نشرت صحيفة “فوراين بوليسي” الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن استعمال تنظيم الدولة لأسلحة كيميائية ضد الأكراد في العراق وسوريا، وموقف الولايات المتحدة في مواجهة هذه الاعتداءات.
وتجاهلت الدول الغربية خطر الأسلحة الكيميائية على الأكراد، رغم أن زعماء الطائفة الكردية في العراق أطلقوا نداء استغاثة للدول الغربية لتزويدهم بأقنعة غاز في مواجهة الهجمات المحتملة لتنظيم الدولة.
كما أن هناك أدلّة واضحة على استعمال تنظيم الدولة لأسلحة كيميائية خلال عملياته في شمال العراق، حيث قامت عناصر من التنظيم منذ أسبوع باستهداف مواقع كردية تتمركز فيها قوات البشمركة بقذائف الهاون.
وبعد هذه الهجمات، اشتكى مقاتلو البشمركة من شعور غريب بالغثيان، حرقة في العينين، والتقيؤ بصفة متكررة، وهي أعراض تحدث بعد استنشاق الأشخاص لغاز خردل الكبريت، الذي استعمله تنظيم الدولة بصفة متكررة في معاركه خلال الأشهر الأخيرة.
هذا وقد خذلت الولايات المتحدة والغرب الأكراد، الذين أصبحوا يشعرون بقلق متواصل من تأخر المعدات التي يحتاجونها لحماية أنفسهم من سيناريوهات أكثر خطورة، خاصة وأن التاريخ الكردي يؤكد أن هذه الطائفة كانت دائما ضحية الهجمات الكيميائية، ففي شهر آذار/مارس من سنة 1988، تعرض الأكراد في مدينة حلبجة بين الحدود العراقية الإيرانية في عهد صدام حسين لهجمات بغاز الأعصاب، وغاز الخردل، ما أدى إلى سقوط أكثر من 5000 قتيل، ضمن أسوء هجوم كيميائي في تاريخ الأكراد.
كما تعرض الأكراد لهجمات متكررة من طرف تنظيم الدولة خلال السنة الأخيرة، وقام خلالها باستعمال أسلحة كيميائية، أدّت إلى مقتل مئات الأشخاص بين مدنيين وجنود أكراد.
ويمثل الأكراد حليفا استراتيجيا للغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة في حربهم ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، لكن المساعدات الأمريكية في مواجهة خطر الأسلحة الكيميائية لتنظيم الدولة، لازالت غير كافية، فالقوات الكردية في حاجة إلى 65 ألف قناع غاز، لجنودها الذين يتمركزون في الخطوط الأمامية ضد تنظيم الدولة، لكن الولايات المتحدة وشركائها لم يوفروا سوى 6 آلاف قناع.
كما قامت الولايات المتحدة بتوفير أقنعة الغاز لكتيبتين مكونتين من 4 آلاف عنصر، قامت بتدريبها في وقت سابق، على حد تعبير الجنرال في القوات الكردية، إسماعيل هازهار، الذي أكد أن حليفهم الأمريكي وعد بتوفير 5 آلاف قناع إضافي.
هذه الوضعية جعلت الطائفة الكردية تشعر بالكثير من القلق من إمكانية التعرض لهجوم واسع بالأسلحة الكيميائية، خاصة وأن قوات التحالف الدولي تنوي شنّ هجمات واسعة بالاشتراك مع القوات العراقية لتحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة، الذي يخشى الأكراد أنه لازال لديه مخزون كبير من الأسلحة الكيميائية.
وقد سافر وفد يضم نائب رئيس وزراء إقليم كردستان، قباد الطلباني، إلى واشطن الأسبوع الماضي، لنقل مخاوف الأكراد للحكومة الأمريكية، ومناقشة مشاغل الطائفة الكردية مع البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.
ويراهن الأكراد على دعم الولايات المتحدة لهم في حربهم ضد تنظيم الدولة، بعدما أصبحت الحكومة المركزية في بغداد عاجزة عن ضمان الاستقرار السياسي، وهو ما يهدد مستقبل رئيس الوزراء الحالي، حيد العبادي، الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة.
وأوضح مسؤولون في الإدارة الأمريكية أنّ البيت الأبيض ليس متأكدا من قدرته على توفير أقنعة غاز كافية للأكراد، في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون الأكراد لإقناع الإدارة الأمريكية بتوفير هذه المعدات في شكل مساعدات، بسبب العجز المالي الذي تواجهه حكومة كردستان بعد تراجع مواردها المالية بسبب انخفاض أسعار النفط منذ أشهر، ما أدّى إلى ظهور عجز شهري بلغت قيمته 100 مليون دولار.
وقد استجابت الولايات المتحدة لبعض المطالب الكردية، بعدما أعلن وزير الدفاع الأمريكي في الأسبوع الجاري، عن دفعة مساعدات مالية تبلغ 415 مليون دولار، بهدف مساعدة الحكومة الكردية على تمويل الحرب التي تخوضها ضد تنظيم الدولة، لكنه امتنع عن الإجابة عما إذا كانت هذه المساعدات تشمل أقنعة الغاز.
ويأتي استعمال تنظيم الدولة لأسلحة كيميائية في وقت أصبح فيه التنظيم أكثر ضعفًا، بعدما خسر 40 في المائة من المناطق التي يسيطر عليها، وتراجعت موارده المالية بسبب انخفاض أسعار النفط، وتأثرت قدرته القتالية بمقتل أبرز قادته في غارات أمريكية.
ما جعل تنظيم الدولة يقوم بتعبئة المواد الكيميائية في أسلحته التقليدية، مثل الهاون والصواريخ قصيرة المدى، مثل غاز الخردل، الذي يمكن أن يؤدي التعرض له إلى ظهور بثور على الجلد، والرئتين.
إلا أن تنظيم الدولة، على عكس بشار الأسد، لا يمكن الضغط عليه بالطرق الدبلوماسية أو فرض عقوبات اقتصادية عليه بهدف وقف جرائمه، رغم أن هذه الإجراءات بدورها أثبتت فشلها في وقف جرائم بشار الأسد، الذي تشير الأدلة إلى استعماله للأسلحة الكيميائية خلال عملياته العسكرية.
فوراين بوليسي – التقرير