أفرزت أزمة انهيار اسعار النفط التي عصفت بالاقتصاد العالمي منذ صيف عام 2014، حالة من البحث عن بدائل لدى الدول المنتجة ،ونشرت حالة من الرعب بعد ان هوت الاسعار الى ما دون 30 دولارا للبرميل ، وقد بدأت الدول بشكل جاد البحث عن التنوع في اقتصاداتها لتخرج من حالة الريعية التي هيمنت عليها منذ عقود طويلة .
في هذا الإطار أعلنت المملكة العربية السعودية عملاق النفط العالمي وأكبر المنتجين في منظمة ادول المصدرة للبترول (أوبك) في 25 نيسان / أبريل الحالي عن خارطة طريق لاقتصادها لتبدأ حقبة جديدة تقوم على التنوع الاقتصادي وأنهاء عصر الاعتماد على النفط بعنوان مشروع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تهدف إلى إنهاء اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط كمصدر اساسي للايرادات .
وتضمنت “رؤية السعودية” التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، 3 تقسيمات رئيسية هي اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح.
وقد علق الامير على البنية الاقتصادية للمملكة بأنها تعيش “حالة إدمان نفطية” عطلت تنمية القطاعات الأخرى، وأشار في مؤتمر عقده بالرياض إلى أن “المملكة أدارها الملك عبد العزيز ورجاله دون نفط”
وهنا سنستعرض اهم ما جاءت به “رؤية السعودية” و ما تناوله بيان ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ال سعود وهي كما يلي :.
- ستعمل المملكة على تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بتريليوني دولار إلى 2.5 تريليون دولار ليصبح بذلك “أضخم” الصناديق السيادية عالميا.
- طرح جزء من الاكتتاب في الشركة العربية السعودية للنفط المعروفة باسم “أرامكو” وهي الشركة الأكبر على مستوى العالم.
- رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وتقدم ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى 25 عالمياً، ورقم 1 إقليمياً.
- رفع نسبة الاستثمارات الأجنبي المباشر من إجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى المعدل العالمي 5.7%
- الانتقال من المركز 25 في مؤشر التنافسية العالمي إلى أحد المراكز الـ10 الأولى.
- وفيما يتعلق بالاستثمار فإن المستهدف هو رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى ما يزيد على 7 تريليونات ريال سعودي، كما تضمنت الرؤية رفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من 40% إلى 75%. ومن المستهدف زيادة حجم الاقتصاد السعودي وانتقاله من المرتبة 19 إلى المراتب الـ15 الأولى على مستوى العالم.
- تستهدف رؤية السعودية رفع نسبة تملك السعوديين للمنازل من 47% إلى نحو 52% بحلول عام 2020.
- رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30%.
- تحفيز ودعم إسهام المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 35%.
- تضمنت الرؤية ايضا محاربة وتخفيض معدل البطالة من 11.6% إلى 7%.
- تسعى “رؤية السعودية” الى ايجاد مجتمع حيوي ، عبر زيادة متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عاماً، والارتقاء بمؤشر رأس المال الاجتماعي من المرتبة 26.
- زيادة إنفاق الأسر داخل المملكة على الثقافة والرفاه الاجتماعي من 2.9% إلى 6%، ورفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو إلى الضعف على الأقل.
- رفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1% إلى 5%، ورفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6% إلى 10%.
- على صعيد السياحة الدينية تستهدف “رؤية السعودية” توسعة كبيرة للحرم زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من 8 ملايين إلى 30 مليون معتمر.
- ونحو تطوير الحكومة والاداء الحكومي تسعى “رؤية السعودية” الى الانتقال من المركز 36 إلى المراكز الـ5 الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، والوصول من المركز 80 إلى المركز 20 في مؤشر فاعلية الحكومة، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 ملياراً إلى 1 تريليون ريال سنوياً.
- تضمنت الرؤية “تحويل أصول أراضي الدولة أيضا إلى صندوق الاستثمارات لتطوير وحل مشاكل المدن”.
- أكد الامير محمد بن سلمان إن جسر الملك سلمان المزمع إنشاؤه لربط المملكة بمصر سيكون “أكبر معبر بري في العالم”، وأنه “سيوفر فرصا ضخمة للاستثمار والبناء”.
- استثمار الموقع الجغرافي سيجعل البضائع تمر من خلال السعودية بمئات المليارات”.
- وتعهد بفتح المملكة للسياح من مختلف الجنسيات، كاشفا أن مشروع البطاقة الخضراء (غرين كارد) سيمكّن العرب والمسلمين من العيش طويلا في المملكة، وأنه سيكون بذلك رافدا من روافد الاستثمار.
- وأضاف أن المملكة “ستنشئ شركة قابضة للصناعات الحكومية، وستطرح في السوق نهاية ٢٠١٧”.
- وفي خطوة لافتة، قال الأمير محمد بن سلمان إن التعريفة الجديدة لأسعار الكهرباء والماء ستطبق على الأمراء والأثرياء، مشيرا إلى أن الأثرياء الذين سيعترضون على إعادة تعريفة الدعم “سيصطدمون بالشارع”.
- وذكر الامير أن “وزارة المياه فشلت في إعادة هيكلة دعم المياه”، وأنه “لا يجوز أن يذهب دعم الطاقة والمياه إلى الأثرياء”، مضيفا أن هذا الدعم سيكون “لأصحاب الدخل المتوسط وما دون المتوسط”.
لقد وضعت رؤية السعودية جدول أعمال موسعا لتحقيقها، كما تشمل إصلاحات جذرية في الموازنة العامة، وتغييرات تنظيمية.وتتضمن الخطة في تحديد أهدافها الاقتصادية للأعوام الـ 15 المقبلة وصولا الى العام 2030 .
وكما هو معلوم لا تخلو اي خطة من معوقات او عراقيل قد تقف في طريقها ،ووفقا لمحللين اقتصاديين، فإن أهم التحديات التي تواجهها الخطة ؛ هو مدى قدرة الوزارات الحكومية على تحمل متطلبات التحول الوطني الذي يعتمد في مدخلاته على فكر القطاع الخاص، خاصة ما يتعلق منه بالإنتاجية، والقياس، والعمل وفق خطط استراتيجية للوصول إلى تحقيق أهداف محددة.
في الختام يمكن القول ان مشروع “رؤية السعودية 2030” أنه طموح جدا ، ويؤسس لأرضية صلبة نحو اصلاح اقتصادي واجتماعي شامل يقوم على تقليل الاعتماد على النفط كمصدر اساسي للواردات ، ناهيك عن تفعيل دور مختلف القطاعات المختلفة ، ومواجهة التحديات التي تواجه الشباب والمواطنين ، وتأسيس لدور فاعل للمرأة السعودية ، والانفتاح على العالم الخارجي، اهداف طموحة وتحديات ليست بالسهلة ، لكن السعودية قادرة على تجاوز هكذا عقبات ، نظرا لاقتصادها المتين والوفرة المالية الكبيرة التي حققتها من العوائد النفطية ، والسياحة الدينية وحتى قبل هذا المشروع كانت وما زالت الصناعات البتروكيماويات مكانة كبيرة بين الشركات العالمية ، وهنا لابد من القول ان الرؤية السعودية تجربة تستحق الثناء والدعم ، وقد تكون تجربة متميزة تحذو حذوها عدد من الدول الخليجية والعربية مستقبلا .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدارسات الاستراتيجية