الاقتصاد التركي خلال 12 عاماً الأخيرة
استلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في البلاد عام 2002، بدعمٍ من الشّعب التركي. وكان ذلك التّاريخ بمثابة منعطفٍ وتحوّلٍ تاريخي في كافّة مناحي الحياة في تركيا. فعندما حلّ الاستقرار السياسي في البلاد، ظهر لدى الشّعب والمستثمرين نوع من الاطمئنان. حيث بدأت الاستثمارات والانتاج والاستهلاك تتزايد رويداً رويداً. كما طرأ تغيّر ملحوظ على الاستيراد والتصدير، إلى جانب الارتفاع في حصّة قطاع السياحة من الدّخل القومي.
وبالتزامن مع ما ذُكر، فإنّ العجز في التّجارة الخارجية بدأ يتضائل شيئاً فشيئاً. ونتيجة لكل هذا لم تؤثّر الأزمة الاقتصادية التي عصفت بكبرى اقتصادات العالم تأثير كبير في الاقتصاد تركيا.
والآن علينا أن نسأل: ما هو سرّ الخفي وراء نجاح الاقتصاد التركي خلال آخر 12 عام؟
أوّلاً: – الاستقرار السياسي: إنّ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السّلطة بمفرده، أعطاه نوعاً من القوة، ما دفعه إلى تنفيذ مشاريعه التنموية. فكلّنا نذكر أنّه خلال 78 سنة تعاقبت على حكم تركيا 57 حكومة، بينما انفرد حزب العدالة والتنمية لوحده خلال 12 عاماً الماضية.
– اكتساب الثّقة بالنفس: مع قدوم العدالة والتنمية إلى السلطة، ازدادت ثقة الشّعب التركي بقدراته وأصبح يؤمن بقدرته على الإنجاز.
– الإصلاحات الدّيمقراطية: أجرت حكومة حزب العدالة والتنمية مجموعة من الإصلاحات الدّيمقراطية التي من شأنها التسريع في عمليّة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فقد أطلقت الحرّيات الفردية وأجرت عدّة إصلاحات في المجال القضائي وعملت على احترام حقوق الإنسان.
– الإصلاحات الاقتصاديّة: عملت حكومة العدالة والتنمية على تسديد الدّيون العامّة والخارجيّة للدّولة التركية عن طريق اتّباع أنظمة مالية ناجحة.
– إعادة هيكليّة النّظام المالي في البلاد: فقد رأينا ثمرة هذه الخطوة من خلال التّطور الذي طرأ على البنوك العاملة في تركيا. فلم يعلن أيّ بنكٍ إفلاسه خلال فترة حكم العدالة والتنمية.
– اتّباع النموذج الإنمائي في مجال الصّادرات.
– انخفاض نسبة التضخّم في الاسواق: فمنذ أعوام طويلة كان التّضخّم يزيد على العشرة بالمئة بكثير، إلّا أنّ هذه النسبة تراجعت إلى مادون العشرة بالمئة خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية وخاصّة خلال آخر عشر سنوات.
– إنشاء العديد من المشافي والمدارس الحكومية.
– خصخصة معامل الدّولة وأنظمة توزيع الطّاقة الكهربائيّة، وكان من نتيجة ذلك إدخال 70 مليار دولار إلى خزينة الدّولة.
– إجراء إصلاحات شاملة في مجالي الصّحة والضّمان الاجتماعي، ومن خلال هذه الإصلاحات أصبحت الخدمات المقدّمة في هذين المجالين تضاهي الخدمات التي تقدّمها الدّول المتقدّمة في العالم.
لقد تمّ استثمار مبالغ كبيرة من الأموالٍ كبيرة في مجالات الطاقة والمواصلات البرية والبحرية والجويّة وتوسيع شبكة السّكك الحديدية وإنشاء القطارات السّريعة. كما تمّ إلى جانب هذا إعادة تخطيط وتنظيم المدن وإجراء تعديلات جذريّة في البنية التحتية لكل مدينة تركيّة.
– فيما يخصّ العلاقات التجارية الخارجية: فقد شهدت العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي عدّة عوائق من قبل ألمانيا وفرنسا والقبر اليوناني، فلم يطرأ تطوّر كبير على العلاقات بين الاتحاد وتركيا منذ عام 2004. ولهذا السبب أدارت تركيا وجهتها الاقتصاديّة نحو القارة الأفريقية ودول القوقاز وروسيا وأوكرانيا. ولا ننسى هنا العلاقات التجارية التي أقامتها تركيا مع دول منطقة الشرق الأوسط. حيث زادت تركيا من حجم التبادل التجاري مع هذه الدّول خلال العشر سنوات الماضية، فارتفعت نتيجة ذلك واردات السياحة التركيّة من هذه الدّول.
