اعتبرت إيران يوم الأحد في 17 كانون الثاني (يناير) 2016، موعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى بقيادة الولايات المتحدة، يوماً تاريخياً لها، إذ شمل رفع كل العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي. ووصف الرئيس حسن روحاني اليوم بأنه «صفحة ذهبية في تاريخ بلاده»، خصوصاً لجهة فك الحصار الاقتصادي والمالي وعودة إيران إلى التفاعل مع الاقتصاد العالمي، ما من شأنه أن يساهم في إعادة إنعاش اقتصادها الذي عانى الانكماش والركود طوال أكثر من ثلاثة عقود.
ومع الإعلان عن خطط ومشاريع استثمارية لشركات غربية في إيران، توقع البنك الدولي أن يحقق الاقتصاد الإيراني نمواً في حدود خمسة في المئة العام الحالي، مرتفعاً من 2.8 في المئة نهاية العام الماضي و1.9 في المئة عام 2014، وذلك تزامناً مع رفع العقوبات الدولية. ورجح صندوق النقد الدولي أن يساهم رفع العقوبات في زيادة إنتاج النفط والصادرات، وخفض كلفة التجارة والتعاملات المالية الدولية، فضلاً عن عودة الاستثمارات الأجنبية التي في حال تحقيقها، سيساهم ذلك في تسريع معدلات النمو الحقيقي بنسب تراوح بين 4 و5.5 في المئة خلال العامين 2016 و2017، في حين تهدف حكومة طهران إلى تحقيق نمو بواقع ثمانية في المئة خلال السنوات العشر المقبلة، مع الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من مراقبي الشأن الإيراني يرون صعوبة في تحقيق تلك الأهداف، خصوصاً في ظل استمرار الصراع الداخلي القائم بين جناحين سياسيين.
سبق أن صنِّف الاقتصاد الإيراني قبل مضاعفة العقوبات، خصوصاً عام 2010، بأنه ثالث أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط والتاسع والعشرين في العالم، بحجم بلغ نحو 338 بليون دولار، لكن كنتيجة طبيعية لتطبيق العقوبات، تكبدت إيران خسائر شهرية تراوحت بين ثلاثة وخمسة بلايين دولار، وفق معلومات وزارة الخزانة الأميركية.
وإذا كانت الحكومة تهدف إلى تحقيق معدل نمو يساوي ثمانية في المئة سنوياً خلال السنوات المقبلة، ستحتاج إيران إلى استثمارات أجنبية مباشرة يصل حجمها إلى نحو 50 بليون دولار، وعلى أساس زيادة سنوية متوقعة بما قيمته 3.5 بليون دولار بدءاً من نهاية العام الحالي، ستكون في حاجة إلى استثمارات تقدر بنحو 185 بليون دولار بحلول عام 2020.
لا شك في أن تحقيق ذلك دونه صعوبات كثيرة، خصوصاً أن إيران، على رغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على بدء تنفيذ الاتفاق النووي، أصيبت بخيبات أمل لجهة عدم تحقيق أي تقدم في مسار رفع العقوبات الدولية عنها. ومع بدء تنفيذ الاتفاق النووي، أعلن المصرف المركزي الإيراني إعادة انضمام طهران إلى شبكة المدفوعات العالمية «سويفت»، وهي شبكة اتصالات مالية تمر عبرها كل الصفقات المالية في العالم والتي حرمت منها إيران منذ العام 2012 بسبب العقوبات. وأوضح المركزي أن مفاوضاته مع الشبكة توصلت إلى اتفاقات أعلنت «سويفت» بموجبها رسمياً إلغاء الحظر والسماح للمصارف الإيرانية الاتصال بنظام الرسائل المالية الدولية، بفروعها في الخارج ووكلائها في الداخل والخارج من دون تمييز، وكذلك الاتصال الجماعي والسريع للمصارف الملغاة عضويتها في الشبكة، إضافة إلى تسديد الديون المصرفية وإلغاء تجميدها عبرها.
وكان المصرف المركزي الإيراني يأمل بأن تلغي وزارة الخزانة الأميركية قرارها السابق بوصف إيران بأنها منطقة لغسل الأموال وشطب اسمها من سجل الفصل 311 من «قانون باتريوت». ولا تزال المصارف الأميركية ممنوعة من العمل مع إيران، وشمل هذا المنع المصارف الأوروبية ومعظم المصارف التي تقوم بتسوية الصفقات المالية وتسديد اعتماداتها، خوفاً من الغرامات التي قد تتعرض لها كما حصل لعدد من المصارف الكبيرة بسبب انتهاكها العقوبات المالية الأميركية. وأوضح عدد من المصرفيين الدوليين أن نحو 85 في المئة من تعاملات التجارة الدولية تُسوَّى مدفوعاتها بالدولار، لذلك تتجنب المصارف العالمية العمل مع إيران لئلا تتعرض إلى الأخطار التي تهدد مصالحها.
طبيعي أن تحد مشكلة تسوية المدفوعات المالية من صادرات إيران النفطية التي كانت طهران تتوقع أن تتضاعف من 1.2 مليون برميل إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً، على ان ترتفع في مرحلة لاحقة إلى نحو أربعة ملايين برميل. ولوحظ في هذا المجال أن صادراتها سجلت فقط نحو 1.6 مليون برميل يومياً في آذار (مارس) و1.75 مليون برميل في نيسان (أبريل)، في وقت تبدو فيه طهران في أمس الحاجة إلى إيرادات نفطية لسد العجز الحاصل في الموازنة العامة للسنة المالية 2015 – 2016 والذي تتجاوز قيمته نحو 15 بليون دولار، مع الأخذ في الاعتبار تراجع أسعار النفط.
وتطالب إيران الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع التجميد عن أصولها المصرفية، وهي في الوقت ذاته لا تعرف قيمتها وأماكن تجميدها. وبحث محافظ المصرف المركزي الإيراني ولي الله سيف في هذا الموضوع أخيراً مع مسؤولين في صندوق النقد والبنك الدولي، وكذلك مع وزير الخزانة الأميركي جاكوب ليو، لمعرفة الوصول إلى الأصول المصرفية الإيرانية المجمدة.
وهناك اختلاف حول تقدير حجمها وفق تنوع مصادرها، وهي تبدأ بـ50 بليون دولار ولا تنتهي بـ 150 بليوناً، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أشار إلى أن «حساباتنا تفيد بأن الرقم يقارب 55 بليون دولار، واستعادت إيران منه فقط ثلاثة بلايين». وسبق لمحافظ المصرف المركزي الإيراني أن أعلن في شباط (فبراير) الماضي أن إيران استلمت 32 بليوناً و600 مليون دولار من أموالها المجمدة. ولا بد من الإشارة إلى أن تصريحات مسؤولين في واشنطن لا تؤكد فقط استمرار العقوبات ضد إيران، بل تدعو كذلك إلى فرض مزيد منها وشمولها كيانات جديدة.
عدنان كريمة
صحيفة الحياة اللندنية