لا يستطيع المرء في بريطانيا هذه الأيام أن يتجنب سماع ومشاهدة الحملة البائسة للفظ العالم والبصق في وجه الواقع والخروج من الاتحاد الأوروبي. إن زيارةالولايات المتحدة الأميركية كما فعلت أنا مؤخرا تعطي المرء بعض الراحة ولكن الثمن هو التغطية الكبيرة للانتخابات التمهيدية الرئاسية.
إن السباق الجمهوري هو سباق مقيت بشكل فاضح باستثناء أداء جون كاسيتش حاكم ولاية أوهايو الذي لن يتمكن من الفوز، لسبب بسيط هو أنه إنسان عادي. إن مشاهدة الحملات التحريضية والمليئة بالإهانات من خصومه (دونالد ترامب والسناتور تيد كروز) يجعل المرء يتحسر على الحزب القديم العظيم.
لقد كانت أول حملة انتخابية شاركت فيها قبل حوالي خمسين عاما في نيويورك وهي المدينة التي تبادل فيها المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون الضربات مؤخرا، وخرج منها ترامب والمرشحة الديمقراطية الأوفر حظا هيلاري كلينتون منتصرين.
“لا أحد يستطيع أن يتخيل قادة الجمهوريين في الستينات يشاركون في حملات انتخابية إلى جانب المرشحين الرئيسيين للحزب الجمهوري اليوم، فكروز هو شخص عدواني من الناحية الإيديولوجية، بينما يعتبر ترامب شخصا عدوانيا بدون أية أيديولوجية على الإطلاق”
ففي منتصف الستينات كان زعيما الولاية والمدينة الحاكم نيلسون روكفيلر والعمدة جون ليندزي من الجمهوريين، وكان عضوا مجلس الشيوخ عن المدينة كينيث كيتينج وجاكوب جافيتس من الجمهوريين كذلك. إن هؤلاء المعتدلين السياسيين والعديد من الجمهوريين الآخرين في الستينات كانوا يعكسون حزب إبراهام لنكولن من خلال اتجاهات يمكن تحديدها بسهولة.
لقد كان هؤلاء يؤمنون بالعمل الدولي كما آمنوا بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص -على سبيل المثال سجل الرئيس دوايت أيزينهاور في بناء نظام الطرق السريعة بين الولايات- وفوق ذلك كله كان هؤلاء يؤمنون بالمشروع الاندماجي الذي ما زال يمثل المهمة الحضارية للبلاد.
لا أحد يستطيع أن يتخيل قادة الجمهوريين في الستينات يشاركون في حملات انتخابية إلى جانب المرشحين الرئيسيين للحزب الجمهوري اليوم، فكروز (انسحب من السباق الانتخابي) هو شخص عدواني من الناحية الإيديولوجية، بينما يعتبر ترامب شخصا عدوانيا بدون أية أيديولوجية على الإطلاق.
من ناحية أخرى؛ أعتقد أن الجمهوريين السابقين لن يجدوا أية صعوبة في تأييد كاسيتش، وهو حاكم محافظ ناجح، دافعه الأساسي هو ببساطة أنه لا يكره الناس سواء في حزبه أو في الحزب الديمقراطي، ويبدو أن هذا مصدر ضعفه كناخب؛ فالزبد لا يخرج من فمه، ولذا يبدو شخصا عاقلا، يا لها من جريمة!.
أن تكون إنسانا عاديا فهذا على ما يبدو ليس كافيا في الحزب الجمهوري اليوم، حيث يدفع الحزب الثمن لاستسلامه وهو في حالة من الذعر على مر السنين للمتعصبين من حزب الشاي والمدعومين بشكل مخز من خزائن الكنوز الكبيرة لما نهبه المليارديرات، إن الإذعان لهذا التحامل المخيف والمدعوم ماليا قد ترك الأشخاص المنطقيين والقابلين للانتخاب في الحزب الجمهوري في حالة من التدهور الأخلاقي والسياسي.
والآن يبدو أن هناك محاولات حثيثة في آخر لحظة من قبل مؤسسة الحزب لإقناع أنفسهم بأن كروز -وهو شخص متطرف يتصف بالغطرسة والبلطجة- ليس سيئا كما كانوا يصفونه دوما، فهم يخشونه بشكل أقل كمرشح رئاسي للحزب مقارنة بخشيتهم من غريمه ترامب.
“الآن يبدو أن هناك محاولات حثيثة في آخر لحظة من قبل مؤسسة الحزب الجمهوري وقادته لإقناع أنفسهم بأن كروز -وهو شخص متطرف يتصف بالغطرسة والبلطجة- ليس سيئا كما كانوا يصفونه دوما، فهم يخشونه بشكل أقل كمرشح رئاسي للحزب، مقارنة بغريمه ترامب”
أما على الجانب الديمقراطي فإن المعركة بين عضو مجلس الشيوخبيرني ساندرز ووزيرة الخارجية السابقة والعضوة الحالية في مجلس الشيوخ الأميركي هيلاري كلينتون ليست بقذارة الفريق الآخر على الإطلاق؛ فتلك المعركة تناقش بعض القضايا الحقيقية المتعلقة بالمساواة الاجتماعية والعداء للعولمة وهي قضايا يجب التعامل معها، ولكن بقية العالم يأملون أن تكون النتيجة هي عدم الاستسلام للحمائية وأن لا تدير أميركا ظهرها للقيادة، وهي الوحيدة التي يمكنها أن تتولاها من أجل التعامل مع مشاكل العالم.
إن مشاهدة ذلك عن قرب يمكن أن يؤدي لليأس ولكن يجب أن لا ننسى أنه خاصة في الولايات المتحدة الأميركية فإن السياسة هي سياسة محلية، علما أنه على مستوى الولاية والمدينة ما يزال هناك الكثير من المسؤولين المنتخبين العقلاء واللطفاء والأذكياء الذين يحاولون توفير قيادة حكيمة والبعض سوف ينتقل للمستوى الوطني، فعلى سبيل المثال في لوس أنجلوس والتي أمضيت فيها عدة أيام، هناك عمدة شاب ذكي ومتعلم يدعى إيريك جارسيتي وهو يجمع بين الحيوية والنشاط والوسامة والمنطق، مما يعني أنه من شبه المؤكد أن يصعد نجمه في المستقبل، ولا بد أن يكون هناك الكثيرون مثله، (أشخاص ملتزمون بالخدمة العامة وليس بالسلوك الذي يهدف لتضخيم الذات كما هو الحال مع بعض المهرجين الخطرين الذين نراهم اليوم).
لكن ما هو مطلوب في أميركا كما هو مطلوب في بريطانيا هو أن ينهض الناس العاديون المعتدلون وأن يتكلموا وأن يحسب لهم حساب. قبل قرن تقريبا كتب دبليو بي ياتس في قصيدته الكئيبة والتي كانت دقيقة التنبؤ بالمستقبل “الأشياء تنهار، المركز لا يستطيع الصمود”. إن سبب عدم تمكن المركز من الصمود لا يزال وثيق الصلة بالموضوع اليوم كما كان عليه الحال في تلك الأيام.
لقد حان الوقت في الديمقراطيات الغربية أن يظهر أفضل الناس المزيد من الحماسة والشغف فبدونهما هناك دوما خطر ولادة ما أطلق عليه ياتس “الوحش الهائج”. يوجد حاليا العديد من “الوحوش الهائجة” في السياسة الأميركية والبريطانية على حد سواء وفي كل مكان في العالم الديمقراطي تقريبا.
كريس باتن
الجزيرة نت