فقد زاد حجم الصّادرات التركية إلى هذه الدّول من 11 بالمئة في العام 2001 إلى 35 بالمئة في العام 2013. بينما كان حجم الصّادرات التركية إلى الاتحاد الأوروبي 60 بالمئة في تلك الفترة. لكنّها تراجعت خلال الأعوام الماضية إلى 40 بالمئة ومع حلول العام 2014 ازدادت هذه النسبة قليلاً لتصل إلى 45 بالمئة. وفي المحصّلة فإنّ جدول الاقتصاد الكلّي لتركيا بين أعوام 2002 و2013 يشير إلى مايلي:
1 – لقد أصبح الاقتصاد التركي في المرتبة السّابعة عشر عالميّاً والسّادسة في القارّة الأوروبية. فمتوسّط النمو الاقتصادي في تركيا ما بين أعوام 2002 و2013 بلغ 5.1 بالمئة، بالإضافة إلى أنّ متوسّط النمو الحقيقي للاقتصاد التركي بين عامي 2010 و2013 بلغ 6.1 بالمئة.
2 – ارتفع النّاتج القومي الإجمالي من 230 مليار دولار في العام 2002، إلى 820 مليار دولار خلال العام 2013.
3 – ارتفعت نسبة دخل الفرد الواحد من 3.300 دولار، إلى 10.800 دولار.
4 – تراجعت نسبة التّضخّم من 32 بالمئة إلى 7 – 9 بالمئة خلال عشر سنوات الماضية.
5- تراجعت نسب الفائدة من 65 بالمئة إلى ما دون العشرة بالمئة خلال الأعوام الماضية. وهذه النسبة اليوم تقارب 8.50 بالمئة.
5 – عجز الميزانيّة بالنسبة للدّخل القومي كان بحدود 16 بالمئة، أمّا الآن فقد تدنّت هذه النّسبة إلى حدود الواحد بالمئة.
6 – تراجعت نسبة الدّيون العامّة بالنسبة للدّخل القومي من 74 بالمئة إلى 36 بالمئة.
7 – ارتفعت قيمة الصّادرات التركية من 36 مليار دولار إلى 158 مليار دولار. أي ما يزيد على الأربعة أضعاف.
8 – ارتفع عدد الأيدي العاملة في تركيا منذ عام 2009 إلى الآن بما يزيد عن 5.8 مليون عامل.
9 – تمّ خفض اضطرابات توزيع الدّخل العام. فقد كانت نسبة التّفاوت في الدّخل بين طبقات المجتمع خلال عام 2002 تصل إلى 11 ضعفاً، بينما تراجعت هذه النسبة مع حلول عام 2013 إلى 7.7.
10 – واردات السياحة وصلت إلى 30 مليار دولار وذلك بعدد سيّاحٍ وصل إلى 36 مليون سائح خلال الفترة الماضية.
11 – أنشأت إدارة الإسكان العامة خلال 12 عاماً الماضية ما يزيد على 637.000 شقّةٍ سكنيّة. وكان الهدف منها هو الوصول إلى إنشاء مليون وحدة سكنيّة. كما أنشأت إدارة الإسكان العام خلال نفس الفترة 5474 مدرسةً ومستشفى وملاعب وصالات رياضةٍ وجوامع وقدّمتها لخدمة الشّعب التركي.
12 – فيما يخصّ مشاريع دعم البنية التحتية للبلديّات والأرياف (BELDES, KÖYDES) فقد أُقيمت في هذا المجال عدة مشاريع من بينها تعبيد الطّرق وتوصيل المياه والكهرباء للقرى التي لم تصلها هذه الخدمات. إلى جانب هذا فقد تمّ تخصيص عشرة مليارات لدعم الفلاحين في الأرياف وذلك من دون اشتراط إعادة هذا المبلغ.
13 – شهدت السياسات الاجتماعية عصرها الذهبي خلال الفترة الماضية. فقد تمّ تأمين المساعدات الاجتماعيّة للملايين من المعاقين والمعمّرين وذوي الاحتياجات الخاصّة والفقراء.
