تشير تقارير وإحصاءات إلى أن عائدات النفط تشكل ما نسبته ٤٩ في المئة من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج. وهذه النسبة المرتفعة تجعل دول المجلس عرضة لأخطار تقلبات وتذبذب أسعار النفط، ما يساهم في عدم الاعتماد على النفط في عملية التنمية المستدامة، في وقت مازالت صادرات القطاع النفطي تهيمن على إيرادات الصادرات والإيرادات الحكومية عموماً لدول المجلس. وبالتالي فإن سياسة التنويع الاقتصادي هي إحدى الأدوات المهمة في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة. وتستدعي هذه السياسة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية والإسراع في عملية التخصيص ووضع كل التسهيلات التي تجلب الاستثمار الأجنبي المباشر إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الكثير من القطاعات الاقتصادية، وعلى تحويل بعض أصوله الموجودة في الخارج إلى بلده الأم واستثمارها في مشاريع محلية.
كانت دولة الإمارات ولاتزال السباقة على مستوى المنطقة في مجال عدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، بحيث بلغت مساهمة القطاعات غير النفطية نحو ٧٥ في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير توقعات إلى احتمال أن ترتفع هذه النسبة في السنوات القليلة المقبلة وفقاً لإستراتيجية محكمة ضمن رؤية الإمارات عام ٢٠٢١، بحيث لا يتجاوز الاعتماد على النفط ما نسبته ٢٠ في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بأن تصبح الإمارات في مصاف الدول المتقدمة استناداً إلى الكثير من المعايير والمؤشرات المختلفة. والقطاعات الأكثر نمواً في الإمارات تتركز حالياً في المشاريع المالية والخدمات الحكومية والنقل والاتصالات، بينما تمثل قطاعات التجارة الداخلية والسياحة والعقارات والخدمات والأعمال، أكبر نسبة من الناتج المحلي والقطاع الثالث، أي قطاع التشييد والبناء .
وهنا لابد من الإشارة إلى أن دولة الإمارات استفادت من تجربه النروج في تنويع مصادر دخلها وهي من الدول النفطية المتميزة وثالث أكبر دولة مصدرة للنفط، بحيث أوجدت اقتصاداً متميزاً بعد تركيزها على أربعة محاور هي تنويع مصادر الدخل والتحديث وتنمية الموارد البشرية بالإنفاق على التعليم المتميز ودعم تنافسية القطاع الخاص.
ويذكر أن الإمارات التي ركزت على سياسة الانفتاح الاقتصادي منذ فترة، عملت على ثلاثة محاور هي الاستثمار واستبدال ثروة النفط بثروة مادية (مدارس، مستشفيات، تعليم، جسور، مطارات)، إضافة إلى بنية تحتية متطورة تضاهي البنى التحتية في الكثير من دول العالم (طرق ومواصلات وموانئ وشبكات اتصال) وتشريعات قانونية تخدم النمو الاقتصادي بحيث أصبحت على الخريطة الاقتصادية العالمية ووجهة استثمارية مهمة وجاذبة للاستثمار. والسبب في ذلك تبسيطها الإجراءات الخاصة بممارسة الأعمال. والإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن حصة الأسد من تدفق الاستثمار الأجنبي على المنطقة كانت من نصيب دولة الإمارات بحيث أصبحت تنافس الكثير من الدول بفضل الاستقرار السياسي والأمني والتشريعي. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أنها زادت الإنفاق الكبير أصلاً على جودة التعليم وتطوير العقول البشرية، باعتبارها العملة العالمية لاقتصاد القرن الوحادي والعشرين. وبالتالي فإن الخلوة التي عقدها أصحاب القرار في الإمارات ركزت على الاستثمار في العقول الشابة وتطوير قدراتها لبناء اقتصاد معرفي يستند إلى الابتكار والتكنولوجيا، للوصول إلى تنمية مستدامة باعتباره أساس التنمية والمدخل الرئيس لتطوير عجلة الاقتصاد وتنوعه ومواكبة التنمية الشاملة والمتوازنة بين مختلف القطاعات.
وفي وقت خفضت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية درجات بعض دول الخليج، فإنها حافظت على تصنيف دولة الإمارات نظراً إلى تعدد مصادر دخلها وتنوع قطاعاتها الاقتصادية وقوة قطاعها المصرفي وكفاءته، إضافة إلى أنها تمتلك أكبر صندوق سيادي على مسـتوى المنطقة وثاني صندوق على المستوى العالمي بعد النروج.