكونغرس، لم يصوّت من أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب لعزل ترامب سوى 10 أعضاء فقط.
وحتى بعد ساعات قليلة من اقتحام أنصار ترامب للكونغرس، والكلام للكاتب، صوتت غالبية الجمهوريين في مجلس النواب، بمن فيهم زعيمهم، كيفين مكارثي، بما يتماشى مع مطالب الغوغاء، في محاولة لإلغاء انتخابات شرعية والإطاحة بحكومة منتخبة.
وتساءل الكاتب هل سيضع هذا الولاء والخنوع للزعيم ترامب بعض الساسة الجمهوريين في عزلة، وهل يمكن أن يكون ترامب قد دفع بالحزب أخيرًا إلى نقطة الانهيار؟
شيء من التاريخ
ويشير زكريا إلى أن الناس يفترضون عادة أن الأحزاب السياسية خالدة، لكنها يمكن أن تموت. وقد كان الحزب الفدرالي، أول حزب سياسي في الولايات المتحدة بقيادة ألكسندر هاملتون وجون آدامز، لكنه انحرف نحو الاستبداد وفقد تماسكه الأيديولوجي ونزاهته. وكان مصيره الانهيار بعد معارضته لحرب 1812 (التي شهدت أول اقتحام لمبنى الكونغرس) والتي اعتبرت خيانة.
كما يرى أن هناك أوجه شبه بين انهيار الحزب الفدرالي وما يحدث اليوم في الولايات المتحدة، إذ إن حزب اليمين، الذي تأسس كحزب معارضة للرئيس أندرو جاكسون، كان يضم فصائل مؤيدة للرق وأخرى مناهضة له.
وفي عام 1848، حاول الحزب الالتفاف على انقساماته من خلال ترشيح جنرال مشهور، يدعى زاكاري تايلور، من ملاك العبيد لم تكن له سابقة عمل في مجال السياسة، لذلك عارض ترشيحه معظم أعضاء الحزب.
وبالرغم من إحرازه الفوز في الانتخابات، فقد أدى ترشيحه إلى انشقاق الأعضاء المناهضين للعبودية عن الحزب، وساهموا في تأسيس الحزب الجمهوري، وبحلول أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر، كان الحزب اليميني في طي النسيان.
عوامل التفكك
يضم الحزب الجمهوري الحديث العديد من الفرقاء المتعايشين بشكل غير مريح منذ أمد بعيد، فهناك الليبراليون والإنجيليون والمدافعون عن حقوق الدول والعنصريون، وفقا للمقال.
وقد تمكن أولئك الفرقاء من تجاوز انقساماتهم لعقود، لكن عاملين مهمين أدخلا الحزب في أزمة خلال السنوات الأخيرة.
العامل الأول هو أن حرب العراق والأزمة المالية العالمية كسرا ظهر الحزب الجمهوري، وفتحا الطريق أمام ترامب، الذي استطاع إقناع قاعدة الحزب لا نُخَبه، من خلال استخدام خطاب ثقافي وعرقي.
أما العامل الثاني فهو وعي قادة الحزب المتزايد بحقيقة كونه ليس حزب أغلبية.
فخلال الانتخابات الرئاسية الثمانية الماضية، لم يفز المرشحون الجمهوريون للرئاسة بالتصويت الشعبي سوى مرة واحدة فقط في عام 2004، على خلفية هجمات 11 سبتمبر/أيلول والأيام الأولى لحرب العراق، وهو اتجاه غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة وفقا للكاتب.
وقد مكّن المجمع الانتخابي ومجلس الشيوخ، إلى جانب الغش وقمع الناخبين، الحزب الجمهوري من الفوز بالسلطة دون الفوز بأغلبية، وهو ما جعل استجابته أقل لمطالب الأغلبية والنخب الوطنية ووسائل الإعلام الرئيسية، فقد وجد طريقة للفوز من خلال خلق حقائقه الخاصة به ونظرياته وأبطاله.
ويشير زكريا إلى أن شعبية الحزب الجمهوري تتقلص بشكل ملحوظ، كما تراجعت شعبية ترامب، وإذا استمرت هذه الاتجاهات فقد نرى تغيرا خطيرا.
وختم الكاتب بأن استمرار تلك العوامل المذكورة آنفا قد يقود لانشقاق بعض الجمهوريين -على مستوى النخبة وكذلك ضمن الناخبين العاديين- عن الحزب، والذين لن يستسيغوا أن يكونوا من شيعة عائلة ترامب، وبذلك يتحول الحزب الجمهوري إلى حزب أقلية في معظم مناطق الولايات المتحدة.
المصدر : واشنطن بوست