14 – تمّ إنشاء العديد من سكك القطارات السريعة التي تربط عدّة ولاياتٍ ببعضها. كما تمّ إنشاء سكّة ميترو مرمراي الذي يربط بين قطبي مدينة إسطنبول الأوروبية والآسيوية كما يتمّ إنشاء الجسر الثالث فوق مضيق البوسفور والذي سيكون أكبر جسر في العالم يحمل سكة حديد. بالإضافة إلى ذلك تمّ افتتاح ما يزيد على 30 مطارٍ في عدد من المحافظات التركية. وما زال العمل جارياً على إتمام مطار إسطنبول الدّولي الثّالث ونفق أوراسيا الذي سيربط بين قطبي مدينة إسطنبول الآسيوية والأوروبية بطريق للسيارات تحت سطح الماء.
15 – وصل عدد مشتركي الهواتف النّقّالة في تركيا خلال الفترة الماضية إلى 68 مليون مشترك. كما وصل عدد مستخدمي شبكة الإنترنت إلى 38 مليون مستخدم.
16 – فيما يتعلّق بخدمات التّعهّدات الخارجية، فقد شهد هذا القطاع قفزةً نوعية خلال 12 عاماً الماضية، حيث نجحت شركات الإنشاء التركية بالظفر بمناقصات تصل قيمتها إلى 260 مليار دولار وقد أتمّوا كل الأعمال التي استلموها بنجاح.
17 – تضاعف إنتاج واستهلاك الطّاقة الكهربائيّة خلال الـ12 عاماً الماضية. وأصبحت تركيا مركزاً لنقل الغاز والبترول لمنطقة أوراسيا خلال المدّة الماضية.
18 – ارتفع عدد السيارات المستخدمة في تركيا من سبعة ملايين سيارة إلى 18.5 مليون سيارة. كما بلغت عائدات السيارات المصدّرة من تركيا إلى دول العالم 20 مليار دولار.
19 – بينما كانت الخطوط الجوية التركية تشغل المرتبة 22 عالمياً قبل 11 عاماً، نجد أنّ هذه الشّركة أصبحت اليوم تشغل المرتبة الثّالثة أوروبياً من حيث الجودة.
20 – تمّ إنشاء أكثر من 17 ألف كيلومتر من الطّرق المزدوجة في كافة أنحاء البلاد.
21 – خلال العشر سنوات الماضية تمّ بيع ما يقارب المليون وحدة سكنية خلال كلّ عام.
22 – بلغ حجم الاستثمارات الأجنبيّة (FDI) خلال 78 عاماً في تركيا، 15 مليار دولار. بينما تجاوز هذا الرّقم خلال 11 سنة الماضية فقط 150 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك فإن عدد الشّركات الأجنبية التي تمّ إنشاؤها في تركيا خلال 78 عام، وصل إلى 5 آلاف شركة. بينما وصل هذا الرّقم خلال 11 سنة الأخيرة إلى 40 ألف شركة أجنبيّة.
23 – تمّ إنشاء 222 ألف قاعةٍ مدرسية جديدة وذلك لتطوير العلم والبحث العلمي في تركيا. بالإضافة إلى إنشاء ما يزيد على 100 جامعة إضافية ليبلغ عدد الجامعات الحكومية في تركيا 180. وذلك ضمن إطار تحقيق الأهداف العلمية المنشودة.
24 – ارتفع حجم الإنفاق العام على الأبحاث العلميّة بالنسبة للدّخل القومي من 0.53 إلى 1 بالمئة.
لقد أنجزنا عملاً رائعاً خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية على كافّة الأصعدة. فهذه الأرقام التي ذكرناها، حقيقيّة. لا سيما أنّ البلدان التي يعاني اقتصادها من التّضعضع، لا يمكن في أي حالٍ من الأحوال أن ينجح فيها حزب واحد في تسع انتخابات متتالية. ونجاح حزب العدالة والتنمية في كل هذه الانتخابات منذ تأسيسه، دليل واضح على النّجاح الاقتصادي في هذا البلد.
فقد فاز حزب العدالة والتنمية في ثلاثة انتخابات نيابيّة وفي ثلاثة انتخاباتٍ للمجالس المحليّة، ناهيك عن الفوز الكاسح في استفتائين شعبيّين وانتخابات رئيس الجمهوريّة التي جرت مؤخّراً في 10 آب/ أغسطس الماضي. ومثل هذا النجاح السياسي لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال كسب ودّ الشّعب ودعمه.
الدكتور عمر بولاط / رئيس جمعية الموصياد لرجال الأعمال والصناعين السابق
نقلا عن ترك بريس